يوجد في داخل بعض المساجد كالمدارس بيوت للطهارة فإذا فرغ الموسوسون من البول قاموا يدورون في جوانبها ويتمايلون في مشيتهم طلبا -على زعمهم- للاستبراء إلا أن ذلك الفعل الشنيع على مرأى من الناس والمارة لعمر الحق إنه منكر فظيع. وكم أفضى إلى كشف عورة وتنجيس حائط وتلويث غافل وإضاعة وقت وخلع أدب. وقد جود الكلام في ذلك الإمام شمس الدين ابن القيم عليه الرحمة في "إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان" وعبارته: -ومن كيد الشيطان- ما يفعله كثير من الموسوسون بعد البول وهو عشرة أشياء السلت والنتر والنحنحة والمشي والقفز والحبل والتفقد والوجور والحشو والعصابة والدرجة. أما السلت فيسلته من أصله إلى رأسه على أنه قد روي في حديث غريب لا يثبت ففي المسند وسنن ابن ماجة عن عيسى بن داود عن أبيه مرفوعًا "إذا بال أحدكم فليمسح ذكره ثلاث مرات"١ وقال جابر بن زيد: إذا بلت فامسح أسفل ذكرك فإنه ينقطع. رواه سعيد عنه. قالوا: ولانه بالسلت، والنتر يستخرج ما يخشى عوده بعد الاستنجاء قالوا: وإن احتاج إلى مشي خطوات لذلك ففعل فقد أحسن. والنحنحة تستخرج الفضلة، وكذلك القفز يرتفع عن الأرض شيئًا ثم يجلس بسرعة. والحبل يتخذ بعضهم حبلا يتعلق به حتى يكاد يرتفع ثم ينخرط فيه حتى يقعد. والتفقد يمسك الذكر ثم ينظر في المخرج هل بقي فيه شيء أم لا. والوجور يمسكه ثم يفتح الثقب ويصب فيه الماء، والحشو يكون معه ميل وقطن يحشوه به كما يحشو الدمل بعد فتحها، والعصابة يعصب بخرقة، والدرجة يصعد في سلم قليلًا ثم ينزل بسرعة، والمشي يمشي خطوات ثم يعيد الاستجمار. قال شيخنا -يعني ابن تيمية عليه الرحمة الرضوان: وذلك كله وسواس وبدعة فراجعته في السلت والنتر فلم يره وقال: لم يصح الحديث. قال: والبول كاللبن في الضرع إن تركته قر وإن حلبته در. قال: ومن اعتاد ذلك ابتلي منه بما عوفي منه من لها عنه. قال: ولو كان هذا سنة لكان أولى الناس به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقد قال اليهود لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال: أجل فقد علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ذلك أو شيئًا منه١ بل على المستحاضة أن تتلجم وعلى قياسها من به سلس البول أن يتحفظ ويشيد عليه خرقه.
١ يمكن أن يراد فليمسح ذكره على الحجر ثلاث مرات كما جاء في الحديث الآخر: "وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار" قال الشافعي: المراد ثلاث مسحات. فالروايتان بمعنى واحد ولا حاجة لصرف رواية المسح إلى إرادة السلت لأنه غير متبادر. وقول جابر المذكور إرشاد للتنظيف، لا تفسير للحديث. كذا ظهر لي وفيه قوة بحمده تعالى. ا. هـ منه. يقول محمد ناصر الدين: لقد تصحف الحديث عن الشيخ أو على ناسخ كتاب "الإغاثة" فليراجع، فساغ أنه يتأوله بما ذكر، وإنما نصه: "فلينثر" هكذا رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما. على أن الحديث ضعيف كما ذكر ابن القيم نفسه فلا داعي للتأويل المذكور لو أمكن. وقد بينت ضعفه في "الضعيفة" "١٦٢١". "ناصر الدين"