الحي
الأسماء المطلقة: المفردة
ذهب بعض أهل العلم إلى أن اسم الله الحي مقرونا مع القيوم هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى. مستدلين بحديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث، البقرة وآل عمران وطه». أخرجه ابن ماجه برقم (3856) والطحاوي في مشكل الآثار برقم(177) والطبراني في الكبير برقم (7758), والحاكم في المستدرك (1/ 505), والحديث حسنه المناوي كما في تحفة الذاكرين (ص 70), والألباني في السلسلة الصحيحة برقم(746). قال القاسم: -الراوي عن أبي أمامة- التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم. قال ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان أعظم آية في القرآن: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... } [البقرة:255]، وهو الاسم الأعظم؛ لأنه استلزم جميع الصفات فلو اكتفى في الصفات بالتلازم لاكتفى بالحي». مجموع الفتاوى (18/311). وقال ابن القيم رحمه الله: «كان اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: آية الكرسي، وفاتحة آل عمران لاشتمالهما على صفة الحياة المصححة لجميع الصفات، وصفة القيومية المتضمنة لجميع الأفعال، ولهذا كانت سيدة آي القرآن وأفضلها» مختصر الصواعق (1/127). وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:«وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في {الحي}؛ وصفة الإحسان، والسلطان في {القيوم}».«تفسير: الفاتحة والبقرة» (3/ 257-258). و لم يقترن اسم الله الحي إلا باسمه القيوم.وذلك في ثلاثة مواضع: قول الله -عز وجل-: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255]. وقوله -عز وجل-: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [آل عمران: 2]. وقال -عز وجل-: {وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما} [طه: 111]. وقد بين ابن القيم رحمه الله وجه اقترانهما بقوله: «عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما مرجع معانيها جميعها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفي كمال الحياة وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه، وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته، وهذا من كمال قدرته وعزته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة»بدائع الفوائد (2/410). وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: «واعلم أن هذين الاسمين، أعني: الحي القيوم مذكوران في القرآن معا في ثلاث سور كما تقدم، وهما من أعظم أسماء الله الحسنى، حتى قيل: إنهما الاسم الأعظم، فإنهما يتضمنان إثبات صفات الكمال أكمل تضمن وأصدقه.... واقترانه بالحي يستلزم سائر صفات الكمال، ويدل على بقائها ودوامها، وانتفاء النقص والعدم عنها أزلا وأبدا. ولهذا كان قوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255]. أعظم آية في القرآن، كما ثبت ذلك في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم»«شرح الطحاوية» (1/ 90-91). وقال السعدي رحمه الله:«فـ (الحي): الجامع لصفات الذات، و(القيوم) الجامع لصفات الأفعال». «التفسير» ص(948). وقال ابن عثيمين رحمه الله: «وفي الجمع بين الاسمين الكريمين (الحي القيوم) استغراق لجميع ما يوصف الله به بجميع الكمالات؛ ففي الحي: كمال الصفات، وفي القيوم: كمال الأفعال، وفيهما جميعا كمال الذات، فهو كامل الصفات والأفعال والذات» «تفسير: آل عمران» (1/ 7).
الخالق
الأسماء المطلقة: المفردة
لقد ورد اسم الله الخالق مقرونا مع غيره في قول تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِىءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24]. وقد بين بعض أهل العلم الفرق بين الخالق والبارئ والمصور: فقال الغزالي -رحمه الله-: «قد يُظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أولا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله -تبارك وتعالى- خالق من حيث إنه مقدر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب».«المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (ص 72). وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿هو الله الخالق البارئ المصور﴾ الخالق هنا المقدر. والبارئ المنشئ المخترع. والمصور مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة. فالتصوير مرتب على الخلق والبراية, وتابع لهما»« الجامع لأحكام القرآن» (18/ 48). وقال الطيبي رحمه الله:«فالله سبحانه خالق كل شىء، بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللهم إلا إذا فسر الخالق بالمقدر، فيكون من صفات المعانى؛ لأن مرجع التقدير إلي الارادة، وإن فسر الخالق بالمقدر، فوجه الترتيب ظاهر؛ لأنه يكون التقدير أولا، ثم الإحداث علي الوجه المقدر ثانيا، ثم التسوية والتصوير ثالثًا، وإن فسر بالموجد، فالاسمان الآخران كالتفصيل له، فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار، سواء كان الموجد مادة أو صورة، ذاتًا أو صفة»«الكاشف عن حقائق السنن» (6/ 1779-1780), وانظر: «فتح الباري لابن حجر» (20/ 485), و«تفسير البغوي» (8/ 88), و«تتمة أضواء البيان» (8/ 77). وقال ابن كثير -رحمه الله-: «الخلق هو التقدير، والبراء: هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله -عز وجل-» «تفسير ابن كثير» (8/ 80). ويقول السعدي -رحمه الله- في قوله تعالى: {الخالق البارئ المصور}: «الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم» تفسير السعدي (ص 947). وقد بيّن الخطابي رحمه الله: أن لفظ البارئ له من الاختصاص بالحيوان ما ليس له بغيره من الخلق، وقلما يستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال، فيقال: برأ الله السماء كما يقال: برأ الله الإنسان، وبرأ النسم. انظر: «شأن الدعاء» (ص 51). بل بيّن ابن القيم تبعا للطيبي رحهمها الله أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق. انظر:«شفاء العليل» (1/396-397). وأما الفرق بين الخالق والخلّاق: فالخالق: اسم الفاعل من خلق يخلف وهو خالق، والخلاق: فَعَّال للمبالغة. «اشتقاق أسماء الله للزجاجي» (ص166). وأما تسمية المتكلمين لله تعالى بغير الاسم الخالق مما يدل على معناه كالموجد والصانع ونحوها, فإنها لا تدل على كمال ما دل عليه الاسم الشرعي, يقول ابن القيم رحمه الله مبينًا الاسم الشرعي: «وأما الموجد فقد سمّى نفسه بأكمل أنواعه؛ وهو الخالق البارئ المصور، فالموجد كالمحدث والفاعل والصانع، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى».«مدارج السالكين»(4/395). وأضاف رحمه الله أن لفظ المُوجِد، لم يقع في أسماء الله سبحانه، وإن كان هو المُوجِد على الحقيقة، ووقع في أسمائه الواجد، وهو بمعنى: الغني الذي له الوُجْد. وأما المُوجِد فهو مُفْعِل من أوجد، وله معنيان: أحدهما: أن يجعل الشيء موجودًا، وهو تعدية وَجَدَ وأوجده. والمعنى الثاني: أوجده: جعل له جِدَةً وغِنًى، وهذا يتعدّى إلى مفعولين. فيقال: أوجده الله مطلوبه، أي: أظفره به. وأوجده، أي: أغناه. وأما لفظ الصانع فلم يرد كذلك في أسماء الربِّ تعالى، ولا يمكن وروده؛ فإن الصانع مَنْ صَنَع شيئًا، عدلًا كان أو ظلمًا، سفهًا أو حكمة، جائزًا أو غير جائز. وما انقسم مسمّاه إلى مدح وذم لم يجئ اسمه المطلق في الأسماءالحسنى، كالفاعل والعامل والصانع والمريد والمتكلم؛ لانقسام معاني هذه الأسماء إلى محمود ومذموم، بخلاف العالم والقادر والحي والسميع والبصير. انظر: «شفاء العليل لابن القيم» (1/ 429-432).
الله
الأسماء المطلقة: المفردة
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم ما يقارب (2635)مرة, وكما أنه ورد مفردا فقد ورد مقرونا بغيره كما في قوله تعالى:} هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ ]الحشر: ٢٤[, وهو الإسم الذي ترجع إليه جميع الأسماء كما في قوله تعالى:} هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ{, ]الحشر: ٢٢ – ٢٣[, وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا }]الأعراف: ١٨٠[. قال ابن القيم رحمه الله:«فعلم أن اسمه الله مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال عليها بالإجمال، والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي اشتق منها اسم الله» مدارج السالكين (1/56). وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن اسم (الله) هو الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى, منهم ابن عباس رضي الله عنهما (أخرجه ابن مردويه كما في الدر المنثور (1/ 23). والشعبي (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (10/ 273), وأبو حنيفة والطحاوي كما في(شرح مشكل الآثار (1/ 161-162)، وابن العربي في (أحكام القرآن (2/ 808)، وعزاه والطرطوشي في(الدعاء المأثور وآدابه (ص 96), والسفاريني في (لوامع الأنوار البهية (1/ 35): إلى أكثر أهل العلم، ورجحه بعض المعاصرين كالمباركفوري في (تحفة الأحوذي (9/ 446), وغيره. واستدلوا على ذلك بأدلة منها: 1ـ أن لفظ الجلالة (الله) هو الاسم المذكور في كل الأحاديث الواردة. وأصحها حديث عبد الله بن بريدة الأسلمي عن أبيه أنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، قال: فقال: «والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم؛ الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى». أخرجه أبو داود برقم(1479), والترمذي برقم(3475), والنسائي برقم(1301), وأحمد في المسند (5/ 350), والحاكم في المستدرك (1/ 514) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي, وقال الحافظ في الفتح ( 11/ 228): «هو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك» أي الاسم الأعظم. وصححه الألباني في المشكاة برقم (2289). قال أبو جعفر الطحاوي: «فهذه الآثار قد رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متفقة في اسم الله الأعظم أنه الله جل وعز». شرح مشكل الآثار (1/ 161). 2ـ أن هذا الاسم هو المأثور عن السلف رضي الله عنهم كابن عباس وجابر بن زيد والشعبي وابن مبارك وعليه جمهور العلماء بعدهم. 3ـ لما لهذا الاسم من الخصائص والمزايا المعنوية واللفظية ما لا يوجد في غيره. وقد أجاب الدكتور محمد خليفة التميمي عن هذا الاستدلال, ثم قال بعد ذلك:«والذي يظهر أن الجزم بتحديد الاسم الأعظم وتعيينه على وجه قطعي من الأمور المتعذرة، لأن العلم به من الأمور الموقوفة على الوحي السماوي لا مجال للاجتهاد فيه، وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع مما يمكن الاحتجاج به ليس صريحا في تعيينه وما روي عمن تقدم من العلماء في تحديده إنما هو اجتهاد منهم في فهم هذه النصوص الواردة. وعليه فإن تحديد هذا الاسم على وجه القطع غير متيسر وقد أخفاه الله عنا بعد أن بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أهم خصائصه وبعض مواطن وجوده وأماكن تحريه لنجتهد في الثناء على الله تعالى بأسمائه عز وجل والتوسل إليه بأكبر قدر ممكن من أسمائه الحسنى خاصة ذات الشرف والفضل لعلنا نظفر بدعوة لله تعالى بهذا الاسم فتتحقق الإجابة... ولا ننسى أن الله قد وعد بالإجابة لمن دعاه على وجه الإطلاق قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر آية 60]، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة آية 186].وهذا دليل قطعي لا مجال للخلاف فيه ووعد مؤكد والله تعالى لا يخلف الميعاد. والإجابة متحققة بإذن الله تعالى عند توفر شروطها وانتفاء موانعها». المسائل العقدية المتعلقة باسم الله عز وجل ص(105, وما بعدها).
الأحد
الأسماء المطلقة: المفردة
جاء كذلك اسمه جلّ جلاله (الأحد) مقترنًا مع اسمه سبحانه وتعالى (الصمد) في سورة الإخلاص: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ﴾ [الإخلاص: 1-2] ,ووجه الاقتران راجع إلى أمرين: - للدلالة على أن الأحد المتفرد بالكمال في أسمائه وصفاته وأفعاله هو المستحق بأن تصمد له القلوب وتنزل به الحوائج. - للدلالة على انفراد الله -عز وجل- بجميع صفات الكمال، قال ابن رجب -رحمه الله-: «فالصمدية تثبت الكمال المنافي للنقائص، والأحدية تثبت الانفراد بذلك». انظر: «موسوعة شرح أسماء الله الحسنى» (1/ 595). قال ابن تيمية رحمه الله: «وهذان الاسمان الأحد والصمد لم يذكرهما الله إلا في هذه السورة وهما ينفيان عن الله ماهو منزه عنه من التشبيه والتمثيل ومن التركيب والانقسام والتجسيم, فإن اسمه الأحد ينفي المثل والنظير كما تقدم الكلام على ذلك في أدلته السمعية وبيّنا أن الأحد في أسماء الله ينفي عنه أن يكون له مثل في شيء من الأشياء, فهو أحد في كل ما هو له, واسمه الصمد ينفي عنه التفرق والانقسام والتمزق وما يتبع ذلك من تركيب ونحوه, فإن اسم الصمد يدل على الاجتماع وكذلك كل واحد من معنييه اللذين يتناولهما هذا الاسم» «بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية» (3/ 461). وأما ورود لفظ الأحد مجردا عن الألف واللام في السورة بخلاف الصمد, فقد أجاب عنه ابن رجب رحمه الله بقول: «أن الصمد يسمى به غير الله ...، فأتى فيه بالألف واللام ليدل عَلَى أنه سبحانه هو المستحق لكمال الصمدية، فإن الألف واللام تأتي لاستغراق الجنس تارة، ولاستغراق خصائص أخرى كقوله: زيد هو الرجل: أي الكامل في صفات الرجولة، فكذلك قوله: {الله الصمد} أي الكامل في صفات الصمدية. وأما الأحد فلم يتسم به غير الله، فلم يحتج فيه إِلَى الألف واللام».«تفسير سورة الإخلاص» (2/ 540).
المتكبر
الأسماء المطلقة المقترنة
ورد اسم الله المتكبر في موضع واحد في القرآن فقط, مقرونا مع غيره من الأسماء في أخر سورة الحشر. قال الله تعالى: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ{ ]الحشر:23[. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله في بيان وجه تتابع هذه الأسماء وما دلت عليه من الصفات بقول:«ووجه ذكر هذه الصفات الثلاث عقب صفة المهيمن أن جميع ما ذكره آنفا من الصفات لا يؤذن إلا باطمئنان العباد لعناية ربهم بهم وإصلاح أمورهم وأن صفة المهيمن تؤذن بأمر مشترك فعقبت بصفة العزيز ليعلم الناس أن الله غالب لا يعجزه شيء. واتبعت بصفة الجبار الدالة على أنه مسخر المخلوقات لإرادته ثم صفة المتكبر الدالة على أنه ذو الكبرياء يصغر كل شيء دون كبريائه فكانت هذه الصفات في جانب التخويف كما كانت الصفات قبلها في جانب الإطماع».«التحرير والتنوير» (28/ 122-123). وكذلك بيّن ابن القيم رحمه الله وجه اقتران هذه الأسماء ببعضها بقوله: «ولهذا جعل سبحانه اسمه الجبّار مقرونًا بالعزيز والمتكبر، وكل واحد من هذه الأسماء الثلاثة يتضمن الاسمين الآخرين، وهذه الأسماء الثلاثة نظير الأسماء الثلاثة، وهي: الخالق البارئ المصور، فالجبار المتكبر يجريان مجرى التفصيل لمعنى اسم العزيز، كما أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق، فالجبّار من أوصافه يرجع إلى كمال القدرة والعزة والمُلْك، ولهذا كان من أسمائه الحسنى» «شفاء العليل» (1/ 396-397).
الأعز
الأسماء المطلقة: المفردة
ورد هذا الاسم في دعاء اثنين من الصَّحابة هما عبد الله بن مسعود وعبد الله ابن عمررضي الله عنهما، وورد عن تابعيٍّ، ومثل هذا يكون له حكم الرَّفع. وقد ذكر أهل العلم كالأزهري والخطابي والجوهري وغيرهم: أن اسم الله (الأعز) هو بمعنى (العزيز). انظر: «تهذيب اللغة للأزهري» (1/ 64), و«الصحاح للجوهري» (3/ 886), و«شأن الدعاء للخطابي» (ص: 103), و«الأسماء والصفات للبيهقي» (1/ 148), و«تاج العروس للزبيدي» (14/ 5), و«لسان العرب لابن منظور» (5/ 127). وعليه فالكلام في بيان معناه وما يتعلق به مما يدل عليه هو نفس ما قيل في اسم الله (العزيز).
الجواد
الأسماء المطلقة: المفردة
لم يرد هذا الاسم إلا في السنة النبوية المطهرة, والعمدة فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند ابن أبي شبية في المصنف وأبي نعيم في الحلية, وأما الحديثان الآخران فضعيفان, فلا يعتد بهما. وقد أثبت أهل العلم هذا الاسم لله تعالى منهم: المزني رحمه الله تعالى حيث قال: «وَهُوَ الْجواد الغفور ﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]»«شرح السنة» (ص75). وقال البغوي رحمه الله: «وجملته: أن أسماء الله تعالى على التوقيف فإنه يسمى جوادا ولا يسمى سخيا، وإن كان في معنى الجواد، ويسمى رحيما ولا يسمى رفيقا».«معالم التنزيل» (3/ 307). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «لا ريب أن الله عند أهل الملل كريم جواد ماجد محسن عظيم المن قديم المعروف، وأن له الأسماء الحسنى التي يثنى عليه فيها بإحسانه إلى خلقه» بيان تلبيس الجهمية (1/521).
القيوم
الأسماء المطلقة: المفردة
ذهب بعض أهل العلم إلى أن القيوم هو اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب, وإذا سئل به أعطى. مستدلين بحديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن اسم الله الأعظم لفي سور من القرآن ثلاث، البقرة وآل عمران وطه». أخرجه ابن ماجه برقم (3856) والطحاوي في مشكل الآثار برقم(177) والطبراني في الكبير برقم (7758), والحاكم في المستدرك (1/ 505), والحديث حسنه المناوي كما في تحفة الذاكرين (ص 70), والألباني في السلسلة الصحيحة برقم(746). قال القاسم: -الراوي عن أبي أمامة- التمسته منها فعرفت أنه الحي القيوم. قال ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان أعظم آية في القرآن: {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ... } [البقرة:255] ، وهو الاسم الأعظم؛ لأنه استلزم جميع الصفات فلو اكتفى في الصفات بالتلازم لاكتفى بالحي». مجموع الفتاوى (18/311). وقال ابن القيم رحمه الله: «كان اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: آية الكرسي، وفاتحة آل عمران لاشتمالهما على صفة الحياة المصححة لجميع الصفات، وصفة القيومية المتضمنة لجميع الأفعال، ولهذا كانت سيدة آي القرآن وأفضلها» مختصر الصواعق (1/127). كما أنه لم يذكر اسم القيوم في القرآن إلا مقرونًا باسمه الحي؛ وذلك لأن الحياة متضمنة جميع صفات الكمال، والقيوم متضمن كمال الغنى والقدرة ودوام ذلك بلا انتهاء. قال ابن القيم ـ عن هذين الاسمين (الحي القيوم) ـ: «عليهما مدار الأسماء الحسنى كلها، وإليهما مرجع معانيها جميعها، فإن الحياة مستلزمة لجميع صفات الكمال، ولا يتخلف عنها صفة منها إلا لضعف الحياة، فإذا كانت حياته تعالى أكمل حياة وأتمها استلزم إثباتها إثبات كل كمال يضاد نفي كمال الحياة وأما القيوم فهو متضمن كمال غناه وكمال قدرته، فإنه القائم بنفسه لا يحتاج إلى من يقيمه بوجه من الوجوه، وهذا من كمال غناه بنفسه عما سواه، وهو المقيم لغيره فلا قيام لغيره إلا بإقامته، وهذا من كمال قدرته وعزته، فانتظم هذان الاسمان صفات الكمال والغنى التام والقدرة التامة»بدائع الفوائد (2/410). وقال السعدي:«فـ (الحي): الجامع لصفات الذات، و(القيوم) الجامع لصفات الأفعال». التفسير ص(948).
العزيز
الأسماء المطلقة: المفردة
يرد كثيرا اسم الله العزيز مقرونا مع غيره كالرحيم, كما في قوله تعالى: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}, فهو سبحانه عزيز في رحمته, رحيم في عزته, وهذا هو الكمال: العزة مع الرحمة، والرحمة مع العزة, فهو رحيم بلا ذلّ. انظر: تفسير ابن كثير (6/360). قال الإمام ابن باديس رحمه الله في تفسير قوله تعالى:{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}]يس:05[.ذكر من أسمائه تعالى في هذا الموطن {العزيز الرَّحِيمِ} للتنبيه على أن هذا الدِّين الذي نزَّله الرب الموصوف بالعزة والرحمة هو دين عزة ورحمة. ومن مقتضى العزة: القوة والمنعة والرفعة، ومن مقتضى الرحمة: الفضل، والخير، والمصلحة. وهذه كلها متجلية في أحكام الإسلام. والعدل والاحسان اللذان أمر الله بهما وانبنت أحكام الإسلام عليهما لا يكونان إلاَّ عن العزة والرحمة فالدَّليل لا ينهض بالحكم ولا يقيم ميزان العدل والقاسي لا يكون منه إحسان. الآثار (2/68-69). وكذلك يرد مقرونا مع الحكيم كما في قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}]الزمر:1[. فذكره العزة المتضمنة لكمال القدرة والتصرف, والحكمة المتضمنة لكمال الحمد والعلم. شفاء العليل لابن القيم (200). ولهذا لما سمع بعض العرب قارئاً يقرأﵟوَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ﵞ [المائدة: 38](والله غفور رحيم). قال: ليس هذا كلام الله. فقال القارئ: أتكذب بكلام الله تعالى؟ فقال: لا، ولكن ليس هذا بكلام الله تعالى. فعاد إلى حفظه وقرأ: ﵟوَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ﵞ فقال الأعرابي: صدقتَ، عزَّ، فحكمَ، فقطعَ، ولو غفر ورحم لما قطع». انظر: «التفسير الوسيط للواحدي» (2/ 185). ولما كان تنفيذ هذه العقوبة يستلزم أن تكون هناك قوة غالبة وعدم العجز ناسب ذلك إخبار الله تعالى عن نفسه الكريمة باسمه العزيز, وفي ذكر اسمه الحكيم بعد العزيز ليدل على أن عزة الله تعالى وقوته غير مرسلة , بل مقيدة بالحكمة, إذ أن تشريع قطع يد السارق مصلحة للناس تقتضيه الحكمة, لأن الله عز وجل يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة العامة, وحد السرقة عقوبة تؤدي إلى تقليل الجرائم, وتأمين المجتمع. انظر: الأسماء الحسنى ومناسبتها للآيات التي ختمت بها لآيدين ص(87). وقال أبو حيان: في قول الله تعالى: ﵟرَبَّنَا وَٱبۡعَثۡ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُزَكِّيهِمۡۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُﵞ [البقرة: 129] «وهاتان الصفتان متناسبتان لما قبلهما، لأن إرسال رسول متصف بالأوصاف التي سألها إبراهيم لا تصدر إلا عمن اتصف بالعزة، وهي الغلبة أو القوة، أو عدم النظير، وبالحكمة التي هي إصابة مواقع الفعل، فيضع الرسالة في أشرف خلقه وأكرمهم عليه، الله أعلم حيث يجعل رسالاته. وتقدمت صفة العزيز على الحكيم لأنها من صفات الذات، والحكيم من صفات الأفعال، ولكون الحكيم فاصلة كالفواصل قبلها». البحر المحيط (637). وقال ابن القيم رحمه الله في قوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 1]، فذَكَر العزةَ المتضمنة لكمال القدرة والتصرف، والحكمةَ المتضمنة لكمال الحمد والعلم»«شفاء العليل» (2/145). وكذلك في اقتران اسمه (العزيز) باسمه (الغفار) أو(الغفور) كما في قوله تعالى: ﵟرَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّٰرُﵞ [ص: 66] أن الله -عز وجل- العزيز الغالب لكل شيء، قادر على أن يأخذ عباده بذنوبهم، ولكنه سبحانه غفور رحيم عن عزة وقدرة، لا عن ضعف وعجز؛ فهو كامل في عزته، وكامل في مغفرته. وفي اقتران اسمه سبحانه (العزيز) باسمه سبحانه (الوهاب) في قوله تعالى: ﵟأَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَحۡمَةِ رَبِّكَ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡوَهَّابِ ﵞ [ص: 9] دلالة على أن تصرفه التام في صنوف العطاء المادي والمعنوي لا ينازعه فيه منازع، ولا يغالبه فيه مغالب، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا ينوب عنه نائب، ولا يصل عطاء من معط إلى معطى إلا بإذنه سبحانه، فعزته متضمنة الإنعام على خلقه، والتفضل عليهم، وتفضله وإنعامه سبحانه صادران عن عزة وقدرة وغنى وتفضل، لا لجلب نفع أو دفع ضر. وفي اقتران اسمه سبحانه (العزيز) باسمه (المقتدر):في قوله تعالى: ﵟكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذۡنَٰهُمۡ أَخۡذَ عَزِيزٖ مُّقۡتَدِرٍﵞ [القمر: 42], فالعزيز الظاهر الذي لا يُغلب أبدا، والمقتدر الذي لا يعجزه شيء، واقترانهما فيه معنى زائد، وكمال آخر يفيد قوة الأخذ والعقاب. وفي اقتران اسمه سبحانه (العزيز) باسمه (العليم): في مثل قوله تعالى: ﵟذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ ﵞ [الأنعام: 96], أن عزة الله وقهره وغلبته صادرة عن علم شامل وإحاطة تامه بكل شيء، فعزته تنفذ بعلم ومعرفة بمواطن الأمور وعواقبها، ليس كعزة وقوة المخلوق التي تنطلق في الغالب من الهوى والظلم، لا من العلم والحكمة. وفي اقتران اسمه سبحانه (العزيز) باسمه (القوي): في مثل قوله تعالى: ﵟإِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﵞ [الحج: 40] أن في اجتماعهما معنى زائد، وهو أن العزة التي يتضمنها اسم الله -عز وجل- (العزيز) هي عزة القوة، وعزة الغلبة، وعزة الامتناع، ووصف الله -عز وجل- بالقوة راجع إلى كمال عزته. انظر:«موسوعة شرح أسماء الله الحسنى» (1/ 628, ومابعدها), والأسماء الحسنى تصنيفا ومعنى لآل ماجد ص(275, وما بعدها).
الرفيق
الأسماء المطلقة: المفردة
لم يرد هذاالاسم إلا في السنة النبوية, وهو يقارب في معناه اسمي الله تعالى اللطيف والحليم. فإنه لا يعجل بعقوبة العصاة ليتوب من سبقت له العناية. النهج الأسمى للنجدي ص(556). أما تسمية الله تعالى بالرفيق فقد نص عليها جماعة من أهل العلم: قال أبو يعلى رحمه الله: «اعلم أنه غير ممتنع وَصْفه بالرفق، لأنه ليس في ذلك ما يُحيل على صفاته، وذلك أن الرفقَ هو الإحسان والإِنعام، وهو موصوفٌ بذلك لما فيها من المدح، ولأنَّ ذلك إجماعُ الأُمة، لأنهم يقولون: يا رفيقُ ارْفُقْ بنا في أحكامك، ولأنه إنْ امتنعَ وَصْفُه بالرفق، جازَ وَصْفُهُ بضدِّه»«إبطال التأويلات» (ص507). وقال النووي رحمه الله: «إن الله رفيق: ففيه تصريح بتسميته سبحانه وتعالى ووصفه برفيق»«شرح مسلم» (16/ 145).
الخلّاق
الأسماء المطلقة: المفردة
لقد ورد اسم الله (الخلّاق) في القرآن فقط في موضعين, ولم يرد في السنة النبوية. كما أنه ورد في الموضعين مقرونا باسم الله (العليم), والخلاق العليم كلاهما صيغة مبالغة. ووجه اقترانه به: أنه لا يمكن أن يتصف الخلّاق بكونه خلاقًا إلا وهو عليم بكل شيء، لا يخفى عليه شيء، إذ الجاهل بالشيء لا يمكنه أن يخلقه. وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة، كقوله تعالى: ﴿قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٖۖ وَهُوَ بِكُلِّ خَلۡقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: 79], وقوله: ﴿أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. انظر: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطي» (3/ 234). قال البقاعي رحمه الله: «{الخلاّق} المتكرر منه هذا الفعل في كل وقت بمجرد الأمر، فلا عجب في إيجاد ما ينسب إليه من إبداع الساعة أو غيرها، وهو لذلك عالم بأحوالكم أجمعين وما يكون منها صلاحاً لك على غاية الحكمة، لأن المصور أعلم بالصورة من ناظرها والمتبصر فيها، وصانع الشيء أدرى به من مشتريه، وباني البيت أخبر به من ساكنه، وهو الذي خلق كل ما تراه منهم فهو فعله فسلم له. ولما كان إحكام المصنوعات لا يتم إلا بالعلم، قال تعالى: {العليم} أي البالغ العلم بكل المعلومات، فلا ترى أفعالهم وأقوالهم إلا منه سبحانه لأنه خالقها، وقد علمت أنه لا يضيع مثقال ذرة فاعتمد عليه في أخذ حقك، فإنه نعم المولى ونعم النصير»«نظم الدرر في تناسب الآيات والسور» (11/ 84). وأما الفرق بين الخالق والخلّاق: فالخالق: اسم الفاعل من خلق يخلف وهو خالق، والخلاق: فَعَّال للمبالغة. «اشتقاق أسماء الله للزجاجي» (ص166). وأما تسمية المتكلمين لله تعالى بغير الاسم الخلاق مما يدل على معناه كالموجد والصانع ونحوها, فإنها لا تدل على كمال ما دل عليه الاسم الشرعي, يقول ابن القيم رحمه الله مبينًا الاسم الشرعي: «وأما الموجد فقد سمّى نفسه بأكمل أنواعه؛ وهو الخالق البارئ المصور، فالموجد كالمحدث والفاعل والصانع، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى».«مدارج السالكين»(4/395). وأضاف رحمه الله أن لفظ المُوجِد، لم يقع في أسماء الله سبحانه، وإن كان هو المُوجِد على الحقيقة، ووقع في أسمائه الواجد، وهو بمعنى: الغني الذي له الوُجْد. وأما المُوجِد فهو مُفْعِل من أوجد، وله معنيان: أحدهما: أن يجعل الشيء موجودًا، وهو تعدية وَجَدَ وأوجده. والمعنى الثاني: أوجده: جعل له جِدَةً وغِنًى، وهذا يتعدّى إلى مفعولين. فيقال: أوجده الله مطلوبه، أي: أظفره به. وأوجده، أي: أغناه. وأما لفظ الصانع فلم يرد كذلك في أسماء الربِّ تعالى، ولا يمكن وروده؛ فإن الصانع مَنْ صَنَع شيئًا، عدلًا كان أو ظلمًا، سفهًا أو حكمة، جائزًا أو غير جائز. وما انقسم مسمّاه إلى مدح وذم لم يجئ اسمه المطلق في الأسماءالحسنى، كالفاعل والعامل والصانع والمريد والمتكلم؛ لانقسام معاني هذه الأسماء إلى محمود ومذموم، بخلاف العالم والقادر والحي والسميع والبصير. انظر: «شفاء العليل لابن القيم» (1/ 429-432).
أحسن الخالقين
الأسماء المضافة
مما قيل من المواقف التي صاحبت نزول قوله تعالى: (ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ) [المؤمنون: 14].والتي تضمنت اسم الله (أحسن الخالقين). أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح كان قد تكلم بالإسلام، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يكتب له شيئا، فلما نزلت الآية التي في المؤمنون: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} أملاها عليه، فلما انتهى إلى قوله: {ثم أنشأناه خلقا آخر} عجب عبد الله في تفصيل خلق الإنسان، فقال: تبارك الله أحسن الخالقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هكذا أنزلت علي»، فشك عبد الله حينئذ وقال: لئن كان محمد صادقا لقد أوحي إلي كما أوحي إليه، ولئن كان كذابا لقد قلت كما قال, فارتد عن الإسلام فأنزل الله فيه قوله:{ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله}. «أسباب النزول للواحدي» (ص220), «الهداية الى بلوغ النهاية لمكي ابن أبي طالب» (3/ 2105), و«تفسير القرطبي» (7/ 40). فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فرّ إلى عثمان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عنده، حتى إذا اطمأن أهل مكة أتى به عثمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمن له». انظر: «أسباب النزول للواحدي» (ص313). وخرّج أبو داود الطيالسي في مسنده عن انس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله لو صلينا خلف المقام، فأنزل الله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فإنه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله تعالى: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لتنتهن أو ليبدله الله سبحانه أزواجا خيرا منكن، فأنزل الله تعالى: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن} الآية، ونزلت: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله تعالى: {ثم أنشأناه خلقا آخر} فقلت: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت: {فتبارك الله أحسن الخالقين}»- وفي إسناده أبو عبدالله علي بن زيد بن جدعان البصري, ضعفه النووي في تهذيب الأسماء واللغات (2/152), وقال عنه الذهبي في الكاشف (٣/ ٤٤٥): «أحد الحفاظ، وليس بالثبت», وانظر: تهذيب تهذيب الكمال له (6/457). والحديث أصله في الصحيحين من حديث أنس عن عمر دون {فتبارك الله أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] عند البخاري برقم (402) كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة، ومسلم (2399) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل عمر. وأما إعراب لفظة (أحسنُ) في قوله تعالى:{فتبارك اللهُ أحسنُ الخالقين} [المؤمنون: 14]= فهي على صيغة التفضيل, وقد اختلف النحويون: في إضافتها إلى معرفة، هل إضافتها إضافة محضة، أو لفظية غير محضة, على قولين: الأول: من قال أنها محضة أعرب (أحسنُ) نعتا للفظ الجلالة (الله), ورُدَّ هذا. بحجة أن (أحسن) نكرة وإن أضيف ; والإضافة في تقدير الانفصال, لأن المضاف إليه عوض عن «من». فقولك:زيد أفضل القوم. التقدير: أفضل من القوم. فإضافته غير محضة، لا يتعرف بها. الثاني: من قال أنها غير محضة, اختلفوا في إعرابها على قولين: الأول: أنها بدل من لفظ الجلالة (الله). الثاني: أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هو أحسن). انظر: «إعراب القرآن للباقولي» (1/ 164), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد المنتجب الهمذاني » (4/ 587), و«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 951), و«أضواء البيان للشنقيطي» (5/ 854).
البارئ
الأسماء المطلقة: المفردة
لقد ورد اسم الله (البارئ) في القرآن الكريم مطلقا مقرونا بغيره كما في قوله تعالى: ﵟهُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚﵞ [الحشر: 24], وورد كذلك مضافا كما في قوله تعالى: ﵟفَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُﵞ [البقرة: 54], ولم يرد في السنة النبوية. وقد بين بعض أهل العلم الفرق بين الخالق والبارئ والمصور: فقال الغزالي رحمه الله: «قد يُظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أولا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله -تبارك وتعالى- خالق من حيث إنه مقدر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب».«المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (ص 72). وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿هو الله الخالق البارئ المصور﴾ الخالق هنا المقدر. والبارئ المنشئ المخترع. والمصور مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة. فالتصوير مرتب على الخلق والبراية, وتابع لهما»« الجامع لأحكام القرآن» (18/ 48). وقال الطيبي رحمه الله:«فالله سبحانه خالق كل شىء، بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللهم إلا إذا فسر الخالق بالمقدر، فيكون من صفات المعانى؛ لأن مرجع التقدير إلي الارادة، وإن فسر الخالق بالمقدر، فوجه الترتيب ظاهر؛ لأنه يكون التقدير أولا، ثم الإحداث علي الوجه المقدر ثانيا، ثم التسوية والتصوير ثالثًا، وإن فسر بالموجد، فالاسمان الآخران كالتفصيل له، فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار، سواء كان الموجد مادة أو صورة، ذاتًا أو صفة»«الكاشف عن حقائق السنن» (6/ 1779-1780), وانظر: «فتح الباري لابن حجر» (20/ 485), و«تفسير البغوي» (8/ 88), و«تتمة أضواء البيان» (8/ 77). وقال ابن تيمية رحمه الله: «وأما قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، فليس بتكرار، بل هي معانٍ متغايرة بينهما قدر مشترك، وبيانه أنَّ الإيجاد يتعلق بالمادة وبالصورة وبمجموعهما، فإنْ تعلق بالمادة فهو برؤه، ولا يقال للمصور: إنَّه بارئ باعتبار تصويره، وإنما البارئ من برأ الشيءَ من العدم إلى الوجود، وإنْ تعلق بالصورة فهو تصوير، ويقال لفاعله: المصور، والخالق ينظمهما معًا، فالبارئ للمادة، والمصوّر للصور، والخالق لهما جميعًا، فأين التكرار»«جامع المسائل» (8/ 349-340). وقال ابن كثير -رحمه الله-: «الخلق هو التقدير، والبراء: هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله -عز وجل-» «تفسير ابن كثير» (8/ 80). قال البيضاوي رحمه الله:«فالله تعالى سبحانه خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره وموجده من أصل، أو من غير أصل، وبارئه حسبما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه، ويتم بها كماله». «تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» (2/ 33-34). ويقول السعدي -رحمه الله- في قوله تعالى: {الخالق البارئ المصور}: «الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم» تفسير السعدي (ص 947). وقد بيّن الخطابي رحمه الله: أن لفظ البارئ له من الاختصاص بالحيوان ما ليس له بغيره من الخلق، وقلما يستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال، فيقال: برأ الله السماء كما يقال: برأ الله الإنسان، وبرأ النسم. انظر: «شأن الدعاء» (ص 51). بل بيّن ابن القيم تبعا للطيبي رحهمها الله أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق. انظر:«شفاء العليل» (1/396-397). كما أن التسمي بالباري مما يختص بالله تعالى فلا يجوز تسمية غيره به من الخلق.قال ابن تيمية رحمه الله: «فذكر نفسه بأنه الخالق البارئ المصور، ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا لا ملكا ولا نبيا»«الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (4/ 45). وقال ابن القيم رحمه الله: «وأما البارئ فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه؛ فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها، والعبد لا تتعلق قدرته بذلك؛ إذ غاية مقدوره التصرف في بعض صفات ما أوجده الربُّ تعالى وبرأه، وتغييرها من حال إلى حال على وجه مخصوص لا تتعدّاه قدرته»«شفاء العليل» (1/ 428-429).
المصور
الأسماء المطلقة: المفردة
لم يرد اسم الله (المصور) في النصوص الشرعية إلا مرة واحدة في القرآن الكريم مقرونا مع الخالق والبارئ. وقد ورد ضبط اسم (المصوّر) على أوجه: الوجه الأول: (المصوِّرُ): بكسر الواو، ورفع الراء على أنه صفة. أو خبر بعد خبر. وقد أجمع القراء المشهورون على هذا الضبط. انظر:«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 1216), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد لمنتجب الهمذاني» (6/ 130), و«إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص433), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الثاني: (المصوِّرَ). بكسر الواو وفتح الراء, وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: «إعراب القرآن لإسماعيل الأصبهاني» (ص433), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الثالث: (المصوَّرَ): بفتح الواو، ونصب الراء على أنه مفعول «البارئ», وبه قرأ حاطب ابن أبي بلتعة. وتقديره: البارئُ الإنسانَ الْمُصَوَّرَ, أو آدم الْمُصَوَّرَ. ومعناه: الذي يبرأ المصوَّرَ وينشئه، ويميز ما يصوره بتفاوت الهيئات. انظر: «معاني القرآن وإعرابه للزجاج» (5/ 151), و«مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب» (2/ 727), و«تفسير ابن عطية» (5/ 292), و«تفسير القرطبي» (18/ 4849), و«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 1216), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد لمنتجب الهمذاني» (6/ 130), و«إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص433-434). و«تفسير ابن عطية» (5/ 292), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الرابع: (المصوَّرِ): بفتح الواو، وجر الراء. على التشبيه بالحسن الوجه على الإضافة, على تقدير قول من قال: هذا الضاربُ الرجلِ، كما تقول: هذا الحسنُ الوجهِ، فيجر (الرجل) على التشبيه بالوجه. ويشبه (الضارب) بالحسن؛ لأنَّهما وصفان، ولأنهما يجتمعان في الجمع المسلّم، ولأنّ كل واحد منهما يأتي تأنيثه على حد تأنيث الآخر، نحو حسنٍ وحسنةٍ، كما تقول: ضاربٌ وضاربةٌ، وقد نصبوا (الوجه) في قولهم: هذا الحسن الوجهَ على التشبيه، كقولك: هذا الضاربُ الرجلَ. انظر: «مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب» (2/ 727), و«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 1216), و«تفسير ابن عطية» (5/ 292), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد لمنتجب الهمذاني» (6/ 130), و«إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص433-434), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الخامس: (المصوَّرُ): بفتح الواو وضم الراء, وهو مروي عن الأعمش, ووجهه فيما ذكروا أنّ المعنى: المصوَّرُ في القلوب بآياته وعلامات ربوبيته. ولا يستحسن العلماء هذه القراءة لبعدها. انظر: «إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص434), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). وممن رد الوجه ابن سيده رحمه الله بقول: «فَأَما قِرَاءَة من قَرَأَ (المُصَوَّرُ) على لفظ الْمَفْعُول فَلَا تصح إِذْ لَا معنى لَهَا لِأَن (المُصَوَّرُ) يَقْتَضِي مُصَوِّراً وَأَيْضًا فَإِن (المُصَوَّرُ) ذُو صُورَة وَهَذَا يَقْتَضِي أقدمَ مِنْهُ وَلَا أَقْدَمَ مِنْهُ جَلَّ وَعز»«المخصص» (5/ 231). أما وجه اقتران اسم الله (المصور) بـ(الخالق) و(البارئ), فقد بيّن أهل العلم ذلك: فقال الغزالي رحمه الله: «قد يُظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أولا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله -تبارك وتعالى- خالق من حيث إنه مقدر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب».«المقصد الأسنى» (ص 72). وقال ابن العربي المالكي رحمه الله: «فإن الخالق هو الموجد المُقَدِّر، والباري هو الموجد المصور، والمصور هوالمظهر لتركيبها وصورها، والخالق أيضاً هو المخترع، والباري هو المصور على مثال، والمصور هو الجاعل له على هيئات»«قانون التأويل» (ص464-465). وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿هو الله الخالق البارئ المصور﴾ الخالق هنا المقدر. والبارئ المنشئ المخترع. والمصور مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة. فالتصوير مرتب على الخلق والبراية, وتابع لهما»« الجامع لأحكام القرآن» (18/ 48). وقال الطيبي رحمه الله:«فالله سبحانه خالق كل شىء، بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللهم إلا إذا فسر الخالق بالمقدر، فيكون من صفات المعانى؛ لأن مرجع التقدير إلي الارادة، وإن فسر الخالق بالمقدر، فوجه الترتيب ظاهر؛ لأنه يكون التقدير أولا، ثم الإحداث علي الوجه المقدر ثانيا، ثم التسوية والتصوير ثالثًا، وإن فسر بالموجد، فالاسمان الآخران كالتفصيل له، فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار، سواء كان الموجد مادة أو صورة، ذاتًا أو صفة»«الكاشف عن حقائق السنن» (6/ 1779-1780), وانظر: «فتح الباري لابن حجر» (20/ 485), و«تفسير البغوي» (8/ 88), و«تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للبيضاوي» (2/ 33-34).و«تتمة أضواء البيان لعطية سالم» (8/ 77). وقال ابن تيمية رحمه الله: «وأما قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، فليس بتكرار، بل هي معانٍ متغايرة بينهما قدر مشترك، وبيانه أنَّ الإيجاد يتعلق بالمادة وبالصورة وبمجموعهما، فإنْ تعلق بالمادة فهو برؤه، ولا يقال للمصور: إنَّه بارئ باعتبار تصويره، وإنما البارئ من برأ الشيءَ من العدم إلى الوجود، وإنْ تعلق بالصورة فهو تصوير، ويقال لفاعله: المصور، والخالق ينظمهما معًا، فالبارئ للمادة، والمصوّر للصور، والخالق لهما جميعًا، فأين التكرار»«جامع المسائل» (8/ 349-340). ويقول السعدي رحمه الله- في قوله تعالى: {الخالق البارئ المصور}: «الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم» تفسير السعدي (ص 947). وقد بيّن ابن القيم تبعا للطيبي رحهمها الله أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق. انظر:«شفاء العليل» (1/396-397). كما أن التسمي بالمصور مما يختص بالله تعالى فلا يجوز تسمية غيره به من الخلق, ولذلك ذم المصورين, وتوعدهم بالعذاب الأليم. قال ابن تيمية رحمه الله: «فذكر نفسه بأنه الخالق البارئ المصور، ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا لا ملكا ولا نبيا»«الجواب الصحيح» (4/ 45). وقال ابن قيم رحمه الله: «وأما الخالق والمصوِّر فإنِ استُعْمِلا مطلقيَن غير مقيدَين لم يُطلقا إلا على الربّ سبحانه، كقوله: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، وإن استُعْمِلا مقيّدَين أُطْلِقا على العبد»«شفاء العليل» (1/ 427).