وعليه، فمشابهة أهل الكتاب والأعاجم ونحوهم، لا بد أن تورث عند المسلم نوعَ مودة لهم، أو هي على الأقل مظنة المودة، فتكون محرمة من هذا الوجه سدًّا للذريعة، وحسمًا لعادة حب الكافرين والولاء لهم، فضلًا عن كونها محرمة من وجوه أخرى بالنصوص الواردة وغيرها.
وليس هذا من خصائص عصر المؤلف، كما يتوهمه بعض الناس، بل هو سنة الله في خلقه في كل زمان، وكل مكان. وعلى أي حال، فإننا في عصرنا الحاضر، رغم اختلاط الأمم، وتقارب المسافات وطغيان الحضارة والمدنية الغربية على الناس، وما يحدثه ذلك من تقليل التميز بين الأمم والشعوب، إلا أننا ندرك بوضوح، أن تلك الفئات- من المسلمين- التي تتشبه بالإفرنج في لباسهم، أو سلوكهم وعاداتهم، والتي تعتاد التكلم بلغتهم وتتخاطب بها باستمرار، أنها تميل إلى حبهم، وتقديرهم، والإعجاب بهم، وتستأنس بهم، وتزدري المسلمين المتمسكين بما هم عليه من لباس وسلوك وعادات.
وذلك أن الله تعالى "جبل بني آدم- بل سائر المخلوقات- على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر، كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم، حتى يؤول الأمر إلى أن لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعين فقط" (٢) .
وكذلك العكس أيضًا، فإن المسلمين المتمسكين بهدي الإسلام، والبعيدين عن مشابهة الأمم الأخرى، هم أكثر نفرة وأقل مودة لغير المسلمين.
وأمر آخر خطير أيضًا على المسلمين، وهو أنه لا يقتصر التشابه بين المسلم والكافر على المودة الظاهرة بينهما، بل قد يصل إلى الأمور الاعتقادية والفكرية الباطنة، فإن المسلم الذي يقلد الكفار في الهدي الظاهر، يقوده ذلك على وجه المساوقة والتدرج الخفي إلى التأثر باعتقاداتهم الباطلة.
وهذا الأمر كذلك ندركه الآن بين المتفرنجين، الذين يعشقون الحياة الغربية، فأكثرهم يحمل أفكارًا واعتقادات غريبة عن الإسلام، بل قد تكون هدامة تنافي العقيدة الإسلامية الصحيحة.
فاعتقادهم أن القوانين الغربية متفوقة على الشريعة الإسلامية، ثم تطبيقهم لهذا، واعتقادهم أن الإسلام دين عبادة فحسب، ولا صلة له بحياة الناس وعلاقاتهم، وازدراؤهم للمتمسكين بالإسلام، وغير ذلك مما يدركه المسلمون اليوم وما يعانونه من هذه الفئة التي تسيطر على أغلب بلاد المسلمين، كل ذلك إنما هو نتيجة لما سبق أن قرَّره المؤلف مما يحدثه التشابه بين المسلمين والكفار، من آثار في الظاهر والباطن.