البارئ
البارئ |
|
---|---|
الاسم | البارئ |
نوع الاسم | الأسماء المطلقة: المفردة |
معلومات إضافية عن الاسم | لقد ورد اسم الله (البارئ) في القرآن الكريم مطلقا مقرونا بغيره كما في قوله تعالى: ﵟهُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚﵞ [الحشر: 24], وورد كذلك مضافا كما في قوله تعالى: ﵟفَتُوبُوٓاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمۡ فَٱقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ عِندَ بَارِئِكُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُﵞ [البقرة: 54], ولم يرد في السنة النبوية. وقد بين بعض أهل العلم الفرق بين الخالق والبارئ والمصور: فقال الغزالي رحمه الله: «قد يُظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أولا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله -تبارك وتعالى- خالق من حيث إنه مقدر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب».«المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى» (ص 72). وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿هو الله الخالق البارئ المصور﴾ الخالق هنا المقدر. والبارئ المنشئ المخترع. والمصور مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة. فالتصوير مرتب على الخلق والبراية, وتابع لهما»« الجامع لأحكام القرآن» (18/ 48). وقال الطيبي رحمه الله:«فالله سبحانه خالق كل شىء، بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللهم إلا إذا فسر الخالق بالمقدر، فيكون من صفات المعانى؛ لأن مرجع التقدير إلي الارادة، وإن فسر الخالق بالمقدر، فوجه الترتيب ظاهر؛ لأنه يكون التقدير أولا، ثم الإحداث علي الوجه المقدر ثانيا، ثم التسوية والتصوير ثالثًا، وإن فسر بالموجد، فالاسمان الآخران كالتفصيل له، فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار، سواء كان الموجد مادة أو صورة، ذاتًا أو صفة»«الكاشف عن حقائق السنن» (6/ 1779-1780), وانظر: «فتح الباري لابن حجر» (20/ 485), و«تفسير البغوي» (8/ 88), و«تتمة أضواء البيان» (8/ 77). وقال ابن تيمية رحمه الله: «وأما قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، فليس بتكرار، بل هي معانٍ متغايرة بينهما قدر مشترك، وبيانه أنَّ الإيجاد يتعلق بالمادة وبالصورة وبمجموعهما، فإنْ تعلق بالمادة فهو برؤه، ولا يقال للمصور: إنَّه بارئ باعتبار تصويره، وإنما البارئ من برأ الشيءَ من العدم إلى الوجود، وإنْ تعلق بالصورة فهو تصوير، ويقال لفاعله: المصور، والخالق ينظمهما معًا، فالبارئ للمادة، والمصوّر للصور، والخالق لهما جميعًا، فأين التكرار»«جامع المسائل» (8/ 349-340). وقال ابن كثير -رحمه الله-: «الخلق هو التقدير، والبراء: هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود، وليس كل من قدر شيئا ورتبه يقدر على تنفيذه وإيجاده سوى الله -عز وجل-» «تفسير ابن كثير» (8/ 80). قال البيضاوي رحمه الله:«فالله تعالى سبحانه خالق كل شيء بمعنى أنه مقدره وموجده من أصل، أو من غير أصل، وبارئه حسبما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه، ويتم بها كماله». «تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» (2/ 33-34). ويقول السعدي -رحمه الله- في قوله تعالى: {الخالق البارئ المصور}: «الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم» تفسير السعدي (ص 947). وقد بيّن الخطابي رحمه الله: أن لفظ البارئ له من الاختصاص بالحيوان ما ليس له بغيره من الخلق، وقلما يستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال، فيقال: برأ الله السماء كما يقال: برأ الله الإنسان، وبرأ النسم. انظر: «شأن الدعاء» (ص 51). بل بيّن ابن القيم تبعا للطيبي رحهمها الله أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق. انظر:«شفاء العليل» (1/396-397). كما أن التسمي بالباري مما يختص بالله تعالى فلا يجوز تسمية غيره به من الخلق.قال ابن تيمية رحمه الله: «فذكر نفسه بأنه الخالق البارئ المصور، ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا لا ملكا ولا نبيا»«الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (4/ 45). وقال ابن القيم رحمه الله: «وأما البارئ فلا يصح إطلاقه إلا عليه سبحانه؛ فإنه الذي برأ الخليقة وأوجدها بعد عدمها، والعبد لا تتعلق قدرته بذلك؛ إذ غاية مقدوره التصرف في بعض صفات ما أوجده الربُّ تعالى وبرأه، وتغييرها من حال إلى حال على وجه مخصوص لا تتعدّاه قدرته»«شفاء العليل» (1/ 428-429). |
الأدلة على الاسم من القرآن | |
|
|
الأدلة على الاسم من السنة | |
|
|
صيغة أخرى من الاسم | |
|
|
سرد الأسماء ذات صلة | |
|
|
القائلون بثبوته | |
|
|
الصفة التي اشتق منها الاسم (المصدر) | الإبراء |
نوع الصفة | صفة اختيارية فعلية متعدية |
معلومات إضافية عن الصفة | اسم لله البارئ يدل عل صفة الإبراء, وهي صفة ذاتية فعلية, دالة على معنيين: الأول: معنى لازم متعلق بذات الله تعالى, وهو البرء أي السلامة من العيب والتنزه عن النقص كما دل على ذلك اسماه السلام والقدوس. والمعنى الثاني: معنى متعدٍ وهو الإيجاد والخلق والبراية, يقول الله تعالى: (مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَآۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ) [الحديد: 22]. أي: «من قبل أن نبرأ الأنفس، يعني: من قبل أن نخلقها، يقال: قد برأ الله هذا الشيء، بمعنى: خلقه فهو بارئه»«تفسير الطبري» (23/ 195). قال الكلاباذي رحمه الله: « إِن الله تَعَالَى لم يزل خَالِقًا بارئا مصورا غَفُورًا رحِيما شكُورًا وَكَذَلِكَ جَمِيع صِفَاته الَّتِي وصف بهَا نَفسه يُوصف بهَا كلهَا فِي الْأَزَل كَمَا يُوصف بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة والعز والكبرياء وَالْقُوَّة كَذَلِك يُوصف بالتكوين والتصوير والتخليق والإرادة وَالْكَرم والغفران وَالشُّكْر».«التعرف لمذهب أهل التصوف» (ص37). وقال الزجاج رحمه الله:«والبرء خلق على صفة, فكل مبروء مخلوق وليس كل مخلوق مبروءا وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم برأت من المرض وبرئت من الدين أبرأ منه فبعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعله بارئا»«تفسير أسماء الله الحسنى» (ص37). وأسماء الله تعالى لابد أن تظهر آثارها ومتعلقاتها في الخليقة, ومنها الباري فهو يقتضي مبروءا, كالخالق المقتضي مخلوقا. انظر: «مفتاح دار السعادة لا القيم» (2/ 816). |
الأدلة على ثبوت الصفة من القرآن | |
|
|
الأدلة على ثبوت الصفة من السنة | |
|
|
الحكم | يبرَأ. |
الأدلة على الفعل من القرآن | |
|
|
الأدلة على الفعل من السنة | |
|
|
دلالات الاسم | اسم الله تعالى (الباري) يدل بالمطابقة على ذات الله تعالى وعلى البراءة من العيب والنقص كصفة ذاتية, والإبراء للخلق كصفة فعلية, وعلى الذات وحدها بالتضمن, وعلى الصفة وحدها بالتضمن. كما أنه يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعلم والقدرة, والحكمة وغيرها. انظر: «موسوعة أسماء الله الحسنى للرضواني» (1/552-553). فمن دلالة اسم الله الباري على صفة العلم باللزوم, أن الاتقان والاحكام في الخلق لا يتم ولا يظهر إلا بالعلم التام للمعلوم وما يصلح له حال الإيجاد والإمداد, قال الحليمي رحمه الله: «ولا شك أن إثبات الإبداع والاعتراف به للباري عز وجل ليس يكون على أنه أبدع بغتة من غير علم سبق له بما هو مبدعه، لكن على انه كان عالما بما أبدع قبل أن يبدع، فكما وجب عند الإبداع اسم البديع، وجب له اسم الباري».«المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 192). كما أن في نفي التفاوت الذي هو الخلل والعيب والتناقض في المخلوقات في قوله تعالى: (مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ ) [الملك: 3], دال على الإتقان والإحكام القائم على العلم, قال ابن جزي رحمه الله: «ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ أي: من قلة تناسب وخروج عن الإتقان، والمعنى أن خلقة السموات في غاية الإتقان وقيل: أراد خلقة جميع المخلوقات، ولا شك أن جميع المخلوقات متقنة»«التسهيل لعلوم التنزيل» (2/ 394). ومن دلالة اسم الله الباري باللزوم دلالته على صفة الحكمة المتعلقة بإرادته ومشيئته, فهو سبحانه وتعالى خلق هذه المخلوقات على هذه الهيئات وميّزبعضها عن بعض بما يخص كل نوع وكل جنس بما يناسبه, -وهذا أحد المعاني التي دل عليها اسمه الباري كذلك كما سيأتي - قال ابن القيم رحمه الله:«ومن نظر في هذا العالم وتأمَّل أمره حقَّ التأمُّل علم قطعًا أن خالقه أتقنه وأحكمه غاية الإتقان والإحكام، فإنه إذا تأمَّله وجده كالبيت المبني المُعَدِّ فيه جميع عتاده. فالسماء مرفوعةٌ كالسقف، والأرض ممدودةٌ كالبساط، والنجوم منضودةٌ كالمصابيح، والمنافع مخزونةٌ كالذخائر، كل شيءٍ منها لأمرٍ يصلح له، والإنسان كالمالك المخول فيه، وضروب النبات مهيأة لمآربه، وصنوف الحيوان مصرفة في مصالحه. فمنها ما هو للدر والنسل والغذاء فقط، ومنها ما هو للركوب والحمولة فقط، ومنها ما هو للجمال والزينة، ومنها ما يجمع ذلك كله كالإبل، وجعل أجوافها خزائن لما هو شرابٌ وغذاءٌ، ودواءٌ وشفاءٌ، ففيها عبرةٌ للناظرين، وآيات للمتوسمين. وفي الطير واختلاف أنواعها وأشكالها، وألوانها ومقاديرها، ومنافعها وأصواتها، صافات وقابضات، وغاديات ورائحات، ومقيمات وظاعنات: أعظم عبرة وأبين دلالة على حكمة الخلاق العليم »«الصواعق المرسلة» (2/ 1135). وتمييز هذه المخلوقات وتخصيصها عن بعضها دال على صفة الإرادة, يقول ابن تيمية رحمه لله:«العالم فيه تخصيصات كثيرة مثل تخصيص كل شيء بما له من القدر والصفات والحركات كطوله وقصره، وطعمه ولونه، وريحه وحياته، وقدرته وعلمه وسمعه وبصره، وسائر ما فيه مع العلم الضروري بأنه من الممكن أن يكون خلاف ذلك إذ ليس واجب الوجود بنفسه. ومعلوم أن الذات المجردة التي لا إرادة لها لا تخصص وإنما يكون التخصيص بالإرادة، ولو قيل التخصيص هو بأسباب معلومة كالأرض والأشجار تكون مختلفة فإذا سقيت بماء واحد اختلف ثمارها لاختلاف القوابل كما أن الشمس تختلف آثارها بحسب القوافل كما تبيض الثوب وتسود وجه القصار وتلين اليابس الذي لم ينضج بما تجذبه إليه من الرطوبة وتجفف الرطب الذي كمل نضجه لانقطاع الرطوبة عنه»«شرح العقيدة الأصفهانية» (ص62). |
شرح الاسم | معنى اسم الله (البارئ) لغة: البارئ: مأخوذ من (برأ) فالباء والراء والهمزة أصلان إليهما ترجع فروع الباب: أحدهما: الخلق، يقال: برأ الله الخلق يبرؤهم برءا. والبارئ الله جل ثناؤه. قال الله تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم} [البقرة: 54]. والأصل الآخر: التباعد من الشيء ومزايلته، من ذلك البرء وهو السلامة من السقم، يقال: وبَرَأتُ من الْمَرَض أبرَأ بُرْأً، وبَرِئتُ بُرْأً أَيْضا. وبرِئتُ من الدَّين بَراءةً. انظر: «جمهرة اللغة لابن دريد» (2/ 1020), و«مقاييس اللغة لابن فارس» (1/ 236-237), «تهذيب اللغة للأزهري» (15/ 193-194), و«الصحاح للجوهري» (1/ 36), و«المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده» (10/ 286), و«اشتقاق أسماء الله للزجاجي» (ص242), و«لسان العرب لابن منظور» (1/ 31). قال أبو بكر الأنباري: الباريء معناه في كلام العرب: الخالق؛ يقال: برأَ الله عباده يبرؤهم برءاً: إذا خلقهم. ويقال: برئت من المرض، وبرأت، أبرأ بُرْءاً، وبَرْءاً، وبرئت من الرجل والدين بَراءةً . انظر: «الزاهر في معاني كلمات الناس للأنباري» (1/ 87-88). والبُرْءُ: السَّلَامَةُ من السُّقْمِ، يَبْرَأُ ويَبْرُؤُ، وبَرِئْتُ وبَرَأْتُ وبَرُؤْتُ بُرْءاً. انظر: «المحيط في اللغة لابن عباد» (2/ 441). وقَالَ ابْن الْأَعرَابِي: البَريء: المُتَفَصِّي القبائح، المُتَنحِّي عَن الْبَاطِل وَالْكذب، الْبعيد عَن التُّهم، النَّقِيّ الْقلب من الشِّرك. والبَرِيء: الصَّحِيح الْجِسْم والعَقْل». انظر: «تهذيب اللغة للأزهري» (15/ 195). والبَرِيَّةُ الخَلْقُ وأَصْلُها الهَمْزُ ونَظِيرُه النَّبِيُّ والذُّرِّيَّةُ وأَهلُ مَكَّةَ يُخالِفُون غَيْرَهُم من العَرَبِ يَهْمِزُون البريئَةَ والنَّبِئَ والذُّرِّيئَةَ وذلك قَلِيلٌ. انظر: «تهذيب اللغة للأزهري» (15/ 193-194), و«المحكم والمحيط الأعظم لابن سيده» (10/ 286), و«الصحاح للجوهري» (1/ 37), و«لسان العرب لابن منظور» (1/ 31). وقيل أن البرية مأخوذة من البَرَى وهو التراب, قَالَ الفراء: وَإِن أُخذت من البَرَى وَهُوَ التُّرَاب، فأصلُها غير الْهَمْز؛ وأَنشد: بفِيك مِن سَارٍ إِلَى القَوْمِ البَرَى. انظر:«تهذيب اللغة للأزهري» (15/194), و«شأن الدعاء للخطابي» (1/ 50), و«مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض» (1/ 82). ومما سبق فإن يتضح أن اسم الفاعل (البارئ) إما أن يكون يأخوذا من الفعل المتعدي (برَأ) بفتح الراء, يبرَأُ بَرْءًا, فهو بارئ, بمعنى الخالق الموجد للخلق, أو يكون مأخوذا من (برِئ) بكسر الراء يَبرئ فهو بارئٌ, بمعنى السالم من العيب والمزايل عن كل نقص, وبهذا كلا المعنيين يمكن إضافتهما لله تعالى: فالله سبحانه هو البارئ للخلق الموجد لهم من العدم, وكذلك هو البارئ سبحانه المنزه عن كل عيب ونقص كما دل عليه اسمه السلام والقدوس. انظر: وموسوعة أسماء الله الحسنى للرضواني (1/550-551), والأسماء الحسنى تصنيفا ومعنى لماجد آل عبدالجبار ص(353). معنى: اسم الله البارئ شرعا: إن مدار تفسيرات أهل العلم لاسم الله البارئ تدور حول عدة معانٍ منها: الأول: البارئ بمعنى الخالق المنشئ للخلق, وهذا المعنى هو الذي عليه أكثر أهل التفسير والمعاني: قال أبو بكر الأنباري: الباريء: معناه في كلام العرب: الخالق؛ يقال: برأَ الله عباده يبرؤهم برءاً: إذا خلقهم»«الزاهر في معاني كلمات الناس» (1/ 87). وقال الزجاج رحمه الله:«والباريء الخالق، تقول برأ اللَّه الخلق يبرؤهم أي خلقهم»«معاني القرآن وإعرابه للزجاج» (5/ 152). ومثله قال الزجاجي في «اشتقاق أسماء الله» (ص242), ومكي بن أبي طالب رحمه الله في «الهداية الى بلوغ النهاية» (11/ 7411), وابن عطية في «المحرر الوجيز» (5/ 292). وقال الطبري رحمه الله: «البارئ الذي برأ الخلق، فأوجدهم بقدرته». «تفسير الطبري» (22/ 555). وقال الخطابي رحمه الله: «البارئ: هو الخالق». «شأن الدعاء» (ص 51), وانظر: «الاعتقاد للبيهقي» (ص59). وقال الحليمي رحمه الله: «الموجد لما كان في معلومه من أصناف الخلائق»«المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 192), وانظر: «الأسماء والصفات للبيهقي» (1/70). قال البغوي رحمه الله: «{البارئ} المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود» «تفسير البغوي» (8/ 88). وقال ابن الأثير رحمه الله: «البارئ: هو الذي خلق الخلق لا عن مثال».«النهاية في غريب الحديث والأثر» (1/ 111), وانظر: «لسان العرب لابم منظور» (1/ 31). وقال السمرقندي رحمه الله: «الْبارِئُ يعني: خالق الأشياء ابتداء»«بحر العلوم» (3/ 433). وقال الثعلبي رحمه الله: «{الْبَارِئُ} الخالق...وقيل: البارئ: المنشئ للأعيان من العدم إلى الوجود المخرج لها»«الكشف والبيان» (26/ 275). وقال الشوكاني رحمه الله: «البارئ: الخالق، وقيل: إن البارئ هو المبدع المحدث»فتح القدير (1/ 101). وانظر: «النكت والعيون للماوردي» (5/ 514). إلا أن بعض أهل العلم خصّ البرء بالحيوان فقط دون بقية المخلوقات, قال الخطابي رحمه الله: «إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من الخلق، وقلما يستعمل في خلق السماوات والأرض والجبال، فيقال: برأ الله السماء كما يقال: برأ الله الإنسان، وبرأ النسم».شأن الدعاء (ص 51), وانظر: «مشارق الأنوار على صحاح الآثار للقاضي عياض» (1/ 82), و«النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير» (1/ 111), و«لسان العرب لابن منظور» (1/ 31). وقال ابن منده رحمه الله: «قال أهل التأويل: معنى البارئ هو: الخالق الذى خلق النفوس فى الأرحام». «التوحيد» (ص316). وقد اعترض النحاس على من فسر الباري بالخالق, فقال رحمه الله: «معنى البارئ الخالق، وهذا فيه تساهل لضعف من يقوله في العربية أو على أن يتساهل فيه لأنه قبله الخالق، وحقيقة هذا أن معنى برأ الله الخلق سوّاهم وعدّلهم ألا ترى اتساق الكلام أن قبله خلق أي قدّر وبعده برى أي عدّل وسوّى وبعده الْمُصَوِّرُ فالصورة بعد هذين»«إعراب القرآن» (4/ 269). ومن هنا فسر بعضهم البارئ بمعنى المصور لاختصاص الجميع بالحيوان: قال ابن أبي زمنين رحمه الله: «والبارئ هو المصور الذي يصور في الأرحام وغيرها ما يشاء». «تفسير القرآن العزيز» (4/ 374). وقال ابن العربي رحمه الله: «فإن الخالق هو الموجد المُقَدِّر، والباري هو الموجد المصور، والمصور هوالمظهر لتركيبها وصورها، والخالق أيضاً هو المخترع، والباري هو المصور على مثال»«قانون التأويل» (ص464-465). والمعنى الثاني: البارئ بمعنى الموجد للمخلوقات بريئة من التفاوت, وهذا المعنى يكون أثرا للمعنى الثاني من معاني الباري سبحانه, والذي هو السلامة من العيب والمزايلة للنقص, فإذا كان سبحانه بهذا الوصف في ذاته فكذلك لا ترى في أفعاله نقصا ولا عيبا ولا تفاوتا, وهكذا في آثار أفعاله سبحانه. قال الله تعالى: (ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ ) [الملك: 3] قال البيضاوي رحمه الله: «والباريء: هو الذي خلق الخلق بريئا من التفاوت والتنافر المخلين بالنظام الكامل، فهو أيضا مأخوذ من معنى التفصي».«تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» (2/ 33). وانظر: «أنوار التنزيل وأسرار التأويل له» (5/ 203), و«شمس العلوم للحميري» (1/ 500). والمعنى الثالث: البارئ بمعنى المميز للخلق بعضه عن بعض, وهذا المعنى تابع لما قبله, إّذ هو من تمام انتظام الخلق وعدم التفاوت والخلل فيه, مع تنوع المخلوقات وتمييز بعضها عن بعض. قال الزجاج رحمه الله:«والبرء خلق على صفة, فكل مبروء مخلوق وليس كل مخلوق مبروءا وذلك لأن البرء من تبرئة الشيء من الشيء من قولهم برأت من المرض وبرئت من الدين أبرأ منه فبعض الخلق إذا فصل من بعض سمي فاعلة بارئا. وقال أبو علي هو المعنى الذي به انفصلت الصور بعضها من بعض فصورة زيد مفارقة لصورة عمرو وصورة حمار مفارقة لصورة فرس فتبارك الله خالقا وبارئا»«تفسير أسماء الله الحسنى» (ص37). وقال الماوردي رحمه الله: «{الْبَارِىءُ} فيه وجهان: أحدهما: المميز للخلق، ومنه قوله: برئت منه، إذا تميزت منه». «النكت والعيون للماوردي» (5/ 514). قال البيهقي رحمه الله:«البارئ: ويختص باختراعه على الحسن».«شعب الإيمان» (1/ 123). والمعنى الرابع: تفسير البرء بجعل الروح في البدن خاصة: قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: «قوله تعالى: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} فإشارة إلى أحوال ثلاث، فالخلق: إلى إيجاد البدن، والبرء: إلى إيجاد الروح، وهي النسمة التي عناها أمير المؤمنين بقوله: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة)، والتصوير إلى الجمع بينهما»«تفسير الراغب الأصفهاني» (1/ 192). وقال السمرقندي رحمه الله: «الْبارِئُ الذي يجعل الروح في الجسد».«بحر العلوم» (3/ 433). ومنهم من جعل البرء مرتبة بين الخلق والتصوير أو هو تنفيذ ما قدره: قال القرطبي رحمه الله: «والبراية بين الخلق والتصوير» «الجامع لأحكام القرآن» (18/ 4849). وقال ابن كثير رحمه الله: «والبراء: هو الفري، وهو التنفيذ وإبراز ما قدره وقرره إلى الوجود».تفسير ابن كثير (8/ 80). وقد أضاف الحليمي رحمه الله معنى ثان للباري بمعنى قلب الأعيان من حال إلا حال, فقال: والآخر: أن المراد بالباري قالب الأعيان، أي أنه أبدع الماء والتراب والنار والهواء لا من شيء، ثم خلق منها الأجسام المختلفة، كما قال عز وجل: {وجعلنا من الماء كل شيء حي}. وقال: {إني خالق بشرا من طين} وقال: {ومن آياته أن خلقكم من تراب} وقال: {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} وقال: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار}. وقال: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاما، فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقت آخر} فيكون هذا من قولهم: برأ القواس القوس إذا صنعها من موادها التي كانت لها فجاءت منها لا كهيئتها»«المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 192-193), ووانظر: «الأسماء والصفات للبيهقي» (1/70). وبعضهم فسر البارئ بمعنى المعيد والمحيي بعد الإماتة: قال السمعاني رحمه الله: «{البارئ} قيل: هُوَ فِي معنى الْخَالِق على طَرِيق التَّأْكِيد، وَقيل: إِن مَعْنَاهُ المحيي بعد الإماتة. قَالَ الشَّاعِر:(وكل نفس على سلامتها … يميتها الله ثمَّ يبرؤها)» «تفسير السمعاني» (5/ 410). وقد جمع التوربشتي رحمه الله أكثر المعاني السابقة في تفسيره لمعنى الباري فقال: «البارئ هو الذي خلق الخلق بريئا من الاضطراب وعدم التناسب، متميزا بعضه من بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة، ولهذا المعنى اختص في الغالب في الحيوان، فلا يستعمل في الجمادات إلا في النادر؛ لأن المعنى الذي ذكرناه في الحيوان أكثر وأظهر»«الميسر في شرح مصابيح السنة» (2/ 529). والله تعالى لم يزل مسمى بالباري قبل وجود البرية, فهي آثار أسمائه وصفاته: قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله «ليس بعد خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ (الْخَالِقِ) وَلَا بِإِحْدَاثِهِ البرية استفاد اسم (الباري)» «متن الطحاوية» (ص34). وقال ابن منده رحمه الله:« ولم يزل موصوفاً بالخالق البارئ المصور قبل الخلق بمعنى أنه يخلق ويصوّر»«التوحيد» (ص316). |
المقتضى اللازم | إن اسم الله (الباري) سبحانه يقتضي اتصاف الله تعالى بكمال الصفات الذاتية والفعلية, فهو سبحانه الكامل المبرء عن كل نقص وعيب سبوح قدوس, وهو كذلك الفعال لما يشاء كيف ما شاء, بما اقتضته حكمته سبحانه, وسبق في علمه, فلا يجري شيء في هذه البرية إلا وقد سبق علم الله به, وتعلقت به مشيئته, فأوجده وبرأه بما اقتضته حكمته, لأن كماله سبحانه أزلي, وعن كماله صدر فعله, وظهر أثره في خلقه, و«لَا يجوز أَن يحدث لله تَعَالَى صفة لم يَسْتَحِقهَا فِيمَا لم يزل وَإنَّهُ لم يسْتَحق اسْم الْخَالِق لخلقه الْخلق وَلَا لإحداث البرايا اسْتحق اسْم البارئ وَلَا بتصوير الصُّور اسْتحق اسْم المصور وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ نَاقِصا فِيمَا لم يزل وَتمّ بالخلق -تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا-»«التعرف لمذهب أهل التصوفالكلاباذي» (ص37). |
المقتضى المتعدي | إن مقتضى اسم الله (الباري) في مخلوقات ظاهر جلي لمن تأمل في ما بين ناظريه, فاسمه «البارئ» يقتضي مبروءًا كما قال ابن القيم رحمه الله في: «مفتاح دار السعادة» (2/ 816). ومن مسالك الاستدلال على وجود الباري سبحانه مسلك دلالة الأثر على المؤثر, أي الاستدلال بالمبروء والأثر على البارئ المؤثر, يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:«فمن طرق إثبات الصفات: دلالة الصنعة عليها؛ فإن المخلوق يدل على وجود خالقه، على حياته وعلى قدرته، وعلى علمه ومشيئته؛ فإن الفعل الاختياري يستلزم ذلك استلزاما ضروريا، وما فيه من الإتقان والإحكام ووقوعه على أكمل الوجوه يدل على حكمة فاعله وعنايته، وما فيه من الإحسان والنفع، ووصول المنافع العظيمة إلى المخلوق يدل على رحمة خالقه، وإحسانه وجوده، وما فيه من آثار الكمال يدل على أن خالقه أكمل منه، فمعطي الكمال أحق بالكمال».«مدارج السالكين» (3/ 330). ومن مقتضيات اسم الله البارئ كثرة مخلوقاته وتنوعها, وتمييز بعضها عن بعض, وعدم وجود الخلل والعيب والتناقض فيها. فقد خلق السموات الطباق, وجعلها سبعا, وزينها بالكواكب والنجوم, وأودع فيها من المنافع والمصالح للعباد ما سقضي مآربهم, ودحا الأرض بالنبات والأنهار والبحار, وأرسى فيها الجبال الشم الراسيات, قال تعالى: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ سَبۡعَ سَمَٰوَٰتٖ طِبَاقٗاۖ مَّا تَرَىٰ فِي خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَٰنِ مِن تَفَٰوُتٖۖ ﴾ [الملك: 3], وقال جل جلاله: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقٗا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ﴾ [إبراهيم: 32-33], وقال سبحانه وتعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيۡرِ عَمَدٖ تَرَوۡنَهَاۖ ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ وَأَنۡهَٰرٗاۖ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوۡجَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ يُغۡشِي ٱلَّيۡلَ ٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي ٱلۡأَرۡضِ قِطَعٞ مُّتَجَٰوِرَٰتٞ وَجَنَّٰتٞ مِّنۡ أَعۡنَٰبٖ وَزَرۡعٞ وَنَخِيلٞ صِنۡوَانٞ وَغَيۡرُ صِنۡوَانٖ يُسۡقَىٰ بِمَآءٖ وَٰحِدٖ وَنُفَضِّلُ بَعۡضَهَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فِي ٱلۡأُكُلِۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ ﴾ [الرعد: 2-4], وقال سبحانه في تزيين السماء بالنجوم, ﴿فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ﴾ [فصلت: 12], وجعل الأرض ممهدة مذللة لمصالح العباد, وقال جلأ شأنه: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ ذَلُولٗا فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ﴾ [الملك: 15], وقال سبحانه: ﴿أَمَّن جَعَلَ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَجَعَلَ خِلَٰلَهَآ أَنۡهَٰرٗا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِيَ وَجَعَلَ بَيۡنَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ حَاجِزًاۗ ﴾ [النمل: 61]. وإذا تأملت في مخلوقات الأرض في برها وجدت أنواعا كثيرة. منها ما له أرجل متفاوتة رجلين فأربع فأكثر, ومنها من تزحف على بطونها,قال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ﴾ [النور: 45]. إضافة إلى ما صغر ودقّ من الحشرات والخنافس وما لا نفس له سائلة, قد تنوعت مساكنها, واختلفت مطاعمها, قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦ خَلۡقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٖۚ ﴾ [الشورى: 29]. وإذا أَجَلْتَ بصرك في الهواء رأيت من أنواع الطير كثرة كاثرة, مختلفة الألوان, متباينة الأحجام, تقطع المسافات الشاسعة في الجو صافات, قال تعالى: ﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى ٱلطَّيۡرِ فَوۡقَهُمۡ صَٰٓفَّٰتٖ وَيَقۡبِضۡنَۚ مَا يُمۡسِكُهُنَّ إِلَّا ٱلرَّحۡمَٰنُۚ إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيۡءِۭ بَصِيرٌ ﴾ [الملك: 19]. وإذا غصت أعماق البحار والمحيطات تعجبت من خلق الله تعالى وتنوعه من أسماك وحيتان وثعابين مختلفة الألوان والأشكال والمطاعم, وما أودع فيه كذلك من اللؤلؤ والمرجان وغيرها, قال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلۡبَحۡرَ لِتَأۡكُلُواْ مِنۡهُ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُواْ مِنۡهُ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ ﴾ [النحل: 14]. يقول ابن القيم رحمه الله: «ومن آياته سبحانه: خلقُ الحيوان على اختلاف أصنافه وأجناسه وأشكاله ومنافعه وألوانه وعجائبه المودَعة فيه؛ فمنه الماشي على بطنه، ومنه الماشي على رجليه، ومنه الماشي على أربَع، ومنه ما جُعِل سلاحُه في رجليه ــ وهو ذو المخالب ــ، ومنه ما سلاحُه المناقير، كالنَّسر والرَّخَم والغُراب، ومنه ما سلاحُه الأسنان، ومنه ما سلاحُه الصَّياصي ــ وهي القُرون ــ يُدافِعُ بها عن نفسه من يرومُ أخذَه، ومنها ما أُعطِي قوَّةً يَدْفَعُ بها عن نفسه لم يحتَج إلى سلاح، كالأسد؛ فإنَّ سلاحَه قوَّتُه، ومنه ما سلاحُه في ذَرْقِه، وهو نوعٌ من الطَّير إذا دنا منه من يريدُ أخذَه ذَرَقَ عليه فأهلكَه» «مفتاح دار السعادة» (2/ 583). أما خَلْقُ الإنسان، فقد نَدَبَ الله سبحانه إلى التفكُّر فيه والنظر في غير موضعٍ من كتابه؛ كقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق: 5]، وقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21] وأقربُ شيءٍ إلى الإنسان نفْسُه، وفيه من العجائب الدَّالَّة على عظمة الله ما تنقضي الأعمارُ في الوقوف على بعضه؛ وهو غافلٌ عنه، مُعرِضٌ عن التفكُّر فيه، ولو فكَّر في نفسه لزجرهُ ما يعلمُ من عجائب خَلْقِها عن كُفْرِه؛ قال الله تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ } [عبس: 17 - 19] فانظر إلى النطفة, وهي قطرةٌ من ماءٍ مهينٍ ضعيفٍ مُسْتَقْذر، لو مرَّت بها ساعةٌ من الزمان فسَدت وأنتنَت، كيف استخرجها من بين الصُّلب والتَّرائب، مذلَّلةَ القِياد على ضيق طُرقِها واختلاف مجاريها، إلى أن ساقها إلى مستقرِّها ومَجْمَعِها.وكيف جمع سبحانه بين الذَّكر والأنثى، وكيف قدَّر اجتماع ذَينِك الماءين في موضعٍ واحدٍ جُعِلَ لهما قرارًا مكينًا، قَلَبَ تلك النطفةَ البيضاء المشرقة علقةً حمراءَ تَضرِبُ إلى سوادٍ، ثمَّ جعلها مضغةَ لحمٍ، ثمَّ جعلها عظامًا مجرَّدةً لا كسوةَ عليها. وانظر كيف قسَّم تلك الأجزاء المتساوية المتشابهة إلى الأعصاب والعظام والعُروق والأوتار واليابس والليِّن، وبَيْن ذلك، ثمَّ كيف رَبَط بعضها ببعضٍ. وكيف كساها لحمًا ركَّبه عليها، وجعله وعاءً لها وغشاءً وحافظًا، وجعلها حاملةً له مقيمةً له؛ فاللحمُ قائمٌ بها وهي محفوظةٌ به. وكيف صوَّرها فأحسنَ صُوَرها، وشقَّ لها السَّمعَ والبصرَ والفمَ والأنفَ وسائر المنافذ، ومَدَّ اليدين والرِّجلين وبسطهما، وقسَّم رؤوسَهما بالأصابع، ثمَّ قسَّم الأصابعَ بالأنامل، وركَّب الأعضاءَ الباطنة من القلب والمعدة والكبد والطِّحال والرِّئة والرَّحِم والمَثانة والأمعاء، كلُّ واحدٍ منها له قَدْرٌ يخصُّه ومنفعةٌ تخصُّه. ثمَّ انظر الحكمةَ البالغة في تركيب العظام قِوامًا للبدن وعِمادًا له. ولما كان الإنسانُ محتاجًا إلى الحركة بجُملة بدنه وببعض أعضائه للتَّردُّد في حاجته لم يجعَل عظامه عظمًا واحدًا، بل عظامًا متعدِّدة، وجعل بينها مفاصل حتى تتيسَّر بها الحركة، وكان قَدْرُ كلِّ واحدٍ منها وشكلُه على حسب الحركة المطلوبة منه. وكيف شَدَّ أسْرَ تلك المفاصل بأوتارٍ ورِباطاتٍ أنبتها من أحد طرفي العظم، وألصقَ العظمَ بالطَّرف الآخر, وتأمَّل كيفيَّة خَلْق الرَّأس، وكثرةَ ما فيه من العظام، وكيف ركَّبه سبحانه وتعالى على البدن، وجعله عاليًا عليه عُلُوَّ الراكب على مركوبه ولما كان عاليًا على البدن جَعَل فيه الحواسَّ الخمسَ وآلات الإدراك كلَّها من السَّمع والبصر والشَّمِّ والذَّوق واللَّمس. وجَعَل حاسَّة البصر في مُقَدَّمه؛ ليكون كالطَّليعة والحَرَس والكاشف للبدن, فحسَّن شكل العينين وهيأتهما ومقدارهما، ثمَّ جمَّلهما بالأجفان غطاءً لهما وسترًا وحفظًا وزينة؛ وفي أطراف تلك الأجفان الأهدابَ جمالًا وزينة، ثمَّ أودعهما ذلك النُّورَ الباصرَ الذي يَخْرقُ ما بين السماء والأرض. وشَقَّ له السَّمع، وخلق الأذنَ فجعلها مجوَّفةً كالصَّدفة؛ لتجمعَ الصَّوتَ فتؤدِّيه إلى الصِّماخ، وجَعَل فيها غُضونًا وتجاويفَ واعوجاجاتٍ تمسكُ الهواءَ والصَّوتَ الدَّاخل فتكسرُ حِدَّته ثم تؤدِّيه إلى الصِّماخ. وجَعَل ماء الأذن مرًّا في غاية المَرارة، فلا يجاوزُه الحيوانُ ولا يقطعُه داخلًا إلى باطن الأذن, وجَعَل ماء العَين مِلْحًا ليحفظها؛ فإنها شَحْمةٌ قابلةٌ للفساد، فكانت ملوحةُ مائها صيانةً لها وحفظًا، وجَعَل ماء الفم عَذبًا حُلوًا ليُدرِك به طُعومَ الأشياء على ما هي عليه. ونَصَب سبحانه قَصَبة الأنف في وسط الوجه، فأحسنَ شكلَه وهيئتَه ووضعَه، وفَتَح فيه المَنْخِرَين، وحَجَز بينهما بحاجز، وأودَع فيهما حاسَّة الشَّمِّ التي تُدْرَكُ بها أنواعُ الروائح الطيِّبة والخبيثة والنافعة والضارَّة، وليستنشقَ به الهواءَ فيوصِلَه إلى القلب فيتَروَّح به ويتغذَّى به.وجعله سبحانه مَصَبًّا تنحدِرُ إليه فضلاتُ الدِّماغ فتجتمعُ فيه ثمَّ تخرجُ منه. وشقَّ سبحانه للعبد الفمَ في أحسن موضعٍ وأليقه به، وأودع فيه من المنافع وآلات الذَّوق والكلام وآلات الطَّحن والقَطع ما تبهرُ العقولَ عجائبُه؛ فأودَعه اللسانَ الذي هو أحدُ آياته الدَّالَّة عليه، وجعله ترجمانًا لمَلِك الأعضاء مُبِينًا مؤديًا عنه, مَصُونًا محفوظًا مستورًا، غير بارزٍ مكشوفٍ كالأذن والعين والأنف؛ لأنَّ تلك الأعضاء لما كانت تؤدِّي من الخارج إليه جُعِلَت بارزةً ظاهرة، ولما كان اللسانُ مؤديًا منه إلى الخارج جُعِل مستورًا مصونًا. ثمَّ زيَّن سبحانه الفمَ بما فيه من الأسنان التي هي جمالٌ له وزينة، وبها قِوامُ العبد وغذاؤه، وجَعَل بعضها أرْحاءَ للطَّحن، وبعضها آلةً للقَطع، فأحكم أصولَها، وحَدَّد رؤوسَها، وبيَّض لونها، ورتَّب صفوفَها، متساويةَ الرؤوس، متناسقةَ التَّرتيب، كأنها الدُّرُّ المنظومُ بياضًا وصفاءً وحُسْنًا. وأحاط سبحانه على ذلك كلِّه حائطَيْن، وهما الشَّفتان؛ فحَسَّن لونهما وشكلَهما ووضعَهما وهيأتهما، وجعلهما غطاءً للفم وطَبَقًا له، جَعَلهما لحمًا صِرفًا لا عَظمَ فيه ولا عَصَب؛ ليتمكَّن بهما من مَصِّ الشَّراب، ويَسْهُل عليه فتحُهما وطَبْقُهما. وخلق سبحانه الحناجرَ مختلفةَ الأشكال في الضِّيق والسَّعة، والخشونة والمَلاسة، والصَّلابة واللِّين، والطُّول والقِصَر؛ فاختلفَت بذلك الأصواتُ أعظمَ اختلاف. وزيَّن سبحانه الرأسَ بالشَّعر، وجَعَله لباسًا له؛ لاحتياجه إليه، وزيَّن الوجه بما أنبت فيه من الشُّعور المختلفة الأشكال والمقادير، فزيَّنه بالحاجبين، وجعلهما وقايةً لما ينحدر مِن بَشَرَة الرأس إلى العينين، وقَوَّسهما، وأحسنَ خطَّهما، وزيَّن أجفانَ العينين بالأهداب، وزيَّن الوجه أيضًا باللِّحية، وجعلها كمالًا ووقارًا ومهابةً للرَّجُل، وزيَّن الشفتين بما أنبت فوقهما من الشارب وتحتهما من العَنْفَقَة. وكذلك خَلْقُه سبحانه لليدين اللتين هما آلةُ العبد وسلاحُه ورأسُ ماله ومعاشُه، فطوَّلهما بحيث يَصِلان إلى ما شاء من بدنه، وعرَّض الكفَّ ليتمكَّن بها من القبض والبسط، وقسَّم فيه الأصابعَ الخمس، وقسَّم كلَّ إصبعٍ بثلاث أناملَ والإبهامَ باثنتين، ووضعَ الأصابعَ الأربعةَ في جانبٍ والإبهامَ في جانب؛ لتدور الإبهامُ على الجميع؛ فجاءت على أحسن وضعٍ صَلحت به للقبض والبسط ومباشرة الأعمال, وركَّبَ الأظفارَ على رؤوسها زينةً لها وعِمادًا ووقاية، ومباشرة وظائفها من الحك والالتقاط ونحوه. ثمَّ انظر كيف جَعَل الرَّقبة مَرْكبًا للرأس، وركَّبها على الظَّهر والصَّدر، ثم وصل عظامَ الظَّهر بعظام الصَّدر، وعظامَ الكتفين بعظام العَضُدَين، والعَضُدَين بالذِّراعين، والذِّراعين بالكفِّ والأصابع. ومن عجائب خَلقِه ما في الإنسان من الأمور الباطنة التي لا تشاهَد؛ كالقلب والكبد والطِّحال والرِّئة والأمعاء والمَثانة، وسائر ما في باطنه من الآلات العجيبة، والقُوى المتعدِّدة المختلفة المنافع. فأما القلبُ، فهو الملكُ المستعمِلُ لجميع آلات البدن، وهو أشرفُ أعضاء البدن، وبه قِوامُ الحياة، وهو منبعُ الرُّوح الحيوانيِّ والحرارة الغريزيَّة، وهو معدنُ العقل والعلم والحلم، والشجاعة والكرم والصَّبر والاحتمال، والحبِّ والإرادة، والرضا والغضب، وسائر صفات الكمال. فسائر الأعضاء خَدَمُه وجنودُه، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «ألا إنَّ في الجسد مُضغةً إذا صلَحت صلَح لها سائرُ الجسد، وإذا فسَدت فسَد لها سائرُ الجسد، ألا وهي القلب». وجُعِلَت الرئةُ له كالمِرْوَحة تُروِّحُ عليه دائمًا؛ لأنه أشدُّ الأعضاء حرارةً، بل هو منبعُ الحرارة. وإذا نظر العبدُ إلى غذائه فقط، في مَدْخَله ومستقرِّه ومخرجه، رأى فيه العِبَر والعجائب؛ كيف جُعِلَت له آلةٌ يتناولُه بها، ثم بابٌ يَدْخُل منه، ثمَّ آلةٌ تقطِّعُه صغارًا، ثمَّ طاحونٌ يطحنُه، ثمَّ أُعِينَ بماءٍ يعجنُه، ثمَّ جُعِل له مجرًى وطريقٌ إلى جانب مجرى النَّفَس، ينزلُ هذا ويصعدُ هذا، فلا يلتقيان مع غاية القُرب. ثمَّ جَعَل له حوايا وطرقًا تُوصِلُه إلى المعدة، فهي خِزانتُه وموضعُ اجتماعه، ولها بابان: بابٌ أعلى يدخلُ منه الطَّعام، وبابٌ أسفلُ يخرجُ منهُ ثُفْلُه. ويحيطُ بالمعدة مِن داخلها وخارجها حرارةٌ ناريَّة، ينضجُ بها الطعامُ فيها, ولذلك تذيبُ ما هو مستحجِرٌ كالحصى وغيره، حتى تتركه مائعًا، فإذا أذابتهُ علا صَفْوُه إلى فوق، ورَسَا كدرُه إلى أسفل. ولما كان الغذاءُ إذا استحال في المعدة استحال دمًا ومِرَّةً سوداءَ ومِرَّةً صفراءَ وبَلْغمًا، اقتضت حكمتُه سبحانه وتعالى أن جَعَل لكلِّ واحدٍ من هذه الأخلاط مَصرِفًا ينصبُّ إليه ويجتمعُ فيه، ولا ينبعثُ إلى الأعضاء الشريفة إلا أكملُه؛ فوضع المَرارةَ مَصَبًّا للمِرَّة الصَّفراء، ووضع الطِّحالَ مقرًّا للمِرَّة السَّوداء، والكبدُ تمتصُّ أشرفَ ما في ذلك، وهو الدَّم، ثمَّ تبعثُه إلى جميع البدن من عِرقٍ واحدٍ ينقسمُ على مجارٍ كثيرة، يوصِلُ إلى كلِّ واحدٍ من الشُّعور والأعصاب والعظام والعروق ما يكونُ به قِوامُه. ثمَّ إذا نظرتَ إلى ما فيه من القُوى الباطنة والظَّاهرة المختلفة في أنفسها ومنافعها، رأيتَ العجبَ العُجاب؛ كقوَّة سمعه وبصره، وشمِّه وذوقه ولمسه، وحبِّه وبغضه، ورضاه وغضبه، وغير ذلك من القُوى المتعلقة بالإدراك والإرادة، وكذلك القُوى المتصرِّفة في غذائه؛ كالقوَّة المُنْضِجة له، وكالقوَّة الماسِكة له، والدَّافعة له إلى الأعضاء، والقوَّة الهاضمة له بعد أخذِ الأعضاء حاجتها منه، إلى غير ذلك من عجائب خِلقته الظَّاهرة والباطنة, فتبارك الله أحسن الخالقين. انظر: «مفتاح دار السعادة لابن القيم» (2/ 538-560). |
الأثر المترتب على الإيمان بالاسم | إن من آثار الإيمان باسم الله الباري أن يراعي العبد ذلك المعنى الذي دلّ عليه في سلوكه, فيبرأ من كل شهوة تخالف أمره, ومن كل شبهة تخالف خبره, ومن كل ولاء لغير دينه وشرعه, ومن كل بدعة تخالف سنته صلى الله عليه وسلم , ومن كل معصية تؤثر على حبة الله وقربه, ورضاه سبحانه عن عبده. قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ ٱسۡتِغۡفَارُ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوۡعِدَةٖ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوّٞ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنۡهُۚ إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٞ) [التوبة: 114]. كما أنه على العبد أن يستحضر معنى ما دل عليه اسم الله الباري من الاتقان والاحكام, فيتقن عمله ويحكم صنعته, ولا يقصر فيما نيط به من عمل, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» رواه أبو يعلي في مسنده برقم(4386), والطبراني في الأوسط برقم(897), والبيهقي في الشعب برقم (5314), وحسنه الألباني في الصحيحة برقم (1113). انظر: موسوعة الأسماء الحسنى للرضواني»(1/555-556). ومن آثار اسم الله الباري على العبد إفراده بالعبادة وحده لا شريك له, لأنه إذا اعتقد أنه سبحانه بارئ البرايا وخالقهم ومبدعهم لزمه افراده بالعبادة وحده, وقد احتج الله تعالى بهذا على المشركين ليلزمهم بإفراده بالعبادة, قال تعالى: (أَيُشۡرِكُونَ مَا لَا يَخۡلُقُ شَيۡـٔٗا وَهُمۡ يُخۡلَقُونَ) [الأعراف: 191]. من آثار اسم الله البارئ أن يعتقد العبد أن الله سبحانه هو الرافع للبلاء الدافع للداء وحده, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال «لكل داء دواء. فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل» رواه مسلم. كما أنه من آثار التعبد بهذا الاسم أن يتعوذ لعبد بكلمات الله التامات من شر كل ما برأه الله وخلقه وذرأه, وقد سأل رجل عبد اللَّه بن خنبش كيف صنع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حين كادته الشياطين؟ قال: جاءت الشياطين إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الأودية وتحدرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة نار يريد أن يحرق بها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأرعب منهم قال: جعفر أحسبه قال: جعل يتأخر، قال: وجاءه جبريل فقال: يا محمد قل: قال: "ما أقول؟ " قال: "قل أعوذ بكلمات اللَّه التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن"، قال: فطفئت نار (الشياطين) قال: وهزمهم اللَّه» رواه ابن أبي شيبة في المصنف (16/290), وأحمد في المسند برقم (15460)، والبيهقي في الدعوات الكبير برقم(599)، وحسن إسناده الألباني في الصحيحة برقم (2995). ومن آثار الايمان بهذا الاسم أن العبد إذا اشتكى من وجع أو ألأم رقى نفسه أو غيره بما كان جبريل عليه السلام يرقي به النبي صلى الله عليه وسلم, فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم « أنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل، قال: باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد وشر كل ذي عين »رواه مسلم. من آثار هذا الاسم أن يتأمل العبد في هذه المخلوقات على اختلاف أجناسها وأصنافها وأنواعها وانتظامها ليزيد من إيمانه بقدرة خالقها وبارئها على هذه الكيفيات. قال البيضاوي رحمه الله: «وحظ العارف منه: أن لا يرى شيئا، ولا يتصور أمرا، إلا ويتأمل فيه من باهر القدرة وعجائب الصنع، فيترقى من المخلوق إلى الخالق، وينتقل من ملاحظة المصنوع إلى ملاحظة الصانع، حتى يصير بحيث كلما نظر إلى شيء وجد الله عنده»«تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» (2/34). ومن آثار الإيمان بهذا الاسم تأمل العبد في نفسه, وما أودع الله فيه من الصفات, وكيف ركبها على أتم أوجه الاتقان, ليوجب له ذلك حمد الله تعالى. يقول الله تعالى: ﴿وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]. يقول ابن القيم رحمه الله: «لما كان أقرب الأشياء إلى الإنسان نفسه، دعاه خالقه وبارئه ومصوره وفاطره من قطرة ماء إلى التبصر والتفكر في نفسه، فإذا تفكر الانسان في نفسه، استنارت له آيات الربوبية، وسطعت له أنوار اليقين، واضمحلت عنه غمرات الشك والريب، وانقشعت عنه ظلمات الجهل، فإنه إذا نظر في نفسه وجد آثار التدبير فيه قائمات، وأدلة التوحيد على ربه ناطقات شاهدة لمدبره، دالة عليه مرشدة إليه». «التبيان في أقسام القرآن» (ص 304). ومن آثار الإيمان باسم الله الباري أن يعتقد العبد الله سبحانه اختص بصفة البرء, وأنه مهما حاول علماء الأحياء أن يخلقوا لو خلية واحدة ما استطاعوا, وعلى فرض تقدمهم في العلوم والوصول إلى صنع أشياء شبيهة في ظاهرها بالخلق الحقيقي, فهم عاجزون أن يخلقوا فيه الشعور والأحاسيس الحب والرغبة والرحمة والبغض والغضب, ناهيك عن التوالد والتكاثر. قال الله تعالى: ﴿هَٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦۚ﴾ [لقمان: 11]. |