سمعتُ كَعْبَ بنَ مالك يُحدِّثُ حديثَهُ حينَ تخلَّفَ عَنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزْوَةِ (تبوك)، قال كعبُ بْنُ مالك:
لَمْ أتَخلَّفْ عنْ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غَزْوَةٍ غَزاها قَطُّ إلا في غَزْوَةِ (تَبوك)، غيرَ أنِّي قد تخلَّفتُ في غزْوَةِ (بَدْرٍ)، ولَمْ يُعاتِبْ أَحداً تَخلَّفَ عنْها، إنَّما خَرَج رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون يريدونَ عِيرَ قُريشٍ، حتَّى جمَعَ الله بيْنَهُمْ وبينَ عَدوِّهم على غير ميعاد، ولقدْ شَهِدْتُ معَ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليلةَ العقَبةِ حين تَواثَقْنا على الإسْلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهدَ (بَدْرٍ)، وإنْ كانَتْ (بَدْرُ) أَذْكَرُ في الناسِ مِنْها.
وكانَ مِنْ خَبري حينَ، تخَلَّفْتُ عن رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في (١) غزوَةِ (تبوك) أنِّي لَم أَكُنْ قَطُّ أَقْوى ولا أيْسَرَ مِنِّي حينَ تَخلَّفْتُ عنه في تِلكَ الغَزْوةِ، والله ما جَمَعْتُ قبلها راحِلَتَيْنِ قَطُّ، حتى جمعتُهما في تلكَ الغَزْوَةِ، -ولَمْ يكُنْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يريدُ غزوةً إلا وَرَّى (٢) بِغَيْرِها حتَّى كانَتْ تِلْكَ الغزوة- (٣) فغَزاها رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حرٍّ شَديدٍ، واسْتَقْبَل سَفَراً بَعيداً ومَفازاً، واسْتقْبلَ عَدُوّاً كثيراً، فَجَلَى لِلْمُسْلِمينَ أمرَهُمْ؛ ليتَأهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهْم، وأخْبَرهُمْ بَوجْهِهِمُ الَّذي يُريدُ، والمسلمونَ مَع رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كثيرٌ، ولا يَجْمَعُهم كتابٌ حافِظٌ
(١) الأصل: (من)، والتصحيح من "مسلم - التوبة" وقد صححت منه أحرفاً أخرى وقعت في الأصل خطأ، لا ضرورة للتنبيه عليها. (٢) أي: أوهم غيرها كما يأتي من المؤلف في شرح غريبه. (٣) ما بين المعترضتين لم يرد في رواية مسلم هذه، ولذلك لم يذكرها المؤلف فيها في "مختصر مسلم" (١٩١٨)، وإنما هي في رواية أخرى لمسلم، لكن اللفظ للبخاري في "المغازي".-يريد بذلك الديوانَ-، قال كعبٌ:فَقَلَّ رجل يريدُ أنْ يَتَغَيَّبَ إلا ظَنَّ(١)أنَّ ذلك سَيَخْفَى[له]ما لَمْ يَنْزِلْ فيهِ وَحْيٌ مِنَ الله عزَّ وجَلَّ.
وغَزا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلكَ الغزوةَ حينَ طابَتِ الثمارُ والظلالُ، فأنا إليْها أَصْعَرُ (٢)، فتَجهَّزَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمون مَعَهُ، وطَفِقْتُ أَغدو لِكَيْ أتَجَهَّزَ مَعهُمْ، فأرْجعُ ولَمْ أَقْضِ مِنْ جهازِي شَيْئاً، وأَقُولُ في نفسي: أنا قادِرٌ على ذلك إذا أرَدْتُ، فلَمْ يَزَلْ ذلك يتَمادى بِي حتَّى اسْتَمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصْبَح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غادِياً والمسلمونَ معَهُ ولَمْ أقْضِ مِنْ جَهازي شيْئاً، ثُمَّ غدوْتُ فرجَعْتُ ولَمْ أقْضِ شَيْئاً، فَلَمْ يَزَلْ ذلك يَتَمادى بي حتَّى أسْرعوا وتَفَارَطَ (٣) الغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أنْ أرْتَحِلَ فأدْرِكَهم، -فيا لَيْتَني فعلْتُ- ثُمَّ لَمْ يُقدَّرْ لي ذلك.
وطفِقْتُ إذا خَرجْتُ في الناسِ بعدَ خُروجِ رَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْزُنُني أَنِّي لا أرى لي أُسْوَةً إلا رَجُلاً مَغْموصاً (٤) عليه في النِّفاقِ، أو رَجُلاً مِمَّنْ عَذر الله مِنَ الضُعفَاءِ، ولَمْ يَذْكُرْني رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بلَغَ (تبوكَ)، فقالَ وهو جالِسٌ في القْوِم بـ (تبوك):
"ما فَعَلَ كَعْبُ بنُ مالكٍ؟ "،
فقالَ رجلٌ مِنْ بَني سَلِمَةَ: يا رَسولَ الله! حبَسهُ بُرْداهُ، والنَّظرُ في عِطْفَيْهِ.
فقال له معاذُ بْنُ جَبلٍ: بئْسَ ما قُلْتَ، والله يا رسولَ الله! ما علِمْنا عليهِ إلا خَيْراً. فسكَتَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فبيَنْا هو على ذلك رأى رجُلاً مُبَيِّضاً يزولُ
(١) لفظ مسلم: (يظن). (٢) أي: أميل كما يأتي في الكتاب. (٣) أي: فات، وكان الأصل: (وتفاوت)، والتصحيح من "الصحيحين". (٤) بالغين المعجمة والصاد المهملة: أي: مطعوناً عليه في دينه متهماً بالنفاق كما في "الفتح" وغيره. ووقع في الأصل (مغموضاً) بالضاد المعجمة وبذلك قيده المؤلف كما يأتي، وهو من أوهامه رحمه الله، وتبعه عليه وعلى غيره مما يأتي التنبيه عليه المعلقون الثلاثة!!
به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"كُنْ أبا خَيْثَمَة".
فإذا هو أبو خَيْثَمِةَ الأنْصارِيّ، وهو الذي تَصدَّقَ بصاعِ التمْرِ حينَ لَمَزَه المُنافِقونَ.
قال كعبٌ: فلمَّا بلَغني أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد تَوجَّه قافِلاً مِنْ (تبوك) حَضَرني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتَذكر الكَذِبَ، وأقولُ: بِمَ أَخْرُج مِنْ سخَطِه غَداً؟ وأسْتَعينُ على ذلك بِكُلِّ ذي رأيٍ مِنْ أَهْلي، فلمَّا قيل: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أظلَّ (١) قادِماً، زاحَ عنِّي الباطِلُ، حتَّى عَرَفْتُ أنِّي لَنْ أنْجُوَ منهُ بِشَيْءٍ أَبداً، فأجْمَعْتُ صِدْقَهُ.
وأصَبح رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قادِماً، وكانَ إذا قدِمَ مِنْ سَفَرٍ بدأ بالمسْجِدِ فركَع فيه ركْعَتين، ثُمَّ جلَس لِلناسِ، فلمَّا فَعلَ ذلك جاءَه المخلَّفون، فَطفِقوا يَعْتَذِرونَ إليه وَيحْلِفونَ له، وكانوا بِضْعَةً وثَمانينَ رجُلاً، فَقبِلَ مِنْهُمْ علانِيَتَهُمْ، وبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، ووَكَلَ سَرائِرَهُمْ إلى الله، حتَّى جِئْتُ، فلمَّا سَلَّمْتُ تَبَسَّمَ تَبسُّمَ المُغْضَبِ ثُمَّ قال:
"تعالَ". فجئْتُ أمْشي حتى جَلَسْتُ بيْنَ يديْهِ، فقال لي:
"ما خَلَفكَ؟ ألَمْ تَكُنْ قد ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ ".
قلتُ: يا رسول الله! إنِّي والله لو جلَسْتُ عندَ غيرِكَ مِنْ أهْل الدنيا لرأَيْتُ أنِّي سَأخْرُج مِنْ سخَطِهِ بِعُذْرٍ، ولقدْ أُعطِيْتُ جَدلاً، ولكنِّي والله لقدْ علِمْتُ لَئْن حدَّثْتُكَ اليومَ حَديثَ كذبٍ ترضَى به عنِّي؛ ليوشِكنَّ اللهُ أن يُسْخِطكَ عليَّ، ولَئِنْ حدَّثتْكُ حديثَ صدق تَجِدُ عليَّ فيه؛ إنّي لأَرْجو فيه عُقْبى الله عزَّ وجلَّ -في رواية: عفو الله- والله ما كانَ لي مِنْ عُذْرٍ، ما كنْتُ قَطُّ أَقْوى ولا أَيْسَر مِنِّي حين تَخلَّففْتُ عنكَ. قال:فقالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"أمَّا هذا فَقدْ صدَقَ، فَقُمْ حتى يَقْضِيَ الله فيكَ".
فقُمْتُ، وثارَ رِجالٌ مِنْ بني سَلِمَةَ فاتَّبعوني فقالوا: والله ما علمْناكَ أذْنَبْتَ ذَنْباً قبلَ هذا، لقدْ عَجَزْتَ في أنْ لا تكونَ اعتذرْتَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِما اعْتَذَر [به] إليْهِ المُخلَّفونَ! فقدْ كان كافيكَ ذَنْبَكَ استغفارُ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكَ، قال: فوالله ما زالوا يُؤَنِّبونَني حتَّى أرَدْتُ أنْ أرْجعَ إلى رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأُكَذِّب نفسي. قال: ثمَّ قلتُ لهمْ: هَلْ لَقِيَ هذا مَعي أحَدٌ؟ قالوا: نَعَمْ، لَقِيَهُ معكَ رَجلانِ قالا مثلَ ما قُلْتَ، فقيلَ لَهُما مثلَ ما قيلَ لكَ. قال: قلتُ مَنْ هُما؟ قالوا: مُرارَةُ بْنُ رَبيعَةَ العامِريّ (١) وهِلالُ بْنُ أُميَّةَ الواقِفيّ. قال: فذكروا لي رَجُلَيْنِ صالِحينِ قد شَهِدا (بَدْراً) فيهما أُسْوَةٌ. قال: فَمضَيْتُ حينَ ذَكروهُما لي.
قال: ونَهى رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المسلمينَ عَنْ كلامِنا أيُّها الثَلاثةُ مِنْ بينِ مَنْ تَخلَّفَ عنه. قال: فاجْتَنَبَنَا الناسُ، وقال: تَغَيَّروا لنا حتّى تَنَكَّرَتْ لي في نفسي الأرْضُ، فما هِيَ بالأرضِ التي أعْرِفُ. فلَبثْنا على ذلك خَمْسينَ لَيلَةً، فأمَّا صاحِبايَ فاسْتكانا وقَعَدا في بُيوتِهِما يَبْكِيانِ، وأمَّا أنا فكُنْتُ أَشَبَّ القومِ وأجلدَهُم، فكنتُ أَخْرجُ فأشْهَدُ الصلاةَ وأطوفُ في الأسْواقِ، ولا يُكَلِّمُني أحَدٌ، وآتي رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو في مَجْلسِه بعدَ الصلاةِ فأُسَلِّمُ (٢)، فأقولُ في نَفْسي: هلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السلام أمْ لا؟ ثُمَّ أُصلِّي قريباً منه وأسارِقُهُ النظَر، فإذا أقْبَلْتُ على صلاتي نَظَر إليَّ، فإذا التفَتُّ نحوَهُ أعْرضَ عنِّي، حتَّى إذا طالَ عليَّ ذلك مِنْ جَفْوَة المسلمين مَشَيْتُ حتى تَسوَّرْتُ جِدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابْنُ عمِّي، وَأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فَوالله مال رَدَّ عليَّ السلام، فقلتُ له:يا أبا قتادة! أَنْشُدُكَ بالله! هل تَعْلِّمُني أنِّي أُحِبُّ الله ورسولَه؟ قال:فَسكتَ. فعُدْتُ فناشَدْتُه، فسكَتَ، فعُدْتُ فناشَدْتُه، فقال:الله ورسولُه أَعْلَمُ. فَفاضتْ عينايَ، وتَولَّيْتُ حتَّى تَسوَّرْتُ الجِدارَ.
فبينا أنا أمْشي في سوقِ المَدينَة إذا نَبَطِيٌّ مِنْ أنْباطِ أهْلِ الشامِ، مِمَّنْ قَدِمَ بطعام يبيعُه بالمدينَة يقولُ: مَنْ يَدُلُّ على كعْبِ بْنِ مالكٍ؟ قال: فطَفَقَ الناسُ يُشيرونَ لَهُ إليَّ حتَّى جاءَني فدَفَع إليَّ كتاباً مِنْ مَلِك غَسَّانَ، وكنْتُ كاتِباً فقَرأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بَعْدُ فإنَّهُ قد بلَغَنا أن صاحِبَكَ قد جَفاك، ولَمْ يَجْعَلْكَ الله بدارِ هَوانٍ ولا مَضْيَعةٍ، فالْحَقْ بِنا نواسِكَ، قال: فَقُلْتُ حين قَرْأتُها: وهذه أيْضاً مِنَ البَلاءِ، فَتَيمَّمْتُ (١) بها التَنُّورَ فَسَجرْتُها [بها]، حتَّى إذا مَضَتْ أرْبَعونَ مِنَ الخَمْسينَ، واسْتَلْبَثَ الوَحْيُ إذا [رسولُ] رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتيني، فقالَ: إنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَاْمُرك أَنْ تَعْتَزِلَ امْرأَتَك. قال: فقلتُ: أُطَلِّقُها أمْ ماذا أفْعَل؟ قال: لا، بَلِ اعْتَزِلْها فلا تَقْرَبَنَّها، وأرْسَل إلى صاحِبيَّ بِمْثلِ ذلك.
قال: فقلتُ لامْرَأتي: الْحَقي بأَهْلِكِ فكوني عندَهُمْ حتى يَقْضِيَ الله في هذا الأَمْرِ. قال: فجاءَتِ امْرأَةُ هِلالِ بْنِ أمَيَّةَ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقالَتْ: يا رسولَ الله! إنَّ هلالَ بْنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضَائعٌ؛ ليسَ له خادِمٌ، فهل تَكْرَهُ أنْ أخْدِمَهُ؟ قال:
"لا، ولكِنْ لا يَقْرَبَنَّكِ".لا يَنْساها لِطَلْحَةَ، قال كَعْبٌ:فلمَّا سَلَّمْتُ على رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:وهو يبرُقُ وَجهُهُ مِنَ السرورِ:
قال: فقُلْتُ: أمِنْ عِنْدِكَ يا رسولَ الله! أمْ مِنْ عِنْدِ الله؟ قال:
"بَلْ مِنْ عندِ الله".
وكانَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا سُرَّ اسْتَنارَ وَجْهُهُ، حتى كأنَّ وجههُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، قال: وكنَّا نَعْرِف ذلك مِنْهُ. قال: فلمَّا جَلستُ بينَ يَديْهِ؛ قلتُ: يا رسولَ الله! إنَّ مِنْ توبَتي أنْ أَنْخَلعَ مِنْ مالي صَدَقةً إلى الله وإلى رسولهِ. فقال رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"أمْسِكْ عليكَ بَعْض مالِكَ، فهوَ خَيْرٌ لكَ".
قال: فقلْتُ: فإنِّي أمسِكُ سَهْميَ الذي بخَيْبَر. قال: وقلتُ: يا رسولَ الله! إنَّما أنْجاني الله بالصدْقِ، وإنَّ مِنْ تَوْبَتي أنْ لا أُحدِّثَ إلا صِدْقاً ما بَقيتُ.
قال: فَوَالله ما علمْتُ [أن] أحداً [من السلمين] أبْلاهُ الله في صِدْقِ الحَديثِ مُنْذ ذكرتُ ذلك لِرَسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -[إلى يومي هذا] أحْسَنَ ممَّا أبْلاني الله [به]، والله ما تَعمَّدْتُ كَذبةً منذ قلتُ ذلك لرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى يومي هذا، وإنِّي لأَرْجو أنْ يَحْفَظني اللَّه فيما بَقِيَ.
قال كعبْ: والله ما أنْعَم الله على مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بعدَ إذْ هَداني الله للإِسْلامِ أَعْظَمَ في نفْسي مِنْ صدْقي لِرَسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ لا أكونَ كَذَبْتُهُ فأهْلِكَ كما هَلَك الذين كَذبوا، إنَّ الله قال لِلَّذين كَذَّبوا حينَ أَنْزلَ الوحَي شَرَّ ما قالَ لأَحدٍ، فقال:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ(٩٥)يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}.
قال كَعْبٌ: كنَّا خُلِّفْنا أيُّها الثَلاثَةُ عَنْ أمْرِ أولئكَ الذين قَبِلَ منهمْ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينَ حَلَفوا له، فبايَعَهُمْ واسْتَغْفَر لَهُمْ، وأَرْجأَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَنا حتَّى قَضَى الله تعالى فيه، فبذلك (١) قال الله عزَّ وجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وليسَ الذي ذكَره مما خُلِّفَنا تَخَلُّفُنا عَنِ الغَزْوِ، وإنَّما هو تَخْليفُه إيَّانا، وإرْجَاؤه أَمْرَنا عَمَّنْ حَلَف له واعْتَذَرَ إليه، فقَبِلَ مِنْهُ".
رواه البخاري، ومسلم، واللفظ له.
صحيح الترغيب والترهيب،ج:3،ص:113إلى120.
(١) هذا لفظ البخاري. وأما مسلم -والسياق له- فلفظه: (فتياممتُ)، قال الناجي (٢٠٠/ ١): "وهو في جميع نسخ "مسلم" في بلادنا، وهي لغة في (تيممت) التي هي لفظ البخاري والموجود في نسخ "الترغيب"، وليس بجيد منه". قلت: ويؤيده أنه وقع على الصواب في "مختصر مسلم" للمؤلف (رقم - ١٩١٨ - بتحقيقي).
(١) كذا وقع في "مسلم"، وهو خطأ، والصواب ما في رواية البخاري: ". . . بن الربيع العَمري" انظر "فتح الباري" -غزوة تبوك، و"العجالة" (٢٠٠/ ١)، وهو مما غفل عنه مدعو التحقيق! (٢) في مسلم: (فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة).
(١) أي: دنا قدومه، كأنه ألقي على ظله. و (زاخ) بالزاي، أي: زال. ووقع في الأصل بالراء.