" ٨ " باب ذكر سوء الظن بالله وقول الله تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} وقول الله تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ} الآية: [فصلت: ٢٣] ، وقوله تعالى {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} روي من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - «أكبر الكبائر سوء الظن بالله» رواه ابن مردويه ".
١٤ - وعن جابر - رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قبل وفاته بثلاث:«لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله» أخرجاه وزاد ابن أبي الدنيا «فإن قوما أرداهم سوء ظنهم بالله فقال تبارك وتعالى {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} »[فصلت: ٢٣] .
ــ
(١٤) رواه مسلم صفة الجنة ٤ / ٢٢٠٥ رقم ٢٨٧٧ وأبو داود الجنائز ٣ / ١٨٩ رقم ٣١١٣ وابن ماجه الزهد ٢ / ١٣٩٥ رقم ٤١٦٧ وأحمد ٣ / ٣٢٥، ٣٣٤، ٣٩٠، ٣٩٣ وابن حبان ٢ / ٤٠٣ رقم ٦٣٦، ٦٣٨ ولم أجده في صحيح البخاري.
ومعنى حسن الظن بالله، بأن يظن أنه يرحمه ويعفوا عنه، أي عندما يكون في حالة الصحة يكون خائفا راجيا فإذا دنت آمارات الموت غلب عليه الرجاء لأن مقصود الخوف، الابتعاد عن المعاصي، الحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له ويؤيده الحديث الذي بعده.
وقد أفاد الحديث التحذير من اليأس والقنوط، والحث على الرجاء، وخاصة عند دنو الأجل..ولهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا قال الله تعالى:«أنا عند ظن عبدي بي»زاد أحمد(١). وابن حبان«إن ظن بي خيرا فله وإن ظن بي شرا فله».
ــ
(١٥) رواه البخاري التوحيد ١٣ / ٤٦٦ رقم ٧٥٠٥ ومسلم الذكر ٤ / ٢٠٦٧ رقم ٢٦٧٥. ورواه البخاري ١٣ / ٣٨٤ رقم ٧٤٠٥ ومسلم التوبة ٤ / ٢١٠٢ رقم ٢٦٧٥ والذكر ٤ / ٢٠٦١ رقم ٢٦٧٥ مطولا.
ومعناه أنا أعامله على حسن ظنه بي، وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر، والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف، وحسن الظن بالله. قال القرطبي قيل معنى ظن عبدي بي، أي ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:«ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة» ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه، موقنا بأن الله يقبله ويغفر له، لأنه وعد بذلك، وهو لا يخلف الميعاد، فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها، وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأس من رحمة الله، وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكل إلى ما ظن فإن كان خيرا فخير وإن ظن غير ذلك فله..
(١) رواه أحمد في المسند ٢ / ٣٩١ وابن حبان في صحيحه ٢ / ٤٠٥ رقم ٦٣٩.