سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن يبسط سجادة في الجامع ويصلي عليها هل ما فعلة بدعة أم لا. فأجاب بأن الصلاة على السجادة بحيث يتحرى المصلى ذلك فلم تكن هذه سنة السلف من المهاجرين والأنصار ومن بعدهم من التابعين لهم بإحسان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يصلون في مسجده على الأرض وفي شدة الحر يبسط أحدهم ثوبه فيسجد عليه. وكان عليه الصلاة والسلام يصلي على الحمرة١ وهي نسج ينسج من خوص ولا نزاع بين أهل العلم في جواز الصلاة والسجود على المفارش إذا كانت من جنس الأرض كالخمرة والحصير، وإنما تنازعوا في كراهة ذلك على ما ليس من جنس الأرض كالأنطاع المبسوطة من جلود الأنعام وكالبسط والزرابي المصنوعة من الصوف. وأكثر أهل العلم يرخصون في ذلك أيضًا، وهو مذهب أهل الحديث كالشافعي وأحمد، ومذهب أهل الكوفة كأبي حنيفة وغيرهم.
وهؤلاء الذين يفترشون السجادة على مصليات المسلمين من الحصر والبسط يزدادون بدعة على بدعتهم وقد يكون أحدهم له غلو الوسوسة فيرتاب في طهارة مفروشات المسجد لوطء الأقدام أو زرق الطيور مع أنه علم بالتواتر أن المسجد الحرام ما زال يطأ عليه المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد خلفائه وهناك من الحمام ما ليس بغيره ويمر بالمطاف من الخلق ما لا يمر بمسجد من المساجد ثم إنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه وأصحابه متفقين على ترك المستحب الأفضل ويكون هؤلاء أطوع لله وأحسن عملًا من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإن هذا خلاف ما ثبت في الكتاب والسنة والإجماع، وقد يجعلون ذلك من شعائر أهل الدين فيعدون ترك ذلك من قلة الدين ومن قلة الاعتناء بأمر الصلاة فيجعلون ما ابتدعوه من الهدي الذي ما أنزل الله به من سلطان أكمل من هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وربما تظاهر أحدهم بوضع السجادة على منكبه وإظهار المسابح في يده وجعله من شعار الدين والصلاة، وقد علم بالنقل المتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكن هذا شعارهم، وكانوا يسبحون ويعقدون على أصابعهم وربما عقد أحدهم التسبيح بحصى أو نوى١ والتسبيح بالمسابح من الناس من كرهه ومنهم من رخص فيه لكن لم يقل أحد أن التسبيح به أفضل من التسبيح بالأصابع وغيرها وإذا كان هذا مستحبًّا فقصد إظهار ذلك والتميز به عن الناس مذموم فإنه إن لم يكن رياء فهو تشبه بأهل الرياء إذ كثير ممن يصنع هذا يظهر منه رياء ولو كان الرياء بأمر مشروع لكانت أحدى المصيبتين لكنه رياء ليس مشروعًا وقد قال تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: "أخلصه وأصوبه""والفتوى طويلة مهمة فلتراجع".