وله عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا» .
١٧٩ - وله عن معقل بن يسار - رضي الله عنه - مرفوعا «العبادة في الهرج كهجرة إلي» .
ــ(١٧٨) رواه مسلم الإيمان ١ / ١١٠ رقم ١١٨.
معني الحديث الحث، على المبادرة بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والاشتغال عنها بها يحدث من الفتن الشاغلة المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم لا المقمر ووصفه صلى الله عليه وسلم نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أن يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا أو عكسه وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب.
(١٧٩) رواه مسلم الفتن ٤ / ٢٢٦٨ رقم ٢٩٤٨.
المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس. وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يفعلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد.
كهجرة إلي: أي في كثرة الثواب أو يقال المهاجر في الأول كان قليلا لعدم تمكن أكثر الناس من ذلك فهكذا العابد في الهرج قليل. ووجه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرون فيه من دار الكفر وأهله إلى دار الإيمان وأهله فإذا وقعت الفتن تعين على المرء أن يفر بدينه من الفتنة إلى العبادة ويهجر أولئك القوم وتلك الحالة وهو أحد أقسام الهجرة.ولهما عن حذيفة - رضي الله عنه - أن عمر - رضي الله عنه - قال:«أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن؟ فقلت: أنا فقال: هات فإنك عليه لجريء فقلت سمعته يقول: " فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: ليس هذا أريد إنما أريد التي تموج كموج البحر فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابا مغلقا، فقال: يفتح الباب أم يكسر؟ قلت: بل يكسر قال ذلك أجدر أن لا يغلق فقلت لحذيفة أكان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة أني حدثته حديثا ليس بالأغاليط فهبنا أن نسأله من الباب، فقلنا لمسروق اسأله فسأله فقال: عمر».
ــ
(١٨٠) رواه البخاري الصلاة ٢ / ٨ رقم ٥٢٥. ١٤٣٥، ١٨٩٥، ٣٥٨٦، ٧٠٩٦، ومسلم الإيمان ١ / ١٢٨ رقم ١٤٤ والفتن ٤ / ٢٢١٨ رقم ١٤٤.
قال الحافظ: يحتمل أن يكون كل واحدة من الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها، وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلا مكفرة الفتنة في الأهل والصوم في الولد. . إلخ.
والمراد بالفتنة ما يعرض للإنسان مع ما ذكر من الشر، أو الالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بما لا يحل له أو يخل بما يجب عليه.
والفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار حتى في أولادهن، أو من جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن، والفتنة بالمال يقع بالاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله، والفتنة بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد، والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد. وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها لا نفي أن غيرها في الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير.
وخص الرجل بالذكر لأنه في الغالب صاحب الحكم في داره وأهله وإلا فالنساء شقائق الرجال في الحكم.
وتكفير الذنوب لا يختص بالأربع المذكورات بل نبه بها على ما عداها، والضابط أن كل ما يشغل صاحبه عن الله فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا يختص بما ذكر، بل نبه به على ما عداها، فذكر من عبادة الأفعال الصلاة والصوم ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف، ومعنى تموج كموج البحر: أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة.
ومعنى أن بينك وبينها بابا مغلقا: أي لا يخرج من الفتن في حياتك.
وقد آثر حذيفة الحرص على حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه، وإنما كنى عنه كناية، ويحتمل أن حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل.