بيانات المؤلف
محمد الحجار
الديانة | مسلم |
التوجه | سني |
المذهب الفقهي | |
المذهب العقدي | |
العهد | معاصر |
تاريخ الميلاد | 1920 |
تاريخ الوفاة | 2007 |
ولادته ونشأته:
ولد رحمه الله تعالى في مدينة حلب الشهباء في حي ساحة بزة سنة 1920م، ونشأ في رعاية والده الصالح محمود، ووالدته الصالحة السيدة فاطمة السبسبي، ودرس في المدرسة الخسروية، ثم انتقل في عام 1948م، لمتابعة دراسته في ( المدرسة الشعبانية) في معهد العلوم الشرعية، وأتمَّ دراسته فيه، وكان معه في مراحل دراسته: الشيخ عبد القادر عيسى، وأحمد شعبان، محمد طاووس، وقد جمع هؤلاء في دراستهم بين الدارسة الشرعية القديمة والجديدة.
وقد أُنشئ هذا المعهد الشرعي في عهد مدير الأوقاف الأستاذ نعمان سخيطة، إذ قرَّر أن يجمع طلاب المدارس الشرعية المتفرقة ( البـهـائية، والسيافية، والقرناصية، والإسماعيلية)، في هذا المعهد، وقسَّم الشيخ عطا الصابوني مدير المعهد الشرعي في (الشعبانية) الطلاب، حسب إمكانياتهم على ثلاثة أقسام: قسم في الدرس العام في قبلية المسجد، يحضره مَنْ تجاوز السن، ولم يعد يصلح للانتظام في الصفوف، وكان يدرسهم الشيخ علي العالم الكيالي، والفئة الثانية تم قبولها في الصف الأول، وبقية الطلاب وزِّعوا على الصف الثاني، والثالث، وكانت الدراسة سبع سنوات، وقُبل الشيخ محمد الحجار في الصف الثالث.
ثم استلم إدارة المعهد الشرعي الشيخ: عبد الله سلطان رحمه الله، ونقم عليه بعض الطلاب بإلزامهم بالانتماء إلى بعض المشايخ، وكان يضغط على الطلاب الذين لا ينطوون تحت لوائه، وعاقب عدداً من الطلاب، وأوقف ستة وعشرين منهم: الشيخ محمد في سجن باب النصر، فخرج الطلاب بمظاهرة تندد بسجن الطلاب، وأرسلوا برقية للشيشكلي:" طلاب العلم الشرعي يقادون بعمائمهم إلى السجون.." فأطلق سراحهم مع رد الاعتبار والاعتذار.
شيوخه:
ومن أبرز شيوخه الذين لازمهم وانتفع بهم: الشيخ أبو النصر خلف الحمصي، وأخذ منه الطريقة النقشبندية، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ إبراهيم السلقيني (الجد)، والشيخ محمد نجيب سراج الدين، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ محمد سعيد الإدلبي، والشيخ إبراهيم الغلاييني مفتي قطنا، ولازمه ملازمة تامة في قطنا أكثر من أربعين يوماً. وقد تشرَّف بخدمة هؤلاء المشايخ الكبار، وكان يحلق رؤوسهم ويزين لهم لحاهم.
وممن أجازه ببعض مرويّاته شيخه العلامة عيسى البيانوني جد زوجته، ويروي عنه الحديث المسلسل بيوم عاشوراء، وقد ذكر هذا الحديث في كتابه" من قصص التنزيل"ص 257 عند كلامه عن فضل صوم يوم عاشوراء في قصة موسى عليه السلام:" أقول: هذا الحديث من الأحاديث المسلسلة سندها، وقد أخذته عن شيخي الشيخ عيسى البيانوني، وكان أستاذنا في الثانوية الشرعية، فقال لنا رحمه الله تعالى:" لكم عندي جائزة، ولكن بشرط أن تأتوا صائمين فجئنا، وسرد لنا سلسلة الحديث، وأجازنا به".
إمامته وخطابته في جامع الزكي بحلب:
استلم الشيخ الإمامة والخطابة في جامع الزكي بحي باب النصر، وبقي إماماً وخطيباً أكثر من ثلاثين سنة.
وممن قرأ عليه في جامع الزكي فضيلة الشيخ محمود ميرة، قرأ عليه في الفقه الشافعي، مع الشيخ عمر عطار، ومحمد ربيع عطار، ومصطفى الإعزازي، وكذلك قرأ عليه ولازمه فترة الدكتور الشيخ عبد الستار أبو غدة، وقرأ عليه أيضاً عديله الشيخ حامد غريب، والدكتور الشيخ زهير ناصر، النحو في ألفية ابن مالك، والعهود المحمدية، وممن صحبه في حلب وانتفع بصلاحه وسمته: الأستاذ إسماعيل حقي ناشد، والأستاذ: عاطف بن محمد أسعد البيانوني.
زوجته وأسرته:
وصحب الأستاذ الحجار فضيلةَ الشيخ أحمد عز الدين البيانوني، واستفاد من منهجه في العلم والدعوة، وكان يخصُّه بالحب والرعاية، ويوليه عناية فائقة، ويذهب إلى زيارته في سرايا إسماعيل باشا، وزوَّجه ابنته التقيَّة الصالحة ( بشرى) التي كانت من الداعيات المربيات المدرسات، وكانت نِعْمَ الزوجة لزوجها، تُعينه على طاعة الله عز وجل، وتربية الأولاد، وكان الشيخ شديد الوفاء لها، دائم اللهج بذكرها، وتوفيت قبله بتسع سنوات، ودفنت ببقيع الغرقد في المدينة المنورة، وكان الشيخ يزور البقيع في كل يوم بعد صلاة العصر في المسجد النبوي، ويخصُّ قبرها بزيارته. وله منها ثمانية من الأولاد: خمسة من الذكور، وهم: صفوح من مواليد 1949، ورضوان من مواليد 1950، وأسامة 1954، ويمان1964، وصهيب 1971، وله من البنات ثلاثة: أسماء، وميمونه، ورَضْوى.كما كان يزور الكثير من إخوانه وأصحابه وأساتذته في البقيع، ومنهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكان شديد الحب له،وثيق الصلة به، عظيم التقدير له.
محنته وهجرته إلى المدينة المنورة:
امتحن الشيخ في الأحداث التي وقعت في سورية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وابتلي باستشهاد ابنه صفوح في عام 1980، كما فقد الشيخ اثنين من أبنائه:أسامة الذي كان يعمل مدرساً وخطيباً، ويمان الذي كان طالباً في المرحلة الثانوية، حيث غرَّر به أحد المسؤولين في أجهزة الأمن بتقديمهما للمساءلة وإعادتهما إليه، فوثق بقول ذلك المسؤول، لما جُبل عليه الشيخ من الصدق والوضوح وتحسين الظن، وقَّدمهما إليه ليعودا في اليوم نفسه،كما أكد له ذلك المسؤول؟!!. واختفى أثرهما منذ سنة 1980، مع الآلاف من المفقودين!!. وكان الشيخ مثالاً رائعاً في الصبر والاحتساب، والوفاء والأمل. هاجر إلى المدينة المنورة مجاوراً، منذ سنة 1400، إلى أن توفَّاه الله تعالى في سنة 1428هـ ،كما امتحن في المدينة المنورة بإيذاء بعض الجهلة المتعصبين، ومحاولة إبعاده عن المدينة المنورة مع ثلة من العلماء الفضلاء، فزاده الله عز وجل رضاً وسكينة وطمأنينة، وعزاً ومنزلة ورفعة في قلوب الصالحين من أهل المدينة المنورة.
ملازمته للمسجد النبوي:
كان شديد الحرص على صلاة الجماعة في المسجد النبوي، والقراءة والعلم و التعليم. وكان بحق حمامة المسجد النبوي، وما من أحد من أصحاب الشيخ وعارفيه، زار المسجد النبوي إلا ورآه في مجلسه المعروف عند باب السلام بعد صلاة الفجر، أو عند باب الرحمة بعد صلاة الظهر، أو عند أول التوسعة السعودية بعد باب الرحمة من بعد صلاة العصر إلى صلاة العشاء. لم ينقطع رحمه الله عن المسجد النبوي في يوم من الأيام، حتى في شدَّة الزحام، في شهر رمضان، وأشهر الحج، فكان يحضر إلى المسجد عند الأذان الأول، ويبقى إلى صلاة الضحى، ثم يعود بعد استراحة قصيرة في منزله إلى المسجد قبل صلاة الظهر، ويأتي إلى الروضة المطهَّرة كل يوم، ويستمر في صلاته وعبادته فيها إلى ما بعد صلاة الظهر، ثم يمكث في المسجد إلى ما بعد صلاة العشاء. وكان يخرج ماشياً إلى مسجد قباء كل يوم سبتٍ، ولم ينقطع عن هذه السنَّة إلا بعد كسر حوضه قبيل ثلاث سنوات من وفاته. ومن حرصه على صلاة الجماعة في المسجد النبوي أنه كان إذا أراد السفر إلى مكة المكرمة للعمرة لا يخرج من المدينة إلا بعد صلاة العشاء، كي لا يضيع صلاة الجماعة في المسجد النبوي، ويصل إلى مكة عند الأذان الأول للفجر، ويصلي الفجر في المسجد الحرام، ويكثر من الطواف بعد العمرة، ولا يقل طوافه عن عشرة أسابيع.
منهجه في العبادة:
وكان آية في العبادة، يذكِّر بالسلف الصالح، لا يفرغ من صلاة وصيام وذكر وتلاوة قرآن، وقراءة وإقراء. من منهجه في العبادة: المداومة على اثنتي عشرة ركعة في صلاة الضحى، وعلى اثنتي عشرة ركعة بعد صلاة المغرب، وصلاة التسابيح، وقيام الليل، وصيام الدهر دون إفطار إلا في الأيام الخمسة التي لا يحل صومها، وهي: يوم الفطر ويوم النحر، وأيام التشريق الثلاثة. وكان يراجع مؤلفاته ويصححها في الحرم الشريف، وله دروس متنوعة في الفقه الشافعي والعربية والتفسير بعد صلاة الفجر والعصر والمغرب من كل يوم.
شجاعته وجهره بالحق:
ومع انقطاع الشيخ للعبادة وانهماكه بالذكر والمحافظة على سائر النوافل، والتزام الأدب، والتواضع الشديد، وإيثار السكوت والعزلة، فإنه كان رياضياً يعنى بصحته وجسده، ويمارس رياضة المشي، ويقل الطعام،وكان سباحاً ماهراً، ورامياً حاذقاً، كما كان يجهر بالحق، ويدعو إلى الجهاد،وفي أوائل الثمانينيات كان مع هيئة علماء حلب في معالجة الأحداث التي تتابعت، وصدع بكلمة الحق، من فوق منبره في جامع الزكي. ومن أقواله في الدعوة إلى الجهاد والاستعداد والتضحية والاستبسال... في خطبته عن الجندية1/90 ، التي افتتحها بقول الله سبحانه:{ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون}[ الأنفال: 45]، ثم تكلم حول معنى هذه الآية، وعن حكم الإسلام في الجندية، وأورد نماذج من جهاد السلف، ووحدة الصف، وبيَِّن مراده بهذه الدعوة، ثم قال:" ولكني أريد أن أنبه إخواني المسلمين : عرباً وعجماً، وأن أحضّهم على الجندية، وأدعوهم إليها، ليكونوا على أهبة وحذر من العدو، وأن أبين: بأن الإسلام ـ لا كما يزعم البعض ـ دين عبادة وزهاده، دين عزوف عن الحياة، وقمع في البيوت والزوايا فحسب، لا علاقة له بأمر السياسة، ولا حق له بإدارة دفة الحكم، فينبغي فصل الدين عن الدولة"، وقال في خطبته عن غزوة بدر1/198:" يجب علينا أن نؤمن بأن الجهاد فريضة مُحتَّمة، أوْجبه الله علينا بالعبادة التي أوجب بها الصوم، فكما قال سبحانه:{ كتب عليكم الصيام}، قال في السورة نفسها:{ كتب عليكم القتال...}، وأن نؤمن أن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، لا يبطله جَوْر جائر ولا حكم حاكم".
ويقول في خطبته عن الجهاد الأكبر1/371:" إن الحرب آتية لا ريب فيها، فإذا لم تأت الحرب إلينا،فيجب أن نسعى إليها، لأن لنا رسالة لابد وأن نؤديها، ولنا أخوَّة في العروبة والإسلام، لا بدَّ أن نحطم من أغلالها، ونحمي تربتها، ولنا بلاد في مشارق الأرض ومغاربها، لابدَّ أن نطهرها من رجس المستعمرين، وأيدي الغاصبين... ولنعلم حقَّ العلم، بأن الجهاد ماض إلى يوم القيامة، فمن لم يَغْزُ، ولم يحدث نفسه بالغزو، ومات مات ميتة جاهلية...". ويقول في خطبته "لمحات عن البسالة والبواسل"1/508ـ514، بعد أن استعرض صوراً رائعة من بواسل الإيمان في غزوة أحد والأحزاب:" بهذه الروح يجب أن نتسلح ـ مَعشر الشباب ـ وبهذه الروح يجب أن نعمل ونجاهد.. هذا هو الإسلام في جيوشه وقوته، في كفاحه وجهاده، هذا هو الإسلام ـ أيها الشباب ـ منه استمد الأولون الروح الحية، وكانوا في انطلاقهم وجهادهم كالعاصفة، وفي ثباتهم وصبرهم كالرواسي". كما اهتم في خطبه بقضية فلسطين. ومن ذلك قوله1/99:" لقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانة في أعناق المسلمين، ولاسيما القائمين على الحكم، أن يحتفظوا بهذه الأرض المقدسة، وأن لا نسمح للغزاة المستبدين، بانتزاع شبر من أرضها ما دمنا أحياء، وأن ندافع عنها بكل ما نملك من قوة، وأن نعتبر الدفاع عنها واجباً يحتمه الدين، ويوجبه الإسلام، وتؤكده العقيدة، لا مفرَّ عنها ولا محيص".
ويقول في خطبة غزوة بدر1/198:" تمر علينا هذه الذكرى: والأرض المقدسة، مازالت موطئ نعال الصهاينة من بني إسرائيل، الذين قتلوا الأنبياء بغير حق، وغضب الله عليهم ولعنهم، والمسلمون غارقون إلى أذقانهم بالترهات والأوهام والأباطيل... تمر علينا الذكرى والمسلمون على كثرة ملايينهم، مفككو العُرى، ممزقو الروابط، مختلفو الصفوف، كلٌّ يسعى في محق أخيه وإبادته، والحرب طحون قائمة بينهم على قدم وساق، كلٌّ يستمدُّ قوته من الشرق أو الغرب...". كما حذر من الردة وبيَّن أحكامها 1/396ـ407،في موضوع استوعب فيه أنواع الردة، وجمع أطرافه، وأحسن اختصاره، من مطولات كتب الفقه.
كما تحدث عن سبب انحطاط المسلمين1/504ـ504، في خطبته عن الحالة الحاضرة وأثرها في الناس، وحذر من أخطار الحزبيات المشتتة للأمة1/505، و مما قال في ذلك:" كثرة الأحزاب والشيع دليل واضح وبرهان ساطع على تفرقة الأمة، وتخاذلها وانحطاطها... وإن التفرق والتحزب والتشيع كلُّ ذلك عده القرآن نوعاً من أنواع العذاب، يضرب الله به على أمةٍ سخط عليها وغضب..."
كما حذَّر من الدعوات الضالة الوافدة، فحذر من الشيوعية وغيرها من المذاهب الهدامة التي تدَّعي رحمة الفقير أو العطف على العامل1/506 ... كما حذَّر من الدعوة إلى القومية، أو الوطنية، أو الاشتراكية، أو الشعبية، وقال عن هذه الدعوات 1/506:"إنها وليدة أفكار سخيفة، لم تعِ الإسلام ولم تفهمه، ولم تُحط بسموِّ ما جاء به من الأحكام"..
واستمع إلى دوي كلماته ـ وهو المخبت الخاشع ـ وجَلْجَلة صوته في خطبته:" ردة ولا أبا بكر لها"، بعد أن تحدث عن الشيوعية التي وضعت الناس في جحيم أحمر، وجعلت أبناءها يعيشون عيشة الأنعام... وعن الرأسمالية التي هي أسوأ وأشر، يبطش القوي بالضعيف، ويقضي الغني على الفقير، فانطلق الناس كالحيوانات الضارية، والذئاب الشاردة.. فبيَّن السبيل الواحد الذي جاء في كتاب الله، وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.. ثم حذَّر من الردة التي اكتسحت العالم الإسلامي، وغزت المجتمع المسلم.. وقال أيضاً 2/109:" الإسلام لا يعرف محاكم التفتيش ولا التعنيف، ولا يعرف الاضطهاد، بل ولا يعرف المحاكم العرفية، التي أقامها عملاء الاستعمار للمحافظة على مناصبهم، فبنوا القلاع والسدود، وجعلوا الحواجز والحصون فيما بينهم وبين شعوبهم، كي لا يسمعوا أنين المظلومين، ولا عويل المنكوبين!!".
وتحدث عن مسؤولية الحاكم وانحراف القيادة في خطبته عن القيادات الرشيدة، وما جَنَتْهُ هذه القيادات على الأمة2/117:" إن الحرمان الذي لاقته الأمة العربية، منذ أن انحرفت القيادات العربية عن مراكزها، منذ أن انحصرت هذه القيادات في الرؤوس المترفة، والأجسام الخائرة، إن الحرمان والكبْت والظلم والعسف الذي لاقته الأمة العربية من هذه القيادات المنحرفة، أضعف الروح المعنوية في كل فرد من أفراد الأمة، وجرى اليأس في عروقه ودمه، من أن يتقدم شبراً إلى الأمام...".
كما تحدث عن الأوضاع الأخلاقية للأمة2/130: من تفكك مكشوف، وتحلل خلقي، واندثار العدل، وانتشار الظلم... وحذَّر من دسائس الأعداء، وتآلبهم على المسلمين، وإحداث عوامل الفرقة والتشتت فيقول في خطبته:" وحدة الصف"2/213:" نرى أعداء الإسلام ساعين بجد ونشاط على إزالة المسلمين من الوجود بتسليط بعضهم على بعض، وهو جاثم على صدورهم، آخذ بقامتهم، حتى لا تقوم لدينهم قائمة، ولا يبقى لهم باقية..." وبعد أن استعرض موقف الأعداء من المسلمين وما أصابهم من تقتيل وتعذيب.. قال:" تنبَّهوا إلى ما يراد بكم، وبدينكم من خطر!! واذكروا دائماً أن الغرب وأعوانه لكم بالمرصاد، وأنهم يتربصون بكم الدوائر، فوحِّدوا جهودكم، وكونوا يداً واحدة على من عاداكم.. وإياكم أن يدخل الأعداء في صفوفكم، ويفرق بين طوائفكم، وحَسْبُكم ما وصلتم إليه من مهانة، وما لحق بكم من عار واضمحلال. وحذار ثم حذار من انشقاق الصف، وإيقاع الخلف في أمور جزئيَّات تافهة، ومسائل فرعيَّة أشد تفهاً، فهي لا تعطل واجباً، ولا تبيح حراماً، وإيّاكم من صرف الجهد لما اختلف فيه الأئمة التي ليست من أصول الدين، فإنَّّ العدو ينتظر مثل هذا الخلاف ليدخل قلب المسلمين، فيفرق جمعهم، ويمزِّق شملهم، ويطأ بقدمه أرضهم، ويحتقر مقدساتهم، ويستولي على بلادهم..".
منهجه الإصلاحي والدعوي:
ومن قرأ كتابه:" الصحوة القريبة" وجد فيه صدق اللهجة، ومَحْضَ النُّصح، وقوة العاطفة، كما وجد فيه معالم من منهجه الإصلاحي والدعوي، فقد حذر من كثير من المفاسد والمنكرات المنتشرة في المجتمع.
مثل منكرات المآتم ومنكرات السماع من المذياع 1/173، وتكلم عن حال قراء هذا العصر 1/172. كما حذر من بعض البدع الشائعة، كتحذيره من بدعة الاستخارة بالنوم، فقال في كتابه "الإسلام وأركانه الأربعة" ص152: "استخارة المنام ليست بواردة، ولا يجوز الاعتماد على المنامات، لأنه يغلب فيها التخليط، وحديث النفس. نعم؛ يستأنس بالمنام لا غير. وما يفعله بعض العوام ولاسيما النساء منهم، يقولون لبعض الأشياخ: بيِّت لي استخارة ليس بصحيح، فيجب تعليمهم وتذكيرهم وإرشادهم للسنَّة الصحيحة التي ليس عليها غبار، وقد نبهت على هذا في فتح العلام أثناء تعليقي عليه، فعد إليه". ومن ذلك دعوته: لترك الإكثار من الحج لتعطى الفرصة لمن أراد أن يُؤدي الحج لأول مرة، لما تسبّبه ـ كما قال في كتابه " الصحوة القريبة" 1/212 ـ الكثرة الكثيرة، من أزمات خطيرة: حسيَّة ومعنوية، دينية وأخلاقية، أزمات في السكن، وفي السعي، وفي رمي الجمار، و في الصلاة والطواف، أزمات في المطاهر والمياه، في الفئة القليلة التي أرادت أن تؤدي فريضة الحج لأول مرة، وإذا بها قد اندلع أمامها هذا الحشد الكبير فجعلها في مضيعة ! فلم يستطع الحاج أن ينهض بما وجب عليه من أداء الفرائض فضلاً عن النوافل... ولهذا أتقدم بكلمتي هذه لأهل الوعي من المسلمين ـ غير العاطفيين ـ أن ينتبهوا وينبهوا غيرهم لهذا، بإعطاء المجال لهؤلاء السذج الأغرار، ليتمكنوا من أداء المناسك، ويُعوِّضوا عن حجهم بعمرة، رحمةً بإخوانهم، أو يجعلوا الحج في كل خمس سنوات تخفيفاً لهذا الضغط الشديد...". وينظر كلامه حول الازدحام عند الحجر الأسود في كتابه" الإسلام وأركانه الأربعة" ص593 تحت عنوان: النداء العميق، وكلامه حول منكرات الحج، في كتابه السابق أيضاً ص570ـ572 كما حذر في كتابه" الصحوة القريبة" من المغالاة في المهر 1/293، ومن إحجام الشباب عن الزواج1/294، كما حذر من انحراف بعض الرجال في معاملة نسائهم، وسلوكهم داخل البيت2/64، وقال ناصحاً الأزواج بعدم التحكم والبغي على نسائهن، وقـال 2/73 : " فقد تكون المرأة عجينة صالحة للصلاح، والاستقامة، وإطاعة الزوج، ولكنَّ سوء المعاملة، أو شدة المؤاخذة، تدفعها إلى الشطط والعناد... إن المرأة ليست عند الرجل أثاثاً يقتنى، أو متاعاً يباع ويشرى!!! ولكنها إنسانة لها حقوقها ، وحرمتها، وحريتها، بحكم الإسلام، وحكم القرآن". وحذر كذلك من الرشوه وبيَّن أخطارها وآثارها1/357.
مؤلفاته:
توجه الشيخ للكتابة والتأليف وهو في مدينة حلب، ومن أوائل الكتب التي أصدرها:" سمير المؤمنين"، و" فتح العلام"، وقد تتابعت طبعات هذين الكتابين، وهذه قائمة بأسماء مؤلفات الشيخ ، ثم أُعقبه بأسماء الكتب التي عني بالتعليق عليها وخدمتها، أما المؤلفات فهي:
1ـ سمير المؤمنين في المواعظ والحكم والقصص. 2ـ الصحوة القريبة بإذن الله. وهو مجموعة خطب توجيهيَّة نافعة. 3ـ الحب الخالد. 4ـ الإسلام وأركانه الأربعة. 5ـ من قصص التنزيل. 6ـ النصيحة الموجزة.
وسيأتي الحديث عن هذه الكتب بعد استيفاء ترجمته رحمه الله تعالى.
وأما الكتب التي نشرها، فقد عني ببعض كتب الإمامين الغزالي والنووي، وكان يهتم في نشر تلك الكتب بالتعليقات المفيدة للقارئ، دون اهتمام بالمقابلة على أصول خطية أوتخريج للأحاديث أو توثيق للنقول. وهذه قائمة بأسماء الكتب التي عني بنشرها وشرحها:
1ـ فتاوى الإمام النووي. 2ـ التبيان في آداب حملة القرآن للنووي. 3ـ بستان العارفين للنووي. 4ـ شرح المقاصد النووية. 5ـ بداية الهداية للغزالي. 6ـ فتح العلام في فقه الشافعية للجرداني.
تلاميذه في المدينة المنورة:
ومن تلاميذه الذين صحبوه ولازموه، واستفادوا من علمه وصلاحه: فتح بن محمد عبد الله أبو الفتح البيانوني، و جذاع الصُّويلح، مدير إذاعة القرآن الكريم في الكويت، وعلي الحريري من نوى في حوران، وعمر الكاف، ومحمود عبد الغني اليماني، وعبد السلام بن محمد سعيد رمضان البوطي، ويوسف مرعشلي، وعبد المعين عرّوب، وغسان وتد، وتامر نجار، وسامح عطار، زوج حفيدة الشيخ. وكان لي شرف الحضور عليه، وتقبيل يديه، وطلب الدعاء منه، في كل زيارة للمدينة المنورة، وقد أكرمني بإجازته العلمية عن شيوخه الذين أجازوه رحمهم الله تعالى.
وفاته:
مكث الشيخ في المدينة المنورة قرابة ثلث قرن مستقيماً على منهج ثابت في العبادة والعلم، معافىً في بدنه، ممتعاً بحواسه، آمناً في سربه، راضياً مطمئناً. وفي يوم الأربعاء 5/محرم/1428هـ حضر إلى المسجد صحيحاً معافى، وصلى الصلوات الخمس فيه، و بعد صلاة العشاء من ليلة الخميس ذهب إلى بيته ليتناول طعام إفطاره، وأخلد إلى النوم في تمام الساعة العاشرة، وتأخر في الاستيقاظ عن موعده المعروف للتهجد والسحور، والاستعداد للذهاب إلى الحرم في موعد الأذان الأول، فدخل عليه ابنه الكبير رضوان، ليطمئن عنه ويوقظه لتهجده وسحوره، فرآه في نومته التي تركه عليها، أول الليل، وقد توفاه الله الوفاة الكبرى، وأسلم الروح لبارئها، ليلة الخميس في حدود الساعة الواحدة ليلاً. وقد صلي عليه في المسجد النبوي بعد صلاة الظهر من يوم الخميس 6/محرم/1428 هـ ، وشيَّعه المئات من محبيه وتلامذته، ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة، وقد قال رحمه الله تعالى في رسالة :" علموني يا قوم كيف أحج" ص 596:"والموت في المدينة، لا يناله إلا السعيد، لأنه يستوجب شفاعة رسوله الحبيب، وقد أكرم الله زوجتي بهذه الكرامة، وأسأل الله تعالى أن يخصَّني بها كما خصَّها:" اللهمَّ إني أسألك شهادة في سبيلك، والموت في بلد نبيك.ثم قال رحمه الله تعالى: "وأضيف إلى هذا قائلاً وراجياً:" اللهم لا تقبضني إليك إلا وأنا صائم ساجد في بلد نبيك، اللهم لا تحجبني بذنوبي عن بلد رسولك صلوات الله وسلامه عليه. ولله در القائل:
يا نــزولاًً بـها هـنـيئاً ً فــقــــــد فزتم بها في حياتكم والممات
من جــنـان إلــى جـنـان فأنــتـم في كلا الحالـتـين في جـنات
ما غبطنا الملوك ولكن غبطناكم على نَيْل أحــــسن الحــالات". انتهى
https://islamsyria.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%A7%D9%87%D8%AF/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AC%D9%85