الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً

الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً

اللفظ / العبارة' الترهيب من البناء فوق الحاجة تفاخراً وتكاثراً
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي مكروه
القسم المناهي العملية
Content

صحيح] عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:

بينما نحن عندَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذاتَ يومٍ إذْ طلعَ علينا رجلٌ شديدُ بيَاضِ الثيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعْرِ، لا يُرى عليه أثَرُ السَفرِ، ولا يَعرِفُه منَّا أحدٌ، حتَّى جَلَس إلى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضَع كَفَّيهِ على فخِذَيْهِ، وقال: يا محمَّد! أخْبِرْني عنِ الإسْلامِ؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"الإسلامُ أنْ تَشْهدَ أن لا إله إلا الله، وأن محمَّداً رسولُ الله، وتقيمَ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إليه سبيلاً".

قال: صدقْتَ، فَعجِبْنَا له يسْأَلُهُ ويُصَدِّقُهُ.

قال: فأَخْبِرْني عنِ الإيمانِ؟ قال:

"أنْ تُؤمِنَ بالله وملائِكتِهِ وكتُبِهِ ورسُلهِ واليوم الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقَدرِ خيرِه وشرِّه".

قال: صدَقْتَ قال: فأخْبِرْني عنِ الإحْسانِ؟ قال:

"أنْ تعبُدَ الله كأنَّك تراهُ، فإنْ لَمْ تكن ترَاه، فإنَّهُ يراكَ".

قال: فأخْبِرْني عنِ الساعةِ؟ قال:

"ما المسْؤولُ عنها بأعْلَمَ مِنَ السائِلِ".

قال: فأخْبرْني عن أَماراتِها؟ قال:"أنْ تَلِدَ الأَمَةُ (١) ربَّتَها، وأنْ ترى الحُفاةَ العُراةَ العالَة رِعاءَ الشاءِ يتطاوَلونَ في البنيانِ".

قال: ثمَّ انْطَلق، فلَبِثْتُ مَلِيّاً. ثم قال:

"يا عمر! أتَدْري مَنِ السائل؟ ".

قلتُ: الله ورسولُهُ أعْلَمُ. قال:

"فإنَّه جبريلُ أتاكُم يعلِّمُكُم دينَكُم".

رواه البخاري (٢) ومسلم وغيرهما.

١٨٧٣ - (٢) [صحيح] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"سلوني".

فهابوا أنْ يَسْأَلوه، فجاءَ رجلٌ فجلسَ عند ركبَتيْهِ؛ فقال: يا رسول الله! ما الإسْلام؟ قال:

"لا تُشْرِكُ باللهِ شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ".

قال: صدَقْتَ. قال: يا رسولَ الله! ما الإيمانُ؟ قال:

"أنْ تؤمِنَ بالله وملائكتِهِ وكتابه [ولقائه] ورسُلِهِ، وتؤمنَ بالبَعْثِ الآخِرِ، وتؤمنَ بالقدَر كلِّهِ".

قال: صدَقْتَ. قال: يا رسولَ الله! ما الإحسانُ؟ قال:

"أنْ تخشى الله، كأنَّك تراه، فإنَّك إنْ لا تكنْ تراه، فإنَّه يراك".

قال: صدقتَ.

قال: يا رسولَ الله! متى تقومُ الساعَةُ؟ قال:

"ما المسؤولُ عنها بأعْلَمَ مِنَ السائلِ، وسأحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطِها؛ إذا رأيْتَ المرْأَةَ تَلِدُ رَبَّها فذاكَ مِنْ أشراطِها، وإذا رأيتَ الحُفاةَ العُراةَ الصُّمَّ البُكْمَ ملوكَ الأرضِ، فذاكَ مِنْ أشْراطِها، وإذا رأيتَ رُعاءَ البَهْمِ (١) يتطاوَلُونَ في البُنيانِ فذاك مِنْ أشراطها" الحديث.

رواه البخاري ومسلم، واللفظ له (٢).

وهذا الحديث له دلالات كثيرة، ولم نذكره إلا في هذا المكان حسبما اتفق في الإملاء.

١٨٧٤ - (٣) [حسن صحيح] وعن أنس رضي الله عنه:

أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خرج يوماً ونحن معه، فرأى قبةً مشرفةً، فقال:

"ما هذه؟ ".

قال أصحابُه: هذه لفلان -رجلٌ من الأنصار-، فسكتَ وحملها في نفسِهِ، حتى إذا جاءَ صاحبُها رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وسلَّمَ عليه في الناسِ، فأعرضَ عنه، صنعَ ذلك مراراً، حتى عرفَ الرجلُ الغضبَ فيه، والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إنِّي لأنكرُ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قالوا: خرج فرأى قبتَكَ، فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرضِ، فخرج رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذات يوم، فلم يرَها، قال:

"ما فعلتِ القبةُ؟ ".

قالوا: شكا إلينا صاحبُها إعراضَكَ عنه فأخبرناه، فهدمها، فقال:

"أمَا إنَّ كلَّ بناءٍ وبالٌ على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا".

رواه أبو داود -واللفظ له-، وابن ماجه أخصر منه، ولفظه: قال:

مرَّ رسولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقُبةٍ على باب رجل من الأنصار فقال:

"ما هذه؟ ".

قالوا: قبةٌ بناها فلان، فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"كلُّ ما كال هكذا فهو وبالٌ على صاحبه يوم القيامةِ".

فبلغ الانصاريَّ ذلك، فوضعها، فمرَّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: بعدُ فلم يرَها، فسأل عنها، فأُخبرَ أنَّه وضعها لما بَلَغَه، فقال:

"يرحمُه الله، يرحمُه الله".

[صحيح لغيره] ورواه الطبراني بإسناد جيد (١) مختصراً أيضاً:

أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ ببنيةِ قبةٍ لرجل من الأنصار، فقال:

"ما هذه؟ ".

قالوا: قبة. فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"كلُّ بناءٍ -وأشار بيده على رأسه- أكثرُ من هذا؛ فهو وبالٌ على صاحِبِه يوم القيامةِ".

قوله: "إلا ما لا" أي: إلا ما لا بدَّ للإنسان منه مما يستره من الحر والبرد والسباع، ونحو ذلك.


(١) انظر الكلام على الحديث وطرقه في "الصحيحة" (ج ٦/ ٧٩٤ - ٧٩٩).


(١) جمع (بهمة) وهي ولد الضأن؛ الذكر والأنثى، وجمع (البهم): بهام كما في "النهاية".
(٢) قلت: وزاد في آخره: "هذا جبريل أراد أن تعلَّموا إذْ لم تسألوا". وما بين المعكوفتين زيادة منه، ولم يستدركها الثلاثة المعلقون المحققون زعموا!


(١) وفي رواية أبي هريرة الآتية: "المرأة"، وهذا يشمل الحرة والعبدة، وقد اختلفوا في المراد على أقوال حكاها الحافظ، ومال إلى أن المعنى: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة أمته من الإهانة والسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه (ربها) مجازاً لذلك، أو المراد بـ (الرب): المربي، فيكون حقيقة.
(٢) قال الناجي (١٦٨/ ١): "ذِكر البخاري هنا وهم بلا شك؛ فإنَّه من أفراد مسلم عنه".
وانظر تعليقنا المتقدم على الحديث (٤ - الطهارة/ ٧).

صحيح الترغيب والترهيب ،ج2،ص:383إلى 385.



Loading...