زجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك

زجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك

اللفظ / العبارة' زجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي مكروه
القسم المناهي العملية
Content

" أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك "

أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة (٣٥ ص ٥٦) والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في " الانصاف " (٢/ ٥٤٧) قال: " لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يكره ".

قلت: والأول أقرب لظاهر قوله " زجر " فانه أبلغ في النهي من لفظ " نهى " الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الاصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة. (١)(١) لكن يشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث " حتى يصلى عليه ".

فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لانها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " فإن إسم الاشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز.
وهذا بعيد جدا، لان من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لاسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلو عليه، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد " الليل " عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلا، فكذلك لا يجوز نهارا، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد ب " الليل " حينئذ. لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا، وبيان ذلك: أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا، لان الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في " المسألة (٦٣)، (ص ٩٦) قال النووي: في " شرح مسلم ":
"وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه، فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وقيل لانهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن، فلا يتبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره، قال القاضي: العلتان صحيحتان، قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا، قال: وقد قيل غير هذا ".
قلت: فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين، وعليه فهل يجوز
التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة، استحسن ذلك الصنعاني في " سبل السلام " (٢/ ١٦٦)، ولست إرى ذلك لان العلة المذكورة مقيدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين، فإن =  فإن اضطروا لدفنه ليلا، جاز ولو مع استعمل المصباح والنزول به في القبر، لتسهيل عملية الدفن، والدليل حديث ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلا قبره ليلا، وأسرج في قبره ".

أخرجه ابن ماجه (١/ ٤٦٤) والترمذي (٢/ ١٥٧) بأتم منه وقال: " حديث حسن ".


= القلة في الليل أمر طبيعي، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمة، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين.
فلو قيل بجواز ذلك لادي إلى مناهضة الشارع في أمره بالاسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة (١٧) (ص ١٣) بعلة الكثرة التي لا ضابط لها.
بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الاشكال الذي أو ردته في قوله " حتى يصلى عليه " إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة، كي تبين أن إسم الاشارة في قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل.
ثم قال النووي في " شرح مسلم ": " وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره واستدولو بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء: والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: توفي ليلا فدفناه في الليل، فقال: ألا اذنتموني، قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم، وأجابوا عند هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق ".
قلت: والجواب الأول وهو أن النهي كان لترك الصلاة، لا يصح، لانه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للامرين اللذين سبقا في كلام القاضي، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة.
واستدل على ذلك بهذا الحديث، ثم أجاب عن الاحاديث الواردة في الدفن ليلا، وما في معناها من الاثار بقوله (٥/ ١١٤ - ١١٥): وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه وسلم ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم، فإنما ذلك لضرورة أو جبت ذلك من خوف الحر على من حضر - وهو بالمدينة شديد - أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا، ولا يحل لاحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك ".
ثم روى كراهة الدفن ليلا عن سعيد بن المسيب، وأقول: ومن الجائز أن بعض من دفن ليلا كانوا صلوا عليه نهارا، وحينئذ فلا تعارض على ما سبق بيانه، وذلك هو الواقع في حقه صلى الله عليه وسلم، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الاربعاء كما ذكر ابن هشام في سيرته (٤/ ٣١٤) عن ابن اسحاق.
والله أعلم.

أحكام الجنائز ،ص:139إلى141.


Loading...