قَدْ حَرُمَ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ تَعَالَى فَوَقَعَتْ الضِّيَافَةُ لِأَهْلِ الْأَقَالِيمِ كُلِّهَا كَرَامَةً لَهُمْ فَكَيْفَ بِالزَّمَنِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مَنْ شُرِعَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُخَاطِبُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْلَا أَنْتَ مَا صُمْنَا وَلَا صَلَّيْنَا وَلَا حَجَجْنَا بَيْتَ رَبِّنَا انْتَهَى فَكَانَ عَدَمُ تَكْلِيفِ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ غَالِبًا وَعَدَمُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ أُمَّتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّهْرِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ فِي ضِيَافَةِ وُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَلَمَّا أَنْ كَانَ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ عَلَى أَهْلِ الْآفَاقِ كَرَامَةً لِلْحُجَّاجِ الَّذِينَ هُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الْخَلِيلِ وَوَلَدِهِ الْكَرِيمِ إسْمَاعِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَسَلَامُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثٌ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ وَلَمَّا أَنْ كَانَ شَهْرُ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلْوُجُودِ. كَانَتْ الضِّيَافَةُ الشَّهْرَ كُلَّهُ لَكِنْ تَرَكَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُمَّتَهُ رَحْمَةً بِهِمْ فِي عَدَمِ التَّكْلِيفِ لَهُمْ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ وَالْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ رَحْمَةٌ لِلْعَالَمِينَ خُصُوصًا لِلْمُؤْمِنِينَ كَمَا سَبَقَ وَشَأْنُ الرَّحْمَةِ التَّوَسُّعَةُ أَلَا تَرَى إلَى عَدَمِ وُجُوبِ جَزَاءِ الصَّيْدِ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَلْيَفْهَمْ مَنْ يَفْهَمُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
المدخل لابن الحاج ،ج:2،ص:46.