الجواد
الجواد |
|
---|---|
الاسم | الجواد |
نوع الاسم | الأسماء المطلقة: المفردة |
معلومات إضافية عن الاسم | لم يرد هذا الاسم إلا في السنة النبوية المطهرة, والعمدة فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند ابن أبي شبية في المصنف وأبي نعيم في الحلية, وأما الحديثان الآخران فضعيفان, فلا يعتد بهما. وقد أثبت أهل العلم هذا الاسم لله تعالى منهم: المزني رحمه الله تعالى حيث قال: «وَهُوَ الْجواد الغفور ﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾ [غافر: 19]»«شرح السنة» (ص75). وقال البغوي رحمه الله: «وجملته: أن أسماء الله تعالى على التوقيف فإنه يسمى جوادا ولا يسمى سخيا، وإن كان في معنى الجواد، ويسمى رحيما ولا يسمى رفيقا».«معالم التنزيل» (3/ 307). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «لا ريب أن الله عند أهل الملل كريم جواد ماجد محسن عظيم المن قديم المعروف، وأن له الأسماء الحسنى التي يثنى عليه فيها بإحسانه إلى خلقه» بيان تلبيس الجهمية (1/521). |
الأدلة على الاسم من القرآن | |
|
|
الأدلة على الاسم من السنة | |
|
|
صيغة أخرى من الاسم | |
|
|
سرد الأسماء ذات صلة | |
|
|
القائلون بثبوته | |
|
|
الصفة التي اشتق منها الاسم (المصدر) | الجود |
نوع الصفة | صفة فعلية متعدية |
معلومات إضافية عن الصفة | صفة الجود لله تعالى، من صفات الله الذاتية والفعلية، ثابتة لله جلّ جلاله كما يليق بجلاله وعظمته. وهوه عزّ وجل موصوف بأعلى أنواع الجود والكرم، فهو سبحانه من فضله وجوده وكرمه ملأ جميع الكائنات بنعمه الكثيرة المتنوعة، وعمَّ بها جميع المخلوقات، وخصَّ أولياءه في الآخرة بنعيم الجنة، وأعدَّ لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر . الحق الواضح المبين للسعدي (247). قال ابن تيمية رحمه الله:«وهو سبحانه الجواد الذي لا يبخل والغني الذي لا يحتاج إلى غيره»«منهاج السنة النبوية» (5/ 168-169). وأثر صفة الجود في المخلوقات ظاهر بيّن, فما من مخلوق إلا وهو في عطاء الله ومننه ونعيمه يتقلب, وخزائن الجواد سبحانه لا تنقصها نفقة, وقد جاء في الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدُ الله ملأى لا يغيضها نفقةٌ، سحَّاء الليل والنهار. قال: أرأيتم ما أنفق الله منذ خلق السموات والأرضَ فإنه لم يغض ما في يده» رواه البخاري. بل أثر صفة الجود لله سبحانه وتعالى لا تقتصر على العطاء والنعم والفضائل فقط, بل تتعدى إلى التجاوز والصفح والعفو على عباده المذنبين العصاة, فمن جود الله وكرمه على عباده أن يشملهم بعفوه ومفغرته, وعدم مؤاخذتهم مالم يشركوا به شيئا. |
الأدلة على ثبوت الصفة من القرآن | |
|
|
الأدلة على ثبوت الصفة من السنة | |
|
|
الحكم | الجود والعطاء. |
الأدلة على الفعل من القرآن | |
|
|
الأدلة على الفعل من السنة | |
|
|
دلالات الاسم | اسم الله الجواد يدل على ذات الله تعالى وعلى صفة الجود بالمطابقة, ويدل على أحدهما بالتضمن, ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والغنى, فهو سبحان الغني بذاته المفتقر إليه كل ما سواه, فجوده على خلقه وإعطاؤهم وإمدادهم من كمال غناه وقيوميته على مخلوقاته. قال الله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيۡءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَآئِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥٓ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعۡلُومٖ ﴾ [الحجر: 21]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو: «... اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك...» رواه الحاكم في المستدرك برقم (1924), هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه, وصححه الألباني في الصحيحة برقم(1540). ويدل كذلك على صفة الرحمة باللزوم أيضا, فإن من رحمة الله تعالى بخلقه الإحسان إليهم ورزقهم وإمدادهم بما تقوم به مصالح معاشهم في دنياهم, وما يكون سببا في دخول الجنان في أخراهم من الأوامر والنواهي. يقول ابن القيم رحمه الله:«فمن رحمته سبحانه بعباده: ابتلاؤهم بالأوامر والنواهى رحمة وحمية، لا حاجة منه إليهم بما أمرهم به، فهو الغنى الحميد، ولا بخلا منه عليهم بما نهاهم عنه، فهو الجواد الكريم. ومن رحمته: أن نغص عليهم الدنيا وكدرها لئلا يسكنوا إليها، ولا يطمئنوا إليها ويرغبوا فى النعيم المقيم فى داره وجواره، فساقهم إلى ذلك بسياط الابتلاء والامتحان، فمنعهم ليعطيهم، وابتلاهم ليعافيهم، وأماتهم ليحييهم. ومن رحمته بهم: أن حذرهم نفسه، لئلا يغتروا به، فيعاملوه بما لا تحسن معاملته به كما قال تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفۡسَهُۥۗ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾ [آل عمران: 30]. قال غير واحد من السلف: من رأفته بالعباد: حذرهم من نفسه، لئلا يغتروا به»«إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان» (2/ 175). ويدل كذلك باللزوم على صفة المحبة منه سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين, فمن أحبه الله أغذق عليه من صنوف العطايا والنعم, حسًّا ومعنى, وجعل له القبول والمحبة بين خلقه, كما قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا ﴾ [مريم: 96]. قال ابن القيم رحمه الله: «وأنّه يحبُّ الإحسان والجود والعطاء والبِرَّ؛ وأنَّ الفضلَ كلَّه بيده، والخيرَ كلَّه منه، والجودَ كلَّه له. وأحبُّ ما إليه أن يجودَ على عباده ويُوسِعَهم فضلًا، ويغمرَهم إحسانًا وجودًا، ويتمّ عليهم نعمَه، ويضاعف لديهم مننَه، ويتعرَّفَ إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبَّب إليهم بنعمه وآلائه» «مدارج السالكين». (1/331). ويدل على صفة المغفرة باللزوم كذلك, فإن من جود الله سبحانه تجاوزه عن المذنبين وعدم مؤاخذتهم, فهو الغني المتعالي قال تعالى: ﴿مَّا يَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمٗا﴾ [النساء: 147]. أي لا يعذب الله المؤمن الشاكر، فإن تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه. انظر: «تفسير البغوي» (1/ 716). |
شرح الاسم | اسم الجواد لغةً: مأخوذ من الجُود, الجيم والواو والدال أصل واحد، وهو التسمح بالشيء، وكثرة العطاء. يقال: رجل جَواد بَيِّن الجود، وقوم أجواد. والجَوْد: المطر الغزير. والجَواد: الفرس الذريع والسريع, يقال: جاد الفرس يجود جُودةً فهو جوادٌ، والجمع جياد والمصدر الجودة. انظر: «العين للخليل» (6/ 169), و«مقاييس اللغة لابن فارس» (1/252). وشرعًا الجواد: قال الحليمي: الجواد: الكثير العطايا. «المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 203). وقال:«الجواد الذي يعطي في موضع العطاء, كثيرُ العطاءِ بسماحة وسخاء ، الذي عمَّ بجوده وكرمه جميع الكائنات».«المنهاج في شعب الإيمان» (3/ 404). وقال أبو العباس القرطبي: «الجواد: الكريم، وهو الكثيرُ العطاء. والجود: الكرم». «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (3/ 747). وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته ص(208): وهو الجواد فجوده عم الوجو***دَ جميعَه بالفضل والإحسان وهو الجواد فلا يخيّب سائلاً****ولوَ انه من أمّة الكُفران. وقال السعدي رحمه الله: «أنه تعالى (الجواد) المطلق الذي عم بجوده جميع الكائنات، وملأها من فضله وكرمه ونعمه المتنوعة، وخص بجوده السائلين بلسان المقال أو لسان الحال من بر وفاجر ومسلم وكافر، فمن سأل الله أعطاه سؤاله وأناله ما طلب فإنه البر الرحيم، ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةٖ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيۡهِ تَجۡـَٔرُونَ﴾ [النحل: 53], ومن جوده الواسع ما أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر» الحق الواضح المبين (247). كما أن اسم الله الجواد يقارب في معناه اسم الله الكريم بجامع الإحسان والمن والعطاء الذي لا تنفد خزائنه, قال ابن تيمية رحمه الله: «أن تسمية الرب سبحانه وتعالى جوادًا، وإن كان قد قيل، هو بمعنى كونه كريمًا، فالاسم «الكريم» يتناول معاني منها الجود؛ فإن فيه معنى الشرف والسؤدد، ومعنى الحلم، وفيه معنى الإحسان»«بيان تلبيس الجهمية » (1/ 538). |
المقتضى اللازم | إن الله سبحانه غني حميد كريم رحيم، فهو محسن إلى عباده، مع غناه عنهم، يريد بهم الخير، ويكشف عنهم الضر، لا لجلب منفعة إليه سبحانه، ولا لدفع مضرة؛ بل رحمة وإحسانًا وجودًا محضًا؛ فإنه رحيم لذاته، محسن لذاته، جواد لذاته، كريم لذاته، كما أنه غني لذاته، قادر لذاته، حي لذاته، فإحسانه وجوده وبره ورحمته من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك، كما أن قدرته وغناه من لوازم ذاته، فلا يكون إلا كذلك. انظر: «طريق الهجرتين لابن القيم» ص(61). والله سبحانه هو الجواد على الإطلاق، بل كلُّ جودٍ في العالم العلويِّ والسُّفلي بالنسبة إلى جوده أقلُّ من قطرة في بحار الدنيا، وهي من جُوده، ومع هذا فإنما ينزِلُ بقدر ما يشاء. وجُوده لا يُناقِض حكمَته، ويضع عطاءه مواضعَه، وإن خَفِي على أكثر الناس أن تلك مواضعه. فالله أعلم حيث يضع فضلَه وأيُّ المحالِّ أولى به. انظر: «الروح - ابن القيم» (2/ 662) وهو الجواد الذي لا يَنقُص خزائنَه الإنفاقُ، ولا يَغيض ما في يمينه سعةُ عطائه. فما منع مَن منعَه فضلَه إلّا لحكمةٍ كاملةٍ في ذلك، فإنّه الجواد الحكيم، وحكمته لا تناقض جودَه. فهو لا يضع برَّه وفضلَه إلّا في موضعه ووقته، بقدر ما تقتضيه حكمته. انظر: «مدارج السالكين لابن القيم» (3/ 296). |
المقتضى المتعدي | جود الله تبارك وتعالى نوعان: جود مطلق: عمّ الكائنات جميعا, لم يخل عنه موجود من الموجودات, فكلها قد عمها فضله وإحسانه. وجود خاص: بالسائلين والطالبين, سواء سألوه بلسان المقال أو بلسان الحال, فمن سأل الله صادقافي سؤاله, طامعا في نواله, مستشعرا الذلة والفقر بين يديه, أعطاه سؤله, وأناه ماطلب, فإنه هو البر الرحيم, والجواد الكريم. شرح النونية للهراس (2/477). وأنّه يحبُّ الإحسان والجود والعطاء والبِرَّ؛ وأنَّ الفضلَ كلَّه بيده، والخيرَ كلَّه منه، والجودَ كلَّه له. وأحبُّ ما إليه أن يجودَ على عباده ويُوسِعَهم فضلًا، ويغمرَهم إحسانًا وجودًا، ويتمّ عليهم نعمَه، ويضاعف لديهم مننَه، ويتعرَّفَ إليهم بأوصافه وأسمائه، ويتحبَّب إليهم بنعمه وآلائه. فهو الجواد لذاته، وجُودُ كلِّ جوادٍ خلَقه الله ويخلُقه أبدًا أقلُّ من ذرّةٍ بالقياس إلى جوده. فليس الجواد على الإطلاق إلّا هو، وجُودُ كلِّ جوادٍ فمن جوده. ومحبَّتُه للجود والإعطاء والإحسان والبرِّ والإنعام والإفضال فوقَ ما يخطُر ببال الخلق أو يدور في أوهامهم. وفرَحُه بعطائه وجوده وإفضاله أشدُّ من فرَحِ الآخذ بما يعطاه ويأخذه أحوجَ ما هو إليه، وأعظَمُ ما كان قدرًا. ولو أنَّ أهلَ سماواته وأرضه، وأوّلَ خلقه وآخرَهم، وإنسَهم وجنَّهم، ورطبَهم ويابسَهم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوه، فأعطى كلًّا منهم ما سأله= ما نقَص ذلك ممَّا عنده مثقالَ ذرّةٍ. وهو الجواد لذاته، كما أنّه الحيُّ لذاته، العليمُ لذاته، السَّميعُ البصيرُ لذاته، فجوده العالي من لوازم ذاته. والعفوُ أحبُّ إليه من الانتقام، والرّحمةُ أحبُّ إليه من العقوبة، والفضلُ أحبُّ إليه من العدل، والعطاءُ أحبُّ إليه من المنع. فإذا تعرَّض عبدُه ومحبوبُه الذي خلَقه لنفسه، وأعدَّ له أنواعَ كرامته، وفضَّله على غيره، وجعلَه محلَّ معرفته، وأنزل إليه كتابه، وأرسل إليه رسوله، واعتنى بأمره ولم يهمله، ولم يتركه سدًى= فتعرَّض لغضبه، وارتكب مساخطَه وما يكرهه، وأبَق منه، ووالى عدوَّه، وظاهَره عليه، وتحيَّز إليه، وقطَع طريقَ نعمه وإحسانه إليه التي هي أحبُّ شيءٍ إليه، وفتَح طريقَ العقوبة والانتقام والغضب= فقد استدعى من الجواد الكريم خلافَ ما هوموصوفٌ به من الجود والإحسان والبرِّ، وتعرَّض لإغضابه وإسخاطه وانتقامه، وأن يصير غضبُه وسخطُه في موضع رضاه، وانتقامُه وعقوبتُه في موضع كرمِه وبرِّه وإعطائه. فاستدعى بمعصيته من أفعاله ما سواه أحبُّ إليه منه، وخلافَ ما هو من لوازم ذاته من الجود والإحسان, انظر: «مدارج السالكين لابن القيم» (1/ 331-333). قال ابن القيم رحمه الله: «وهو الجواد الماجد، الذى له الجود كله، وجود جميع الخلائق فى جنب وجود أقل من ذرة فى جبال الدنيا ورمالها»«إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان» (2/ 175). |
الأثر المترتب على الإيمان بالاسم | إن الله سبحانه وتعالى جواد كريم، ولا غنى لمخلوق عن جوده وكرمه طرفة عين ولا أقل من ذلك، فكلهم ينعمون بنعم الله التي أكرمهم الله بها بجوده وكرمه، وهذا أمر مشاهد ومحسوس، ولكن الناس في نيل جود الله وكرمه على مراتب ودرجات، وذلك حسب توفيق الله لهم واتخاذهم الأسباب المقتضية لذلك. ـ إن الله عزّ وجل حثَّ على الجود والإنفاق والإيثار والكرم في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وكذلك حثَّ النبي صلّى الله عليه وسلّم على ذلك في أحاديث كثيرة، وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم أكرم الناس وأجود الناس، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة، وكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم على درجة عالية من الجود والكرم والبذل والعطاء، وكانوا أجود وأكرم ممن جاء بعدهم، والمسلمون عمومًا عندهم من الجود والكرم ما لا عند غيرهم، وهذا أمر مشاهد ومحسوس، ولا سيما في المجتمعات البشرية التي يسكنها المسلمون وغيرهم، وكل ذلك من فضل الله وجوده وكرمه عليهم، وذلك فضل الله يعطيه من يشاء. انظر: موسوعة العقيدة (2/910-911). من آثار الإيمان بهذا الاسم التحلى بخلق الكرم والعطاء والاحسان من غير مبالغة فيه لحد الإسراف والتبذير والخروج عن المعهود المشروع, يقول ابن القيم رحمه الله: «والفرقُ بين الجُود والسَّرَف: أنَّ الجوادَ حكيمٌ يضع العطاءَ مواضعَه، والمسرفُ مبذِّر، قد يُصادف عطاؤه موضعَه، وكثيرًا لا يصادفه. وإيضاحُ ذلك أن الله سبحانه بحكمته جعل في المال حقوقًا، وهي نوعان: حقوق موظفة وحقوق ثابتة. فالحقوق الموظفة كالزكاة والنفقات الواجبة على من تلزمه نفقتُه. والثابتة: كحقِّ الضَّيف، ومكافأة المُهدي، وما وقى به عِرْضَه ونحو ذلك. فالجوادُ يتوخَّى بماله أداء هذه الحقوق على وجه الكمال، طَيِّبةً بذلك نفسُه، راضيةً مؤمِّلةً للخُلف في الدنيا والثواب في العُقبى. فهو يُخرِج ذلك بسماحة قلب، وسخاوة نفس، وانشراح صدرٍ، بخلاف المبذِّر، فإنه يبسط يده في ماله بحكم هواه وشهوته جزافًا، لا على تقدير ولا مراعاة مصلحة، وإن اتَّفقتْ له».«الروح» (2/ 661). «وهو سبحانه يحب من اتصف بموجب صفاته وآثارها، فيُحبّ العليم والجواد والحييّ والسّتّير، والمؤمن القوي أحب إليه من المؤمن الضعيف، ويحب العدل والعفو والرحيم والشكور والبر والكريم، فصفته الغنى والجود، ويحب الغنيّ الجواد»«عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم» (1/ 491). وإذا أيقن العبد أن خالقه جواد كريم يعطي بلا منّ ولا عدٍّ استدعى ذلك منه الوقوف ببابه واللجوء إليه والانطراح بين يديه وسؤاله أن يجود عليه من فضله وخزائنه, يقول بن القيم رحمه الله: «أنَّه سبحانه يحبُّ من عباده أن يؤمِّلوه ويرجوه ويسألوه من فضله، لأنَّه المَلِك الحقُّ الجواد، أجوَدُ من سئل وأوسع من أعطى، وأحبُّ ما إلى الجواد أن يُرجى ويؤمَّل ويُسأل».«مدارج السالكين» (2/ 280). ومن آثار الايمان باسم الله الجواد قطع العلائق والتعلق بما في أيدي المخلوقين, لأن الغالب فيهم لا يعطي إلا بمعاوضة أو جزاء مقابلة, وسؤال وطلب, والله سبحانه وتعالى يعطي بلامعاوضة, ويكرم من غير مسألة إذ الجود من لوازم ذاته, يقول ابن القيم رحمه الله: «إذ هو الجوادُ المحسنُ لذاته، لا لمعاوضةٍ، ولا لطلب جزاءٍ منك، ولا لحاجةٍ دعته إلى ذلك، كيف وهو الغني الحميد؟ فإذا وصل إليك أدنى نعمة منه فاعلم أنَّه ذكرك بها، فَلْتعظُمْ عندك لِذكره لك بها، فإنَّه ما حقَّرك مَن ذكَرك بإحسانه، وابتدأك بمعروفه، وتحبَّب إليك بنعمته؛ هذا كلّه مع غناه عنك»«طريق الهجرتين وباب السعادتين» (1/ 85). |