فِيمَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ النِّسْوَةِ مِنْ أَسْبَابِ السِّمَنِ

فِيمَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ النِّسْوَةِ مِنْ أَسْبَابِ السِّمَنِ

اللفظ / العبارة' فِيمَا يَتَعَاطَاهُ بَعْضُ النِّسْوَةِ مِنْ أَسْبَابِ السِّمَنِ
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

ِ وَمِنْهُنَّ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلًا مُسْتَهْجَنًا قَبِيحًا جَمَعَ بَيْنَ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مِنْ الرَّذَائِلِ:

أَحَدُهُمَا: مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ.

الثَّانِي: إضَاعَةُ الْمَالِ.

الثَّالِثُ: الصَّلَاةُ بِالنَّجَاسَةِ.

الرَّابِعُ: كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُنَّ اتَّخَذَ عَادَةً مَذْمُومَةً وَهِيَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَتَتْ إلَى فِرَاشِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ تَعَشَّتْ وَمَلَأَتْ جَوْفَهَا فَتَأْخُذُ عِنْدَ دُخُولِهَا الْفِرَاشَ لُبَابَ الْخُبْزِ فَتُفَتِّتُهُ مَعَ جُمْلَةِ حَوَائِجَ أُخَرَ فَتَبْتَلِعُ ذَلِكَ بِالْمَاءِ إذْ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهِ لِكَثْرَةِ شِبَعِهَا الْمُتَقَدِّمِ وَرُبَّمَا تُعِيدُ ذَلِكَ بَعْدَ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ يَمْضِي عَلَيْهَا وَقَدْ وَقَعَ النَّهْيُ عَنْ الزِّيَادَةِ فِي الْأَكْلِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْءُ وَهِيَ قَدْ زَادَتْ فِي عَشَائِهَا حَتَّى لَمْ تَتْرُكْ مَوْضِعًا لِسُلُوكِ الْمَاءِ فِي الْغَالِبِ مِمَّنْ يُرِيدُ السِّمَنَ مِنْهُنَّ، وَهَذَا زِيَادَةٌ عَلَى زِيَادَةٍ. وَذَلِكَ مِمَّا يُحْدِثُ الْأَمْرَاضَ وَالْعِلَلَ وَالْأَسْقَامَ ضِدَّ مُرَادِهَا.

وَقَدْ نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ وَلَدَهُ أَكَلَ وَزَادَ عَلَى أَكْلِهِ الْمُعْتَادِ فَمَرِضَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَقَالَ وَالِدُهُ لَوْ مَاتَ مَا صَلَّيْت عَلَيْهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ قَدْ تَسَبَّبَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ وَمَنْ لَهُ فَضْلٌ وَدِينٌ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ فَهَذَانِ وَجْهَانِ أَعْنِي فِيمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مُخَالَفَةَ الشَّرْعِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، أَمَّا مُخَالَفَةُ الشَّرْعِ فَلِمَا خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي الَّذِي بُعِثْت فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا ثُمَّ يَظْهَرُ فِيهِمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ وَيَظْهَرُ فِيهِمْ السِّمَنُ» انْتَهَى.

وَأَمَّا إضَاعَةُ الْمَالِ فَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ بَابِ إضَاعَةِ الْمَالِ إذْ أَنَّهُ يُفْعَلُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَقَدْ أَدَّى الْأَمْرُ بِسَبَبِ تَعَاطِي السِّمَنِ إلَى أَمْرٍ شَنِيعٍ فَظِيعٍ وَذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُنَّ يَأْكُلْنَ مَرَارَةَ الْآدَمِيِّ لِأَجْلِ أَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَهَا مِنْهُنَّ يُكْثِرُ أَكْلَهَا وَقَلَّ أَنْ تَشْبَعَ فَتَسْمَنُ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَلَى زَعْمِهِنَّ.

وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي تَحْرِيمِهِ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَلَائِهِ بِمَنِّهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ بَعْضَهُنَّ يَعْبِلْنَ بِكَثْرَةِ السَّمْنِ وَالشَّحْمِ حَتَّى أَنَّ يَدَهَا لَتَقْصُرُ عَنْ الْوُصُولِ لِغَسْلِ مَا عَلَى الْمَحَلِّ مِنْ النَّجَاسَةِ لِأَجْلِ مَا تَسَبَّبَتْ فِيهِ مِنْ عَبَالَةِ الْبَدَنِ وَهُنَّ فِي ذَلِكَ عَلَى قِسْمَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ فَقِيرَةً لَا تَقْدِرُ عَلَى شِرَاءِ مَنْ يُزِيلُ ذَلِكَ عَنْهَا فَتُصَلِّي بِالنَّجَاسَةِ إذْ أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى زَوَالِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَنْ يُبَاشِرُ ذَلِكَ مِنْهَا وَيُزِيلُهُ عَنْهَا فَتَقَعُ فِي كَشْفِ الْعَوْرَةِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ. وَقَدْ لَا تَكْفِيهَا الْجَارِيَةُ الْوَاحِدَةُ فَتَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةٍ فَتَزِيدُ الْمُحَرَّمَاتُ بِكَثْرَةِ مَنْ يَكْشِفُ عَوْرَتَهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَهِيَ لَوْ صَلَّتْ وَالنَّجَاسَةُ مَعَهَا لَكَانَ أَخَفَّ مِنْ كَشْفِ عَوْرَتِهَا؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ مُؤَكَّدٌ أَمْرُهُ ثُمَّ إنَّهُنَّ يَرْتَكِبْنَ مَعَ ذَلِكَ أَمْرًا قَبِيحًا مُحَرَّمًا أَقْبَحَ وَأَشْنَعَ مِمَّا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ.أَنَّهُنَّ اعْتَدْنَ عَلَى مَا يَزْعُمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَنَظَّفُ مِنْ النَّجَاسَةِ حَتَّى تُدْخِلَ يَدَهَا فِي فَرْجِهَا فَتُنَظِّفُ مَا تَصِلُ إلَيْهِ بِالْمَاءِ مَعَ يَدِهَا وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا ثُمَّ أَنَّهَا إنْ عَجَزَتْ عَنْ ذَلِكَ لِقِصَرِ يَدِهَا كَمَا سَبَقَ وَتَوَلَّى غَيْرُهَا مِنْهَا ذَلِكَ احْتَاجَ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي دَاخِلِ فَرْجِهَا لِيَغْسِلَ لَهَا مَا هُنَاكَ مِنْ الْأَذَى، وَهَذَا قُبْحٌ عَلَى قُبْحٍ وَذَمٌّ عَلَى مَذْمُومَاتٍ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ وَهُوَ اشْتِغَالُ النِّسَاءِ بِالنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَتْ صَائِمَةً أَفْطَرَتْ بِذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهَا بِهَا.

الْخَامِسُ: وَهُوَ أَشَدُّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَذَلِكَ أَنَّهَا تَسَبَّبَتْ فِي إسْقَاطِ فَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِيَامُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُنَّ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ فِي الْغَالِبِ فَتُصَلِّي جَالِسَةً وَهِيَ الَّتِي أَدْخَلَتْ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهَا. اُنْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى شَنَاعَةِ مَا أَحْدَثْنَهُ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ الْقَبِيحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَنْ زَادَ فِي أَكْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَرِضَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ وَالِدُهُ لَوْ مَاتَ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ هَذَا حَالُهُ وَلَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً كَمَا تَقَدَّمَ فَكَيْفَ الْحَالُ فِيمَنْ اتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً حَتَّى وَصَلَ بِهِ السِّمَنُ إلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ سِيَّمَا وَهِيَ إذَا وَقَعَ لَهَا مَرَضٌ أَوْ مَوْتٌ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا هِيَ الْمُتَسَبِّبَةُ فِي جَلْبِ ذَلِكَ لِنَفْسِهَا بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَبْلُغُ بِهَا السِّمَنُ إلَى أَنْ يَصِلَ الشَّحْمُ إلَى قَلْبِهَا فَيُطْغِيَهَا فَتَمُوتَ بِهِ وَقَدْ يَصْعَدُ إلَى دِمَاغِهَا فَيُشَوِّشُ عَلَى الدِّمَاغِ فَيَذْهَبَ عَقْلُهَا وَقَدْ يَصْعَدُ إلَى عَيْنِهَا فَيُعْمِيهَا فَتَكُونُ هِيَ الْمُتَسَبِّبَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ كَثِيرًا.

وَقَدْ وَرَدَ «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَأَقْبَحُ مِنْ هَذَا تَعَاطِي مَا ذُكِرَ مِنْ بَعْضِ الرِّجَالِ إذْ هُوَ عَرَى مِنْ الْمَقَاصِدِ جُمْلَةً إذْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَزِيدَ حُسْنُهَا فِي زَعْمِهَا وَيَغْتَبِطُ الرَّجُلُ بِهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ السِّمَنَ فِيهِ يَقْبُحُ وَتَعَاطِي ذَلِكَ بِأَسْبَابِهِ مِنْ الرِّجَالِ أَقْبَحُ وَأَقْبَحُ. وَقَدْ خَرَّجَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ اقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥] » انْتَهَى.

اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ السِّمَنُ فِيهِ خِلْقَةً لَمْ يَتَسَبَّبْ فِيهِ فَلَا حَرَجَ إذًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنْ صُنْعِهِ فِي شَيْءٍ.

فَانْظُرْ رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ إلَى مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ مَا أَكْثَرَ بَرَكَتَهَا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْءَ إذَا تَرَكَ شَيْئًا مِنْ الْغِذَاءِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي لَا يَقُومُ الْبَدَنُ بِدُونِهِ إلَّا وَيَتَضَرَّرُ وَيَضْعُفُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَادَ عَلَى الْغِذَاءِ الشَّرْعِيِّ زِيَادَةً بَيِّنَةً فَإِنَّ الْقُوَّةَ تَضْعُفُ بِحَسَبِ مَا زَادَ، وَهَذَا مُشَاهَدٌ مُجَرَّبٌ فَالْخَيْرُ لِلْقَالَبِ وَالْقَلْبِ وَلِلدِّينِ وَلِلْمُرُوءَةِ وَلِلْعَقْلِ وَلِلرُّوحِ وَلِلسِّرِّ إنَّمَا يَحْسُنُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِاتِّبَاعِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمُوَافَقَةِ سُنَّتِهِ وَضِدُّ ذَلِكَ كُلِّهِ أَعْنِي مِنْ الزِّيَادَةِ فِي الشِّبَعِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ يُحْدِثُ ضِدَّ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُسْنِ وَهُوَ الْقُبْحِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَكْثَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَا مَضَى.

ثُمَّ الْعَجَبُ مِنْهُنَّ فِي ارْتِكَابِهِنَّ لِلزِّيَادَةِ فِي الْأَكْلِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُنَّ أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي الْحُسْنِ وَتَغْتَبِطُ الرِّجَالُ بِهِنَّ ثُمَّ يَفْعَلْنَ مَا يَحْدُثُ لَهُنَّ ضِدَّ ذَلِكَ وَهُوَ أَكْلُهُنَّ لِلطَّفْلِ وَالطِّينِ وَذَلِكَ يُحْدِثُ عِلَلًا فِي الْبَدَنِ مِنْهَا صُفْرَةُ الْوَجْهِ وَتَفَتُّحُ الْفُؤَادِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعِلَلِ الَّتِي يَطُولُ تَتَبُّعُهَا وَهُوَ مِمَّا يُذْهِبُ لَوْنَ الْبَدَنِ وَعَافِيَتَهُ وَيُضْطَرُّ مَعَهَا إلَى أَخْذِ الْأَدْوِيَةِ مَعَ أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِي أَكْلِهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.

فَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ إنَّهُ مُحَرَّمٌ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ وَالْمَشْهُورُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّهُ مُبَاحٌ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ يَحْدُثُ مَا ذُكِرَ.

وَمَنْ لَهُ عَقْلٌ لَا يَتَسَبَّبُ فِيمَا يَضُرُّ بَدَنَهُ أَوْ عَقْلَهُ نَقَلَ مَعْنَاهُ ابْنُ رُشْدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجَامِعِ مِنْ الْبَيَانِ وَالتَّحْصِيلِ أَعْنِي فِي تَحْلِيلِ ذَلِكَ وَكَرَاهَتِهِ. وَنَقَلَ ابْنُ بَشِيرٍ وَغَيْرُهُ التَّحْرِيمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ إفْطَارِهِمْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ جِهَارًا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مِثْلَ بَعْضِ التَّرَّاسِينَ وَغَيْرِهِمْ وَلَا أَحَدَ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: ٧٩] وَالنَّهْيُ عَنْ هَذَا آكَدُ وَأَوْجَبُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ إذْ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْغَالِبِ لَا يَتَحَقَّقُ تَرْكُهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ مِنْ فَاعِلِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْإِفْطَارِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ بَيِّنٌ لَيْسَ فِيهِ تَأْوِيلٌ إذْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا مَرَضٌ أَوْ سَفَرٌ وَهَؤُلَاءِ يُفْطِرُونَ وَلَيْسُوا بِمَرْضَى وَلَا مُسَافِرِينَ

وَمِنْ ذَلِكَ مَا اعْتَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِهِ أَلَمٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَهُ أَوْ يَتَوَضَّأَ تَرَكُوا الصَّلَاةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَلَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَا كَانَ فِي عُضْوَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَكَانَ الْوَاجِبُ الْغُسْلَ أَوْ الْوُضُوءَ مَسَحَ مَا تَعَذَّرَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا يُعْرَفُ فِي مَذْهَبِهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُجْمَعُ بَيْنَ غَسْلِ مَا صَحَّ وَالتَّيَمُّمِ عَلَى مَا تَعَذَّرَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْقَ إلَّا عُضْوٌ وَاحِدٌ أَوْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَلْبَتَّةَ فَيَتَيَمَّمُ وَهُمْ يَتْرُكُونَ التَّيَمُّمَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِقِلَّةِ إشَاعَةِ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ وَمَا ذَاكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّمَ فِي الْغَالِبِ مَحْجُوبٌ عَنْ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَوَّابِينَ وَالنُّقَبَاءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ الْبِدَعِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ تَنْظِيفَ الْبَيْتِ وَكَنْسَهُ عَقِيبَ سَفَرِ مَنْ سَافَرَ مِنْ أَهْلِهِ وَيَتَشَاءَمُونَ بِفِعْلِ ذَلِكَ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَيَقُولُونَ إنَّ ذَلِكَ إنْ فُعِلَ لَا يَرْجِعْ الْمُسَافِرُ. وَكَذَلِكَ مَا يَفْعَلُونَهُ حِينَ خُرُوجِهِمْ مَعَهُ إلَى تَوْدِيعِهِ فَيُؤَذِّنُونَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ يَرُدُّهُ إلَيْهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ وَمِنْ الْعَوَائِدِ الَّتِي أَحْدَثَتْ بَعْدَهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَذْكُرُ النَّاسُ أَنَّهَا إنْ فُعِلَتْ أَوْ لَمْ تُفْعَلْ يَجْرِي فِيهَا مِنْ الْأُمُورِ مَا يُكْرَهُ وُقُوعُهُ. فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ لِأَجْلِ شُؤْمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَالتَّدَيُّنِ بِالْبِدْعَةِ فَعُومِلُوا بِالضَّرَرِ الَّذِي هُمْ يَتَوَقَّعُونَهُ وَقَدْ شَاءَ الْحَكِيمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْمَكْرُوهَاتِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِالِامْتِثَالِ .

المدخل لابن الحاج ،ج:2،ص:63إلى 67.







Loading...