المصور
المصور |
|
---|---|
الاسم | المصور |
نوع الاسم | الأسماء المطلقة: المفردة |
معلومات إضافية عن الاسم | لم يرد اسم الله (المصور) في النصوص الشرعية إلا مرة واحدة في القرآن الكريم مقرونا مع الخالق والبارئ. وقد ورد ضبط اسم (المصوّر) على أوجه: الوجه الأول: (المصوِّرُ): بكسر الواو، ورفع الراء على أنه صفة. أو خبر بعد خبر. وقد أجمع القراء المشهورون على هذا الضبط. انظر:«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 1216), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد لمنتجب الهمذاني» (6/ 130), و«إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص433), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الثاني: (المصوِّرَ). بكسر الواو وفتح الراء, وهو مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: «إعراب القرآن لإسماعيل الأصبهاني» (ص433), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الثالث: (المصوَّرَ): بفتح الواو، ونصب الراء على أنه مفعول «البارئ», وبه قرأ حاطب ابن أبي بلتعة. وتقديره: البارئُ الإنسانَ الْمُصَوَّرَ, أو آدم الْمُصَوَّرَ. ومعناه: الذي يبرأ المصوَّرَ وينشئه، ويميز ما يصوره بتفاوت الهيئات. انظر: «معاني القرآن وإعرابه للزجاج» (5/ 151), و«مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب» (2/ 727), و«تفسير ابن عطية» (5/ 292), و«تفسير القرطبي» (18/ 4849), و«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 1216), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد لمنتجب الهمذاني» (6/ 130), و«إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص433-434). و«تفسير ابن عطية» (5/ 292), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الرابع: (المصوَّرِ): بفتح الواو، وجر الراء. على التشبيه بالحسن الوجه على الإضافة, على تقدير قول من قال: هذا الضاربُ الرجلِ، كما تقول: هذا الحسنُ الوجهِ، فيجر (الرجل) على التشبيه بالوجه. ويشبه (الضارب) بالحسن؛ لأنَّهما وصفان، ولأنهما يجتمعان في الجمع المسلّم، ولأنّ كل واحد منهما يأتي تأنيثه على حد تأنيث الآخر، نحو حسنٍ وحسنةٍ، كما تقول: ضاربٌ وضاربةٌ، وقد نصبوا (الوجه) في قولهم: هذا الحسن الوجهَ على التشبيه، كقولك: هذا الضاربُ الرجلَ. انظر: «مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب» (2/ 727), و«التبيان في إعراب القرآن لأبي البقاء العكبري» (2/ 1216), و«تفسير ابن عطية» (5/ 292), و«الكتاب الفريد في إعراب القرآن المجيد لمنتجب الهمذاني» (6/ 130), و«إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص433-434), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). الوجه الخامس: (المصوَّرُ): بفتح الواو وضم الراء, وهو مروي عن الأعمش, ووجهه فيما ذكروا أنّ المعنى: المصوَّرُ في القلوب بآياته وعلامات ربوبيته. ولا يستحسن العلماء هذه القراءة لبعدها. انظر: «إعراب القرآن - إسماعيل الأصبهاني» (ص434), و«النكت في القرآن الكريم للمُجَاشِعِي القيرواني» (ص490). وممن رد الوجه ابن سيده رحمه الله بقول: «فَأَما قِرَاءَة من قَرَأَ (المُصَوَّرُ) على لفظ الْمَفْعُول فَلَا تصح إِذْ لَا معنى لَهَا لِأَن (المُصَوَّرُ) يَقْتَضِي مُصَوِّراً وَأَيْضًا فَإِن (المُصَوَّرُ) ذُو صُورَة وَهَذَا يَقْتَضِي أقدمَ مِنْهُ وَلَا أَقْدَمَ مِنْهُ جَلَّ وَعز»«المخصص» (5/ 231). أما وجه اقتران اسم الله (المصور) بـ(الخالق) و(البارئ), فقد بيّن أهل العلم ذلك: فقال الغزالي رحمه الله: «قد يُظن أن هذه الأسماء مترادفة، وأن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ بل كل ما يخرج من العدم إلى الوجود فيفتقر إلى تقدير أولا، وإلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا، وإلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا، والله -تبارك وتعالى- خالق من حيث إنه مقدر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصور من حيث إنه مرتب صور المخترعات أحسن ترتيب».«المقصد الأسنى» (ص 72). وقال ابن العربي المالكي رحمه الله: «فإن الخالق هو الموجد المُقَدِّر، والباري هو الموجد المصور، والمصور هوالمظهر لتركيبها وصورها، والخالق أيضاً هو المخترع، والباري هو المصور على مثال، والمصور هو الجاعل له على هيئات»«قانون التأويل» (ص464-465). وقال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿هو الله الخالق البارئ المصور﴾ الخالق هنا المقدر. والبارئ المنشئ المخترع. والمصور مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة. فالتصوير مرتب على الخلق والبراية, وتابع لهما»« الجامع لأحكام القرآن» (18/ 48). وقال الطيبي رحمه الله:«فالله سبحانه خالق كل شىء، بمعنى أنه مقدره أو موجده من أصل، ومن غير أصل، وباريه بحسب ما اقتضته حكمته، وسبقت به كلمته من غير تفاوت واختلال، ومصوره بصورة يترتب عليها خواصه ويتم بها كماله، وثلاثتها من أسماء الأفعال، اللهم إلا إذا فسر الخالق بالمقدر، فيكون من صفات المعانى؛ لأن مرجع التقدير إلي الارادة، وإن فسر الخالق بالمقدر، فوجه الترتيب ظاهر؛ لأنه يكون التقدير أولا، ثم الإحداث علي الوجه المقدر ثانيا، ثم التسوية والتصوير ثالثًا، وإن فسر بالموجد، فالاسمان الآخران كالتفصيل له، فإن الخالق هو الموجد بتقدير واختيار، سواء كان الموجد مادة أو صورة، ذاتًا أو صفة»«الكاشف عن حقائق السنن» (6/ 1779-1780), وانظر: «فتح الباري لابن حجر» (20/ 485), و«تفسير البغوي» (8/ 88), و«تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للبيضاوي» (2/ 33-34).و«تتمة أضواء البيان لعطية سالم» (8/ 77). وقال ابن تيمية رحمه الله: «وأما قوله سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، فليس بتكرار، بل هي معانٍ متغايرة بينهما قدر مشترك، وبيانه أنَّ الإيجاد يتعلق بالمادة وبالصورة وبمجموعهما، فإنْ تعلق بالمادة فهو برؤه، ولا يقال للمصور: إنَّه بارئ باعتبار تصويره، وإنما البارئ من برأ الشيءَ من العدم إلى الوجود، وإنْ تعلق بالصورة فهو تصوير، ويقال لفاعله: المصور، والخالق ينظمهما معًا، فالبارئ للمادة، والمصوّر للصور، والخالق لهما جميعًا، فأين التكرار»«جامع المسائل» (8/ 349-340). ويقول السعدي رحمه الله- في قوله تعالى: {الخالق البارئ المصور}: «الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل، ولا يزال على هذا الوصف العظيم» تفسير السعدي (ص 947). وقد بيّن ابن القيم تبعا للطيبي رحهمها الله أن البارئ المصور تفصيل لمعنى اسم الخالق. انظر:«شفاء العليل» (1/396-397). كما أن التسمي بالمصور مما يختص بالله تعالى فلا يجوز تسمية غيره به من الخلق, ولذلك ذم المصورين, وتوعدهم بالعذاب الأليم. قال ابن تيمية رحمه الله: «فذكر نفسه بأنه الخالق البارئ المصور، ولم يصف قط شيئا من المخلوقات بهذا لا ملكا ولا نبيا»«الجواب الصحيح» (4/ 45). وقال ابن قيم رحمه الله: «وأما الخالق والمصوِّر فإنِ استُعْمِلا مطلقيَن غير مقيدَين لم يُطلقا إلا على الربّ سبحانه، كقوله: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر: 24]، وإن استُعْمِلا مقيّدَين أُطْلِقا على العبد»«شفاء العليل» (1/ 427). |
الأدلة على الاسم من القرآن | |
|
|
الأدلة على الاسم من السنة | |
|
|
صيغة أخرى من الاسم | |
|
|
سرد الأسماء ذات صلة | |
|
|
القائلون بثبوته | |
|
|
الصفة التي اشتق منها الاسم (المصدر) | التصوير |
نوع الصفة | صفة اختيارية فعلية متعدية |
معلومات إضافية عن الصفة | اسم لله (المصور) دل على صفة التصوير, وهي صفة فعلية متعلقة بمشيئة الله سبحانه وتعالى, ومعنى التصوير هو التخطيط والتشكيل. قال الخطابي رحمه الله: «ومعنى التصوبر: التخطيط والتشكيل... وخلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها، جعله علقة ثم مضغة، ثم جعله صورة وهو التشكيل الذي يكون به ذا صورة وهيئة». (شأن الدعاء 51 - 52). وانظر «الأسماء والصفات للبيهقي» (1/ 79). «الجامع لأحكام القرآن» (18/ 4849). وقال السمعاني: «قيل التَّصْوِير: هُوَ تركيب مَخْصُوص فِي مَحل مَخْصُوص من الْخلق»«تفسير السمعاني» (5/ 410). وبيّن القرطبي رحمه الله أن التصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما. انظر: «الجامع لأحكام القرآن» (18/ 4849). وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن كيفية تصوير خلق الانسان وتشكيله عبر مراحل قبل خروجه من بطن أمه, فقال تعالى: (وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ ثُمَّ خَلَقۡنَا ٱلنُّطۡفَةَ عَلَقَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡعَلَقَةَ مُضۡغَةٗ فَخَلَقۡنَا ٱلۡمُضۡغَةَ عِظَٰمٗا فَكَسَوۡنَا ٱلۡعِظَٰمَ لَحۡمٗا ثُمَّ أَنشَأۡنَٰهُ خَلۡقًا ءَاخَرَۚ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ أَحۡسَنُ ٱلۡخَٰلِقِينَ) [المؤمنون: 12-14]. وبيّن سبحانه وتعالى أن تصويره للمخلوقات واقع بمشيئته واختياره وفق ما اقتضته حكمته, قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ) [آل عمران: 6]. قال الطبري رحمه الله: «يعني بذلك جل ثناؤه: الله الذي يصوّركم فيجعلكم صورًا أشباحًا في أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحب، فيجعل هذا ذكرًا وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يُعرّف عباده بذلك أنّ جميع من اشتملت عليه أرحامُ النساء، ممنّ صوره وخلقه كيف شاء وأنّ عيسى ابن مريم ممن صوّره في رحم أمه وخلقه فيها كيف شاء وأحبّ، وأنه لو كان إلهًا لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاق ما في الأرحام لا تكون الأرحامُ عليه مشتملة، وإنما تشتمل على المخلوقين» «تفسير الطبري» (6/ 166-167). كما أن في خلق الإنسان وتقلبه في هذه الأطوار إبراز لقدرة الله تعالى: قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:«وخص من بين شؤون القيومية تصوير البشر لأنه من أعجب مظاهر القدرة»«التحرير والتنوير» (3/ 151). |
الأدلة على ثبوت الصفة من القرآن | |
|
|
الأدلة على ثبوت الصفة من السنة | |
|
|
الحكم | يصور |
الأدلة على الفعل من القرآن | |
|
|
الأدلة على الفعل من السنة | |
|
|
دلالات الاسم | إن اسم الله المصور يدل على ذات الله تعالى وعلى صفة التصوير بالمطابقة, ويدل على ذات الله وحدها أو صفة التصوير وحدها بالتضمن قال تعالى: (وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ) [غافر: 64] ويدل باللزوم على جميع الصفات الذاتية والفعلية, من الحياة والقيومية والعلم والإرادة والقوة والقدرة وغيرها, فإن المصور سبحانه لا يتم له الخلق والتصوير إلا بوجود القدوة والقدرة على ذلك. قال الطاهر بن عاشور رحمه الله:«وخص من بين شؤون القيومية تصوير البشر لأنه من أعجب مظاهر القدرة»«التحرير والتنوير» (3/ 151). ويدل على العلم كذلك باللزوم, فإن الخالق المصور لابد أن يعلم خلقه قبله خلقهم وتصويرهم وبعده, قال تعالى: (أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ) [الملك: 14]. ويدل باللزوم أيضا على صفة الإرادة والمشيئة, فإن تخصيص كل مخلوق بما يناسبه وعلى الوجه اللائق به دليل الإرادة والمشيئة, وقد بيّن الله تعالى أن تصويره للمخلوقات متعلق بمشيئته, قال تعالى: (هُوَ ٱلَّذِي يُصَوِّرُكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡحَامِ كَيۡفَ يَشَآءُۚ) [آل عمران: 6] قال الطبري رحمه الله: «المصوّر خلقه كيف شاء، وكيف يشاء»«تفسير الطبري جامع البيان» (23/ 305). وقال تعالى: (ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ فِيٓ أَيِّ صُورَةٖ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ) [الانفطار: 7-8] يقول الطبري رحمه الله في قوله تعالى: «صرفك وأمالك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، وإما إلى صورة قبيحة، أو إلى صورة بعض قراباته». «تفسير الطبري» (24/ 178). وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: «الْمُصَوِّرُ للخلق على مشيئته»«تفسير العز بن عبد السلام» (3/ 306). كما أنه يدل باللزوم أيضا على صفة الحكمة له سبحانه, فإن تنوع المخلوقات وتمييز بعضها عن بعض بما يناسب كل نوع وجنس مما يصلح له مما اقتضته حكمته سبحانه. قال ابن عطية رحمه الله: «وذكر (الْمُصَوِّرُ) لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة»«تفسير ابن عطية» (1/ 70), وانظر: «تفسير القرطبي» (1/ 140). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «المصور: هو مبدع صور المخترعات، ومرتبها بحسب مقتضى الحكمة». «فتح الباري» (13/ 391). وقد امتن الله على عباده بأن خلقهم في أحسن صورة, وأتم تقويم, فبين أن تصويره لهم كان وفق مشيئته وأرادته, وعلى مقتضى حكمته في أحسن الصور والهيئات مما يدل على الاتقان. قال تعالى: (ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّىٰكَ فَعَدَلَكَ)[الانفطار: 7-8]. قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله: «وقوله: {سَوَّاكَ} أي خلقك مستوي الأجزاء، معتدل القامة والخلق، صحيح الأعضاء في أكمل صورة، وأحسن تقويم؛ كقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْويمٍ}» «أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (4/ 133). |
شرح الاسم | اسم الله (المصوّر) لغة. المصور: مأخوذ من (الصَوَر)، بالتحريك: وهو الميل، ورجلٌ أَصْوَرُ بَيِّنُ الصَوَرِ. أي: مائل مشتاق. والصاد والواو والراء كلمات كثيرة متباينة الأصول, ومما ينقاس منه قولهم: صَوِرَ يَصْوَرُ، إِذَا مَالَ. وَصُرْتُ الشَّيْءَ أَصُورُهُ، وَأَصَرْتُهُ، إِذَا أَمَلْتَهُ إِلَيْكَ. وَيَجِيءُ قِيَاسُهُ: تَصَوَّرَ، وصَوَّرَهُ الله صُورَةً حسنةً، فتَصَوَّرَ. مِنْ ذَلِكَ الصُّورَةُ صُورَةُ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَالْجَمْعُ صُوَرٌ. انظر: «مقاييس اللغة لابن فارس» (3/ 319-320), و«الصحاح للجوهري» (2/ 280) وقيل: مأخوذ من صَوُرَ يَصُورُ, وَلَا يحسن أَن يكون من صَار يصير لِأَنَّهُ يلْزم مِنْهُ أَن يُقَال الْمصير بِالْيَاءِ. انظر:«مشكل إعراب القرآن لمكي ابن أبي طالب» (2/ 727). قال النحاس رحمه الله:«قيل: إن المصور مشتق من صار يصير، ولو كان كذا لكان بالياء، ولكنه مشتق من الصورة وهي المثال»«إعراب القرآن» (4/ 269). فالمصوّر: اسم الفاعل من صَوّرَ يُصوِّرُ فهو مصوِّرٌ: إذا فعل الصورة، والمصدر التصوير. انظر: «اشتقاق أسماء الله للزجاجي» (ص243). والصورة: ترد في كلام العرب على ظاهرها وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته. يقال صورة الفعل كذا وكذا: أي هيئته. وصورة الأمر كذا وكذا: أي صفته. انظر: «مقاييس اللغة لابن فارس» (3/ 319-320), و«النهاية في غريب الحديث والأثر» (3/ 58). قال الزجاجي رحمه الله:«الصورة: شخص الشيء وهيئته من طول وعرض، وكبر وصغر، وما اتصل بذلك وتعلق به مما يكمله فيرى مصورًا. فالله عز وجل مصور الصور وخالقها»«اشتقاق أسماء الله» (ص243). وأما الراغب الأصفهاني فقد جعل الصورة تشمل ضربين: حسيٍّ ومعنوي, وأن الجميع داخل تحت تصوير الله تعالى. فقال:«الصُّورَةُ: ما ينتقش به الأعيان، ويتميّز بها غيرها، وذلك ضربان: أحدهما محسوس يدركه الخاصّة والعامّة، بل يدركه الإنسان وكثير من الحيوان، كَصُورَةِ الإنسانِ والفرس، والحمار بالمعاينة، والثاني: معقول يدركه الخاصّة دون العامّة، كالصُّورَةِ التي اختصّ الإنسان بها من العقل، والرّويّة، والمعاني التي خصّ بها شيء بشيء، وإلى الصُّورَتَيْنِ أشار بقوله تعالى: ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ»«المفردات في غريب القرآن» (ص497). اسم الله (المصوّر) شرعا: تدور تفاسير العلماء لمعنى اسم الله تعالى (المصور) على معانٍ: الأول: المصور بمعنى الخالق, أي أنه الذي أنشأ الخلق وأبدعه من العدم على هيئات مختلفة وفق مشيئته. قال مقاتل بن سليمان رحمه الله: «الْمُصَوِّرُ في الأرحام، كيف يشاء ذكر وأنثى، أبيض وأسود، سوي وغير سوي»«تفسير مقاتل بن سليمان» (4/ 286). وقال الزجاج رحمه الله: «المصور: هو مفعل من الصورة وهو تعالى مصور كل صورة لا على مثال احتذاه ولا رسم ارتسمه تعالى عن ذلك علوا كبيرا»«تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج» (ص37). وقال الخطابي رحمه الله: «المصور: الذي أنشا خلقه على صور مختلفة ليتعارفوا بها». «شأن الدعاء» (ص51). وانظر «الأسماء والصفات للبيهقي» (1/ 79). وقال أبو يعلى الحنبلي رحمه الله: «وأما وصفه تعالى بأنَّه مُصوِّرٌ، فمعناه خَالِقُ، ومنه قوله تعالى {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14]، والمراد به أحسن المصورين تصويرًا أو تقديرًا»«إبطال التأويلات» (ص667). قال البيهقي رحمه الله: «المصور: هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة»«الاعتقاد» (ص59). وقال ابن عطية رحمه الله: «الْمُصَوِّرُ هو الذي يوجد الصور»«تفسير ابن عطية» (5/ 292). و قال البيضاوي رحمه الله: «المصور: مبدع صور المخترعات ومزينها،.... بصورة يترتب عليها خواصه، ويتم بها كماله»«تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» (2/ 33-34), وانظر:« أنوار التنزيل له» (5/ 203), و«الكليات للكفوي» (ص884). الثاني: هو المميز للمخلوقات على تراكيبها وكيفياتها النهائية, بعد تقديرها. قال الثعلبي رحمه الله:«وقيل: البارئ: المنشئ ابتداء، والخالق المقدر المقلب، والمصور المميز للمخلوقات انتهاءً»«الكشف والبيان» (26/ 275). وقال البيهقي رحمه الله: «المصور: ويختص بانواع التركيب»«شعب الإيمان» (1/ 236). وقال البغوي رحمه الله: «المصور: الممثل للمخلوقات بالعلامات التي يتميز بعضها عن بعض. يقال: هذه صورة الأمر أي مثاله، فأولا يكون خلقا ثم برءا ثم تصويرا» «تفسير البغوي - طيبة» (8/ 88), وانظر:«الكشف والبيان للثعلبي» (26/ 275). وقال ابن الأثير رحمه الله: «المصور: وهو الذي صور جميع الموجودات، ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة، وهيئة منفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها» «النهاية في غريب الحديث والأثر» (3/ 58). وانظر: «تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي» (12/ 366), و«لسان العرب لابن منظور» (4/ 473). وقال ابن تيمية رحمه الله: «فهو الخالق أي هو العالم بأحوال الممكنات والمحدثات والبارئ هو المحدث للأجسام والذوات بعد عدمها, والمصور أي هو الذي ركَّب تلك الذوات على صورها المخصوصة وتركيباتها المخصوصة» «بيان تلبيس الجهمية » (6/ 362). وقال القرطبي رحمه الله: «والمصور مصور الصور ومركبها على هيئات مختلفة. فالتصوير مرتب على الخلق والبراية وتابع لهما. ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل. وخلق الله الإنسان في أرحام الأمهات ثلاث خلق: جعله علقة، ثم مضغة، ثم جعله صورة وهو التشكيل الذي يكون به صورة وهيئة يعرف بها ويتميز عن غيره بسمتها». «تفسير القرطبي» (18/ 4849). وقد ذكر الماوردي رحمه الله كلا المعنيين السابقين بقوله:«المصور: فيه وجهان: أحدهما: لتصوير الخلق على مشيئته. الثاني: لتصوير كل جنس على صورته. فيكون على الوجه الأول محمولاً على ابتداء الخلق بتصوير كل خلق على ما شاء من الصور. وعلى الوجه الثاني يكون محمولاً على ما استقر من صور الخلق، فيحدث خلق كل جنس على صورته وفيه على كلا الوجهين دليل على قدرته. ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن يكون لنقله خلق الإنسان وكل حيوان من صورة إلى صورة ، فيكون نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يصير شيخاً هرماً ، كما قال النابغة: (الخالق البارىء المصور في ال … أرحام ماء حتى يصير دماً)» «النكت والعيون» (5/ 514-515). الثالث: هو خاص بجمع الروح والبدن بعد خلقهما. قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: «قوله تعالى: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} إشارة إلى أحوال ثلاث، فالخلق: إلى إيجاد البدن، والبرء: إلى إيجاد الروح، وهي النسمة التي عناها أمير المؤمنين بقوله: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة)، والتصوير إلى الجمع بينهما»«تفسير الراغب» (1/ 192). ومثله قال قوام السنة الأصفهاني إن المصور هو الذي صور النفوس في الأرحام كيف يشاء عند خلقها. انظر: «الحجة في بيان المحجة» (1/ 126), و«الكشف والبيان للثعلبي» (26/ 275). وقال ابن سيده رحمه الله: «وَأما المُصَوِّرُ فَمَعْنَاه الَّذِي صَوَّرَ جميعَ الموجوداتِ الحامِلَة للصورة وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ الَّذِي صَوَّرَ آدمَ عَلَيْهِ السَّلَام»«المخصص» (5/ 231). |
المقتضى اللازم | إن مقتضى اسم الله المصور يدل على ثبوت صفات الكمال الذاتية والفعلية لله تعالى, وذلك أن إيجاد المخلوقات وتصويرها وتشكيلها وتمييز بعضها عن بعص بما يخص كل نوع من الأنواع بما يصلح له يحتاج إلى علم يكون به تقديرها وخلقها, وإرادة ومشيئة نافذة تتعلق بالمخلوقات وقت إيجادها وحال إمدادها, وقدرة بها يكون تنفيذ تقديره, وحكمة بها يكون تمييز المخلوقات بما يناسب كل نوع, وما يصلح له. وهو سبحانه مسمى باسم المصور قبل تصوير الموجودات والمخلوقات, ولم يستفد ذلك بعد تصويرها وإيجادها. قال الكلاباذي رحمه الله حاكيا اعتقاد أئمة التصوف السابقين: «لَا يجوز أَن يحدث لله تَعَالَى صفة لم يَسْتَحِقهَا فِيمَا لم يزل وَإنَّهُ لم يسْتَحق اسْم الْخَالِق لخلقه الْخلق وَلَا لإحداث البرايا اسْتحق اسْم البارئ وَلَا بتصوير الصُّور اسْتحق اسْم المصور وَلَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ نَاقِصا فِيمَا لم يزل وَتمّ بالخلق تَعَالَى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا. وَقَالُوا إِن لله تَعَالَى لم يزل خَالِقًا بارئا مصورا غَفُورًا رحِيما شكُورًا وَكَذَلِكَ جَمِيع صِفَاته الَّتِي وصف بهَا نَفسه يُوصف بهَا كلهَا فِي الْأَزَل كَمَا يُوصف بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة والعز والكبرياء وَالْقُوَّة كَذَلِك يُوصف بالتكوين والتصوير والتخليق والإرادة وَالْكَرم والغفران وَالشُّكْر»«التعرف لمذهب أهل التصوف» (ص37). |
المقتضى المتعدي | إن اسم الله المصور يقتضي وجود أثره في المخلوقات. قال ابن القيم رحمه الله: «وظهورُ أثر هذه الأسماء ومتعلَّقاتها في الخليقة كظهور آثار سائر الأسماء الحسنى ومتعلَّقاتها؛ فكما أنَّ اسمه «الخالق» يقتضي مخلوقًا، و«البارئ» يقتضي مبروءًا، و«المصوِّر» يقتضي مصوَّرًا ولا بدَّ»«مفتاح دار السعادة» (2/ 816). وتصوير الله سبحانه وتعالى لخلقه, ونقلهم من حال لحال, ومن هيئة إلى أخرى, بما تقتضيه حكمته ظاهرة للعيان. قال الغزالي رحمه الله:«فَأَما اسْم المصور فَهُوَ لَهُ من حَيْثُ رتب صور الْأَشْيَاء أحسن تَرْتِيب, وصورها أحسن تَصْوِير وَهَذَا من أَوْصَاف الْفِعْل فَلَا يعلم حَقِيقَته إِلَّا من يعلم صُورَة الْعَالم على الْجُمْلَة ثمَّ على التَّفْصِيل فَإِن الْعَالم كُله فِي حكم شخص وَاحِد مركب من أَعْضَاء متعاونة على الْغَرَض الْمَطْلُوب مِنْهُ وَإِنَّمَا أعضاؤه وأجزاؤه السَّمَوَات وَالْكَوَاكِب والأرضون وَمَا بَينهمَا من المَاء والهواء وَغَيرهمَا وَقد رتبت أجزاؤه ترتيبا محكما لَو غير ذَلِك التَّرْتِيب لبطل النظام فخصص بِجِهَة الفوق مَا يَنْبَغِي أَن يَعْلُو وبجهة السّفل مَا يَنْبَغِي أَن يسفل وكما أَن الْبناء يضع الْحِجَارَة أَسْفَل الْحِيطَان والخشب فَوْقهَا لَا بالِاتِّفَاقِ بل بالحكمة وَالْقَصْد لإِرَادَة الإحكام وَلَو قلب ذَلِك فَوضع الْحِجَارَة فَوق الْحِيطَان والخشب أَسْفَلهَا لانهدم الْبناء وَلم تثبت صورته أصلا فَكَذَلِك يَنْبَغِي أَن يفهم السَّبَب فِي علو الْكَوَاكِب وتسفل الأَرْض وَالْمَاء وَسَائِر أَنْوَاع التَّرْتِيب فِي الْأَجْزَاء الْعِظَام من أَجزَاء الْعَالم. وَلَو ذَهَبْنَا نصف أَجزَاء الْعَالم ونحصيها ثمَّ نذْكر الْحِكْمَة فِي تركيبها لطال الْكَلَام وكل من كَانَ أوفر علما بِهَذَا التَّفْصِيل كَانَ أَكثر إحاطة بِمَعْنى اسْم المصور وَهَذَا التَّرْتِيب والتصوير مَوْجُود فِي كل جُزْء من أَجزَاء الْعَالم وَإِن صغر حَتَّى فِي النملة والذرة بل فِي كل عُضْو من أَعْضَاء النملة بل الْكَلَام يطول فِي شرح صُورَة الْعين الَّتِي هِيَ أَصْغَر عُضْو فِي الْحَيَوَان وَمن لم يعرف طَبَقَات الْعين وعددها وهيئاتها وشكلها ومقاديرها وألوانها وَوجه الْحِكْمَة فِيهَا فَلَنْ يعرف صورتهَا وَلم يعرف مصورها إِلَّا بِالِاسْمِ الْمُجْمل وَهَكَذَا القَوْل فِي كل صُورَة لكل حَيَوَان ونبات بل لكل جُزْء من كل حَيَوَان ونبات تَنْبِيه حَظّ العَبْد من هَذَا الِاسْم أَن يحصل فِي نَفسه صُورَة الْوُجُود كُله على هَيئته وترتيبه حَتَّى يُحِيط بهيئة الْعَالم وترتيبه كُله كَأَنَّهُ ينظر إِلَيْهَا ثمَّ ينزل من الْكل إِلَى التفاصيل فيشرف على صُورَة الْإِنْسَان من حَيْثُ بدنه وأعضائه الجسمانية فَيعلم أَنْوَاعهَا وعددها وتركيبها وَالْحكمَة فِي خلقهَا وترتيبها ثمَّ يشرف على صفاتها المعنوية ومعانيها الشَّرِيفَة الَّتِي بهَا إدراكاته وإرادته وَكَذَلِكَ يعرف صُورَة الْحَيَوَانَات وَصُورَة النَّبَات ظَاهرا وَبَاطنا بِقدر مَا فِي وَسعه حَتَّى يحصل نقش الْجَمِيع وَصورته فِي قلبه وكل ذَلِك يرجع إِلَى معرفَة صُورَة الجسمانيات وَهِي معرفَة مختصرة بِالْإِضَافَة إِلَى معرفَة تَرْتِيب الروحانيات وَفِيه يدْخل معرفَة الْمَلَائِكَة وَمَعْرِفَة مَرَاتِبهمْ وَمَا وكل إِلَى كل وَاحِد مِنْهُم من التَّصَرُّف فِي السَّمَوَات وَالْكَوَاكِب ثمَّ التَّصَرُّف فِي الْقُلُوب البشرية بالهداية والإرشاد ثمَّ التَّصَرُّف فِي الْحَيَوَانَات بالإلهامات الهادية لَهَا إِلَى مَظَنَّة الْحَاجَات. فَهَذَا حَظّ العَبْد من هَذَا الِاسْم وَهُوَ اكْتِسَاب الصُّورَة العلمية الْمُطَابقَة للصورة الوجودية فَإِن الْعلم صُورَة فِي النَّفس مُطَابقَة للمعلوم وَعلم الله عز وَجل بالصور سَبَب لوُجُود الصُّور فِي الْأَعْيَان وَالصُّورَة الْمَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان سَبَب لحُصُول الصُّور العلمية فِي قلب الْإِنْسَان وَبِذَلِك يَسْتَفِيد العَبْد الْعلم بِمَعْنى اسْم المصور من أَسمَاء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيصير أَيْضا باكتساب الصُّورَة فِي نَفسه كَأَنَّهُ مُصَور وَإِن كَانَ ذَلِك على سَبِيل الْمجَاز»«المقصد الأسنى» (ص75-80). ويقول ابن القيم رحمه الله:«وإذا تكوَّن الجنين وصوَّره الخالق البارئ المصوِّر، خُلِق ورأسُه إلى فوق، ورجلاه إلى أسفل. فعندما يأذن الله بخروجه ينقلب، ويصير رأسه إلى أسفل، فيتقدم رأسُه سائرَ بدنه، هذا باتفاق من الأطباء والمشرِّحين. وهذا من تمام العناية الإلهيَّة بالجنين وأُمِّه، لأن رأسه إذا خرج أولًا كان خروج سائر بدنه أسهل من غير أن يحتاج شيء منها إلى أن ينثني، فإنَّ الجنين لو خرجت رجلاه أولًا لم يُؤْمَن أن يَنْشَب في الرحم عند يديه. وإن خرجت رجله الواحدة لم يؤمَن أن يعلق وينشب في الرحم عند إدراكه. وإن خرجت اليدان لم يؤمَن أن يَنْشَب عند رأسه، إما أنه يلتوي إلى خلف، وإما أنَّ السُّرَّة تلتوي إلى عنقه، أو على كتفه، لأن الجنين إذا انحدر فصار إلى موضع فيه السُّرة ممتدة، الْتَوَتْ هناك على عنقه وكتفه، فيعرض من ذلك: إما أن يجاذب السُّرة فتألم الأم غاية الألم، ثم إن الجنين إما أن يموت، وإما أن يصعب خروجه ويخرج وهو عليلٌ متورِّم، فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن ينقلب في البطن، فيخرج رأسه أولًا ثم يتبع الرأس باقي البدن»«تحفة المودود بأحكام المولود » (ص401-402): |
الأثر المترتب على الإيمان بالاسم | من آثار الإيمان باسم الله (المصور) سبحانه تعظيمه وإجلاله, وذلك بالتأمل في هذه المخلوقات وحسن تصويرها, وإبداعها على الوجه المناسب لمصالحها, وما أعدت له, قال تعالى: (وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ) [غافر: 64]. ومن آثار الإيمان أيضا الحذر من عيب ما صوره المصور سبحانه, فالجميع خلق الله, وكل خلق الله حسن. قال ابن جزي رحمه الله: «{وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ }تعديد نعمه في حسن خلقة بني آدم لأنهم أحسن صورة من جميع أنواع الحيوان وإن وجد بعض الناس قبيح المنظر، فلا يخرجه ذلك عن حسن الصورة الإنسانية، وإنما هو قبيح بالنظر إلى من هو أحسن منه من الناس»« التسهيل لعلوم التنزيل» (2/ 380). وقال ابن كثير رحمه الله: «أي: فخلقكم في أحسن الأشكال، ومنحكم أكمل الصور في أحسن تقويم»«تفسير القرآن العظيم» (7/ 156). وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}قال الشيخ الأمين الشنقيطي رحمه الله:« قال بعض أهل العلم: من تكريمه لبني آدم خلقه لهم على أكمل الهيئات وأحسنها، فإن الإنسان يمشي قائمًا منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه، وغيره من الحيوانات يمشي على أربع، ويأكل بفمه»«أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن» (3/ 727). ومن آثار الإيمان باسم الله المصور أن يعرف العبد قدر نفسه وألا ينازع الخالق المصور في خصائصه, فإنه مما اختص الله به, تصويره لبني آدم على أكمل وأحسن الهيئات, وفي مقابل ذلك ذمّ وتوعد المتشبهين به في أفعاله. قال قوام السنة الأصبهاني رحمه الله: «وقال: (ٱلَّذِيٓ أَحۡسَنَ كُلَّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥۖ) [السجدة: 7]. خلق الإنسان وصوره في أحسن تقويم، وحرم على الخلق أن يصوروا صورا، فمن صور شيئا من الخلق كلف يوم القيامة أن ينفخ فيه ليرده إلى معنى الأرواح، فإذا عجز عن ذلك استحق به النار، فلا ينبغي لأحد أن يصور صورة لأن الله عز وجل تفرد بالخلق، ووصف نفسه بأنه الخالق البارئ المصور، فلما كان الله يخلق الخلق ويصوره ثم يخرجه ذا روح قابضا باسطا آكلا شاربا، ولا يقدر مخلوق على مثل ذلك فتكلف مالا يستطيعه عذب بذلك يوم القيامة»«الحجة في بيان المحجة» (1/ 143). وقال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله: «ومن المناهج التي تسلكها الشريعة الحكيمة لظهور الرشد على الغي: أن تجيء إلى ما شأنه أن يكون وسيلة إلى ضلالة، ولا منفعة فيه البتة، أو تكون منفعته أقل من إثم ما يتوسل به إليه من ضلال، فتمنع من إتيانه، وهذه الطريقة تقتضي النهي عن التصوير الذي هو أحد الوسائل إلى عبادة غير الواحد الخلاق، وقد قرر بعض العلماء للمنع من التصوير هذه العلة، وهي كونه ذريعة للغلو في تعظيم غير الله».«موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين» (4/ 1/ 211). وقد تنوع الوعيد في حق المصورين أنواعا, من ذلك: الأول: أن المصور ملعون مطرود من رحمة الله: فعن عون بن أبي جحيفة قال: رأيت أبي اشترى عبدا حجاما فأمر بمحاجمه فكسرت، فسألته، فقال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، وثمن الدم، ونهى عن الواشمة والموشومة، وآكل الربا وموكله، ولعن المصور»رواه البخاري. وقد بين المهلب وجه لعن المصور بقوله: «-والله أعلم- أن اللعن فى لغة العرب الإبعاد من رحمة الله بالعذاب، ومن كلفه الله ينفخ الروح فيما صور وهو لا يقدر على ذلك ابدا فقد ابعده الله من رحمته، فأين أكثر من هذا اللعن؟»«شرح صحيح البخارى لابن بطال» (9/ 183). الثاني: أنه يكلف يوم القيامة بنفخ الروح فيما صوره, وليس بنافخ. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت محمدا صلى الله عليه وسلم يقول: «من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ» رواه البخاري. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أصحاب هذه الصور يعذبون، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم. ثم قال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة» رواه مسلم. قال ابن الجوزي رحمه الله:«فَإِنَّهُ شبه أَفعَال الْخَالِق وَلم يقدر على استتمام مَا شبه بنفخ الرّوح، فَهُوَ يعذب لتشبهه فعل الْخَالِق»«كشف المشكل من حديث الصحيحين» (2/ 431-432). الثالث: أن المصور متوعد بالعذاب يوم القيامة: عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون» رواه مسلم. قال الخطابي رحمه الله: «المصور هو الذي يصوّر أشكال الحيوان، فيَحْكيها بتَخْطيطٍ لها وتشكيل. فأمَّا النقاش: الذي ينقش أشكال الشجر ويعمل التداوير والخواتيم ونحوها فإني أرجو أن لا يدخل في هذا الوعيد وإن كان جملة هذا الباب مكروهًا وداخلًا فيما يلهى ويشغل القلب بما لا يغني، وإنما عظُمت العقوبة بالصورة لأنها تعبد من دون الله وبعض النفوس نحوها يَنزع»«أعلام الحديث» (3/ 2160). عنعائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» رواه مسلم. وقد اختلف أهل العلم في العلة التي توجب هذا الوعيد, هل هي حقيقة الصورة؟ أو ما يقوم في قلب المصور؟ أو ما يؤول إليه من الشرك بالله؟. القول الأول: قال قوم: قد دخل في ذلك صورة كل شيء، مما له روح، ومما ليس له روح وهو ثول مجاهد رحمه الله، لأن الأثر جاء في ذلك مبهما. واحتجوا بحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون» رواه مسلم. القول الثاني: أن النهي خاص فيما له روح, و ما لم يكن له من ذلك روح، فلا بأس بتصويره, واحتجوا في ذلك بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، إذ أتاه رجل، فقال: يا ابن عباس، إنما معيشتي من صنعة يدي، وأنا أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس رصي الله عنهما: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صور صورة، فإن الله معذبه عليها يوم القيامة، حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ أبدا» قال: فربا الرجل ربوة شديدة، واصفر وجهه. فقال: «ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بالشجر، وكل شيء ليس فيه روح». رواه البخاري. قال ابن عبدالبر رحمه الله في قوله صلى الله عليه وسلم: (أحيوا ما خلقتم): «ففي هذا دليل على أن الحياة إنما قصد بذكرها إلى الحيوان ذوات الأرواح»«التمهيد» (13/ 406). وانظر:«شرح معاني الآثار للطحاوي» (4/ 285-286), والتمهيد لابن عبدالبر (13/406), و«إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض» (6/ 638). القول الثالث: أن العلة مضاهاة خلق الله. قال ابن بطال رحمه الله: «والمصور المضاهى بتصويره ذلك منطو على تمثيله نفسه بخالقه، فلا خلق أعظم كفرا منه فهو بذلك اشدهم عذابا وأعظم عقابا، وأما من صور صورة غير مضاه ماخلق ربه، وإن كان بفعله مخطئا، فغير داخل فى معنى من ضاهى ربه بتصويره. فإن قيل: ومالوجه الذى تجعله به مخطئا إذا لم يكن فى تصويرة لربه مضاهيا؟ قيل: لاتهامه نفسه عند من عاين تصويره أنه ممن قصد بذلك المضاهاة لربه، إذ كان الفعل الذى هو دليل على المضاهاة منه ظاهرا، والاعتقاد الذى هو خلاف اعتقاد المضاهى باطن لا يصل إلى علمه راءوه»«شرح صحيح البخارى» (9/ 175). وقال الحليمي رحمه الله:«تصوير ذوات الأرواح حرام....وذلك لأن المصور يريد أن يضاهي بتصويره خلق الله عز وجل»«المنهاج في شعب الإيمان» (1/ 457). القول الرابع: أن التصوير ذريعة إلى الشرك بالله وعبادة الصور: قال الخطابي رحمه الله:«وإنما عظُمت العقوبة بالصورة لأنها تعبد من دون الله وبعض النفوس نحوها يَنزع»«أعلام الحديث » (3/ 2160), وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض» (6/ 638). وقال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: «والذي أوجب النهي عن التصوير في شرعنا- والله أعلم-: ما كانت العرب عليه من عبادة الأوثان والأصنام، فكانوا يصورون ويعبدون، فقطع الله الذريعة، وحمى الباب».«أحكام القرآن»(4/9). وقال رحمه الله:«أمّا الوعيدُ على المصوِّرينَ، فهو كالوعيدِ في أهل المعاصي، معلَّقٌ بالمشيئةِ كما بينّاه، موقوفٌ على التّوبةِ كما شرحناه. أمّا كيفية الحكم فيها؛ فإنّها محرّمةٌ إذا كانت أجسادًا بالإجماع»«المسالك في شرح موطأ مالك» (7/ 522). |