"ينامُ الرجَلُ النومَةَ، فَتقْبَضُ الأمانَة مِنْ قَلْبِهِ، فيظَلُّ أَثرُهَا مثلَ الوَكْتِ، ثمَّ ينامُ الرجل النَّومةَ، فتقبضُ الأمانةُ من قلبه، فيظلُّ أثرها مثل أثر المَجْل، كجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ على رجْلِكَ فنَفِطَ (١)، فتراه مُنْتَبِراً وليسَ فيهِ شيْءٌ، -ثُمَّ أخَذَ حَصاةً فَدَحْرَجَها على رِجْلِه -فيصْبِحُ الناسُ يَتبايَعونَ لا يَكادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَة، حتَّى يقالَ:إنَّ في بني فُلان رَجلاً أميناً، حتَّى يقالَ لِلرجُلِ:ما أظْرَفَهُ! ما أعْقَلَهُ! وما في قلبهِ مثقالُ حَبَّةٍ مِنْ خرْدَلٍ مِنْ إيمانٍ".
رواه مسلم وغيره (١).
(الجَذْرُ) بفتح الجيم وإسكان الذال المعجمة: هو أصل الشيء.
و (الوَكْتُ) بفتح الواو وإسكان الكاف بعدها تاء مثناة: هو الأثر اليسير.
و (المَجْلُ) بفتح الميم وإسكان الجيم: هو تنفط اليد من العمل وغيره.
وقوله:(منتبراً) بالراء، أي: مرتفعاً.
٢٩٩٥ - (٤)[حسن] وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
"القتلُ في سبيلِ الله يكفّرُ الذنوبَ كلَّها، إلا الأمانة". قال:
"يؤتى بالعبدِ يومَ القيامةِ وإن قُتِلَ في سبيل الله، فيقالُ: أدِّ أمانَتَك، فيقول: أيْ ربِّ! كيف وقد ذهبتِ الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنْطَلَقُ به إلى الهاويةِ، وتُمثَّلُ له أمانتُه كهيئتها يوم دُفِعَتْ إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركَها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظنَّ أنه خارجٌ؛ زلت عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين". ثم قال:
٢٩٩٩ - (٨)[صحيح] وعن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"أربعٌ مَنْ كُنَّ فيه كان مُنافِقاً خالِصاً، ومَنْ كانَتْ فيه خَصْلَةُ مِنْهُنَّ كانَتْ فيه خَصلَةٌ مِنَ النِّفاقِ حتّى يَدعَها: إذا ائْتُمِنَ خانَ، وإذا حَدَّثَ كَذَب، وإذا عاهَد غَدَر، وإذا خاصَم فَجَر".
رواه البخاري ومسلم. [مضى هناك].
٣٠٠٠ - (٩)[صحيح] وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"إذا جمَع الله الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القِيامَة يُرفَعُ لِكُل غادرٍ لِواءٌ، فقيلَ: هذه غَدْرَة فلانِ ابْنِ فلانٍ (١) ".
رواه مسلم وغيره (٢). ٣٠٠١ -(١٠)[صحيح]وفي رواية لمسلم(١):
رأيتُ عليّاً رضي الله عنه على المنبَرِ يخطُبُ فسمعتُه يقولُ:
لا والله ما عندنا مِنْ كتابٍ نَقرؤه إلا كتابَ الله، وما في هذه الصحيفَةِ، فَنَشرها، فإذا فيها أسْنانُ الإبِلِ، وأشياءُ مِنَ الجِراحَاتِ، وفيها:
قالَ رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
"ذِمَّةُ المسْلِمِينَ واحِدَةٌ، يَسْعَى بها أَدْناهُمْ، فَمنْ أخْفَر مُسْلِماً فعلَيْهِ لَعْنَةُ الله والملائكَةِ والناسِ أجْمَعينَ، لا يَقْبَلُ الله منهُ يومَ القِيامَةِ عَدْلاً ولا صَرْفاً" الحديث.
رواه مسلم وغيره (٢).
يقال:(أَخْفَرَ بالرجل): إذا غدره ونقض عهده.
- (١٣)[صحيح] وعن أنسٍ رضي الله عنه قال:
ما خطَبنَا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا قالَ:
"لا إيمانَ لِمَنْ لا أمَانَةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عهْدَ لَهُ".
رواه أحمد والبزار، والطبراني في "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه"؛ إلا أنه قال:
"خطَبنا رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال في خطْبَتِه" فذكر الحديث.
ورواه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" من حديث ابن عمر، وتقدم. (١)
٣٠٠٥ - (١٤)[صحيح] وعن بريدة رضي الله عنه عنِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
"ما نقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلا كانَ القتْل بيْنَهُم، ولا ظَهرتِ الفَاحِشَةُ في قوْمٍ إلا سُلِّطَ عليهِمُ الموتُ، ولا مَنَع قومٌ الزكاة إلا حُبِسَ عنهمُ القَطْرُ".
رواه الحاكم وقال:"صحيح على شرط مسلم". [مضى ٢١ - الحدود/ ٨].
٣٠٠٦ - (١٥)[حسن] وعن صفوان بن سليمِ عن عِدَّةٍ مِنْ أبْناءِ أصْحابِ رسولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عنْ آبائهم [دِنْيةً](٢)؛ أنَّ رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
(١) في "الضعيف" (٥ - الصلاة/ ١٣). (٢) بوزن (قِنْية) منصوبة على المصدرية في موضع الحال، أي: لاصقو النسب. (٣) قلت: لَكنهم بلغوا حد التواتر الذي لا تشترط فيه العدالة، ففي "سنن البيهقي" أنهم ثلاثون، ولذلك قال العراقي: إسناده جيد كما في "العجالة"، وانظر "غاية المرام" (٤٧١).
(١) هذا يوهم أنها من حديث ابن عمر أيضاً، وإنما هي من حديث ابن مسعود، كما قال الناجي (٢٠٢/ ١)، ولذلك أعطيته رقماً خاصاً، وهي عند البخاري أيضاً في آخر "الجزية". وقد خفي هذا والذي قبله على الجهلة المقلدة! (٢) قلت: بل رواه البخاري مع مسلم وغيرهما كما تقدم في "النكاح" (١٧/ ٨) بأتم مما هنا.
(١) الأصل وكثير من نسخ "مسلم": (فلان بن فلان) بإسقاط ألف (ابن) وهو خطأ، لأنه إنما تسقط بين اسمين علمين. قال الناجي (٢٠٢/ ١): "هذا أحد المواضع التي لا تحذف فيها الألف من (ابن) كتابة، ومنه حديث الصعود بالروح فيقولون: فلان ابن فلان، وكذلك الكريم ابن الكريم ابن الكريم. . . يؤتى بالألف في (ابن) من الأربعة بخلاف تتمة الحديث المذكور: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فإنها تحذف إلا أن تقع (ابن) أول السطر". (٢) قلت: ورواه البخاري في مواطن مختصراً ومطولاً أتمها في "الأدب"، لكن ليس عنده ما قبل "يُرفع. . .".
(١) قال الناجي: "وكذا البخاري، لكن ليس عنده دحرجة الحصاة". قلت: أخرجه كذلك في ثلاثة مواطن: "الرقاق" و"الفتن" و"الاعتصام"، وأخرجه الترمذي (٢١٨٠) بتمامه وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (٥/ ٣٨٣)، وابن ماجه أيضاً (٤٠٥٣)؛ إلا أنه أوقف جملة الحصاة فقال: "ثم أخذ حذيفة كفاً من حصى فدحرجه على ساقه"، وإسناده صحيح.
(١) يقال: (نفطت يده -من باب تعب- نفطاً ونفيطاً): إذا صار بين الجلد واللحم ماء. وتذكير الفعل المسند إلى (الرِّجل) وكذا تذكير قوله: (فتراه منتبراً) مع أن (الرجل) مؤنثة باعتبار معنى العضو.