يوجد في بعض المساجد ستائر موضوعة على زوايا المسجد أو على جانب حائط أو على عمود، فإذا سأل سائل عنها فقد يقال له إن هذا الستار لمقام فلان يعنون أنه كان يحضر حيًّا هنا فينبغي تقديس محله، أو إنه رؤي في النوم جالسًا هنا فيجب صيانته عن ابتذاله بالوطء بالإقدام، أو أنه حكي أنه دفن فيه، أو للإعلام بانتماء هذا المكان لفلان إلى غير ذلك من الأوهام السيئة. ومعلوم أن نتيجة ذلك تغرير العامة والبسطاء بأن ثمة مكانًا شريفًا أو وليًّا منيفًا فيقصدونه بالنذور والتعظيم والحلف دون المولى العظيم وينتهي الأمر بعبادته دون الله تعالى نعوذ بالله من الضلال.
وقد تذكرت بهذا البحث ستارًا موضوعًا في جامع حسان ظاهر باب الجباية قريبًا من زقاق المكتبي -الذي فيه دار أسلافنا- هذا الستار مكتوب عليه. "هذه راية سيدنا حسان رضي الله عنه" ونحو هذا وضعه شخص على زاوية الجامع القبلية الغربية علمًا طويلًا منقوشًا مزركشًا. والسبب في وضعه أن شخصًا حكى أنه رأى حسان رضي الله عنه في تلك الزاوية فخطر لهذا العامي أن يسعى في عمل ستار لهذا الموضع احترامًا لهذه الرؤيا التي رؤيت عن شخص مجهول إما مغفل أو عامي أو مختلق لها فسترت تلك الزاوية وصار الداخل إليه يظن أن ثمة قبرًا أو مزارًا، والكثير من الجهلة يلمسها ويتمسح بها والحقيقة ما رأيت١. والأغرب زعم أن هذا المسجد ينسب لحسان بن ثابت رضي الله عنه الصحابي الشهير ومنه تخيل هذا الرائي ما تخيل حتى انتقش في ذهنه ما رآه في نومه -إن صحت الرؤيا- والحال أن هذا الجامع نسب إلى إمام له يسمى حسانًا ترجمه صاحب شذرات الذهب وذكر أن هذا الجامع ينسب إليه وذكرت ذلك في تاريخي لدمشق الشام فليتنبه لمثل هذه النصب "الرايات"، وليحذر مما تجلبه من التخيلات، أو الاعتقادات الفاسدات، وليجنب المسجد من مثلها من الزيادات المضرات.
١ قد أزيل في هذا العهد ولله الحمد. ا. هـ. ضياء الدين القاسمي.