المعازف واللهو

المعازف واللهو

اللفظ / العبارة' المعازف واللهو
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

[المعازف واللهو]

وأما قوله: (ونهى عن المزمار عند النعمة، ونهى عن الدف والكوبة، ونهى عن الرقص ونهى عن كل ذى وتر، ونهى عن اللعب كله) .

فهذا كله من الباطل، وليس في هذا شيء من الحق. وقد أمر الله تعالى رسوله الله صلى الله عليه وسلم بمحقه؛ فليس شيء من هذا حق. حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا فرج بن فضالة، عن على بن يزيد، عن القاسم، عن أبى أمامة، قال:

ص:89

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى بعثنى رحمة للعالمين، وأمرنى بمحق المعازف، والمزامير، والصليب، وأمر الجاهلية. وحلف ربى بعزته: لا يشرب عبد من عبيدى جرعة من خمر متعمداً إلا سقيته من صديد أهل النار يوم القيامة، مغفوراً له معذبا، ولا يتركها من مخافتى إلا سقيته من حياض يوم القيامة، ولا يسقيها صبياً صغيراً أو ضعيفاً مسلما إلا سقيته من صديد أهل النار يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً) .

قال أبو عبد الله رحمه الله: فالفرح مقسوم على أولاد آدم كلهم، مركب في أجسادهم؛ فذهبت طائفة منهم فاستعملته في عبادة الأوثان، وطائفة استعملوه في دنياهم، وطائفة استعملوه في ذات الله.

فمن فرح بالأوثان فأجزانه دائمة في النار، ومن فرح بدنياه فخسرانه بين يدى الله غدا مع الخسران، ومن فرح بالإسلام والطاعة شكر على ذلك وأثيب عليه، ومن فرح بالله قرب وحيى وأكرم وشرف وبويء له منازل في عليين، قال الله تعالى: (وَفَرِحُوا بِالحَيَاةِ الدُنيَا، وَمَا الحَياةُ الدُنيا في الآَخِرَةِ إِلاّ مَتاع) ، ثم قال: (قُل بِفَضلِ الله وَبِرَحمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلَيَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُونَ) . ثم روى أنه قال للصديقين: أيها الصديقون، تنعموا بذكرى، وبى فافرحوا.

ص:90

فالمشتغلون بنفوسهم فرحوا بما فضلهم الله به من الإسلام ومن عليهم؛ والمشتغلون بالله انكشف لهم الغطاء، وفرحوا بالله، وتاهت قلوبهم في جلال الله؛ ففرحوا بأديانهم، قال الله تعالى: (كُلُ حِزِبٍ بِمَا لَدَيهِم فَرِحُون) . فخابوا حين استعملوا هذا الفرح الذى أعطوا في دين تلقوه من الشيطان.

فلما جاء الله بالإسلام، وبعث محمداً رسوله الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبب الفرح والرحمة، أمره بمحق كل فرح فرح به أهل الباطل؛ فأمره بكسر الأوثان والصلبان، وأمره بحق العازف والمزامير، وكل ذي وتر؛ لأن ذلك فرح فيه حظ الشيطان؛ وجعل الفرح بيده، فهو يمزجها في هذه الأصوات؛ حتى يضربوا بذلك حظ الشيطان؛ حتى لا يكون فرح إلا بالله وبالعبودية له. فمنهم من فرح بالعبودة، ولم يكن له طريق إليه فيفرح به، ومنهم من فرح بالله.

فهذا سبب تحريم العازف، واللعب بكل ما يلهى عن الله. ويوضع كل هذا في الميزان في كفة الباطل.

والمعازف كل ما تجد نفسك لصوته إذا حرك عزوفا، فالعزوف سلطان الشهوة، وإنما صار كذلك لأن الشهوة التى فيك إنما هى من المحفوفة بباب النار بالشهوات، فتلك خلقها الله ذات زينة وضياء وبهجة فتنة للعباد، وقسم للعدو منها حظا، وجعل للآدميين حظا. فحظوظ الآدميين، في أجوافهم، وحظ العدو عنده؛ فإذا مازج بحظه حظوظ الآدميين، اهتاجت شهوات

ص:91

الآدميين، وتلظت فتنتهم. وقد روى حديث يحيى بن زكريا عليه السلام حين سأل إبليس: ما هذه الأكواز الصغار التى علقتها على وسطك؟ قال: فيها شهوات بنى آدم، فأنا أذيقهم إياها واحدا واحدا، حتى آخذهم بواحدة منها.

وأما الصوت الذى يخرج من الأوثان، فذلك أصله من اللطف، أعلى له إبليس حظا من اللطف يومئذ فأعطى على الاستدراج، فهو بذلك يصوت في أجواف الأصنام، فسبى بها قلوبا خلت من التوحيد. وإذا خرجت الأصوات من كل ذى وتر مازج ما أعطى من اللطف بهذا الصوت حتى تفتن القلوب بذلك، وسبا نفوسهم الشهوانية.

وأهل التوحيد حشى توحيدهم بالفرح بالله، فلا يقدر العدو أن يسبى قلوبهم ونفوسهم بما عنده من الفرح.. ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَلَكِنَ الله حَبَبَ إِليهِمُ الإِيمانَ وَزَيَنَهُ فِي قُلُوبِكُم، وَكَرِهَ إِلَيكُم الكُفرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصيان) . فإذا كانت المحبة والزينة في قلب، فذاك قلب محشو من الفرح بمولاه، وهو لا يعلم لغلبة الشهوات، وغلبة أفراح الدنيا، قد انكمش بما فيه من الفرح.. ألا ترى أنه إذا وعظ وذكر بالله كيف تدمع عيناه، وكيف يقع في العويل.

قال: وسمعت الجارود بن معاذ يقول لوكيع رحمه الله: أنت تصوم الدهر وتتعب، فمم سمنك هذا؟! من سرورى بالإسلام. فليست هذه البدانة من تربية أغذية الدنيا؛ فإذا فرح الإنسان بدن ولحم فكل فرح من فرح

ص:92

الدنيا فهو أملك بذلك البدن واللحم. فإن كان فرحه بالله فالله أولى، وإن كان فرحه بأمر الله أولى به وهو طاعته وعبودته، وأن كان فرحه بدنياه فدنياه أملك به وأولى، فإذا كانت الدنيا ضاع المسكين، وتحولت أفراحه أحزانا ودهشا وحيرة وأسفاً وندماً. وإن كان فرحه بمعبوده من الرجس والأوثان، فهو أولى به؛ فالنار معه، والشيطان قرينه،. وكذلك ما حرم الله من هذه الأشربة سببها الأفراح التى تهتاج به فيه، حتى تفسد عليه عقله. ومن أجل ذلك لا يكاد يجد منهمكا في هذا الشراب لا يصبر عنه؛ لما وجد من لذة الفرح في عاجل الدنيا.

ص:93

كتاب المنهيات


Loading...