إذا قيل لهم: آمنوا بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}[البقرة: ٩١] أي على موسى عليه السلام {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ}[البقرة: ٩١] أي: غيره {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ}[البقرة: ٩١] يقولون: نحن نؤمن بالتوراة التي أنزلت على نبينا موسى {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ}[البقرة: ٩١] وهو الإنجيل الذي أنزل على عيسى، والقرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ} الإنجيل والقرآن مصدقان لما في التوراة.
فرد الله عليهم بأنكم إذا كنتم تتبعون ما أنزل على موسى، فكيف تقتلون الأنبياء؟ هل أنزل على موسى قتل الأنبياء؟ حيث قتلوا زكريا، وقتلوا يحيى، وهموا بقتل عيسى عليه السلام، فرفعه الله إليه، وعصمه منهم، وهموا بقتل محمد صلى الله عليه وسلم، فهم مهمتهم قتل الأنبياء، كما قال تعالى:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}[البقرة: ٨٧]بعض الرسل كذبوهم، وبعض الرسل قتلوهم/ لماذا؟ لأنهم جاءوهم بما لا تهوى أنفسهم، فكيف يقولون:نؤمن بما أنزل علينا؟ وأين هذا من الإيمان بالذي أنزل عليهم؟
وأيضاً مما أنزل عليهم في التوراة نعت محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان رسالته وصفاته عليه الصلاة والسلام، فلماذا لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؟ إن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم هو إيمان بما أنزل عليهم، وقد كفروا به، وهم يقولون:{نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}[البقرة: ٩١] .
وهذا يشمل من يقول: أنا لا أتبع إلا فلاناً من العلماء والواجب أنه يقبل الحق، ولا يتعصب لإمامه، أو لمدرسّه، أو لشيخه، مثل مشايخ الطرق؛ يتعصب لهم المريدون والأتباع، ولا يقبلون الحق إلا ما قال هؤلاء، وهذا أمر باطل؛ لأنه لا يجب اتباع معين من الخلق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قال: إنه يجب اتباع معين غير الرسول فإنه مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه جعل فلاناً مساوياً للرسول صلى الله عليه وسلم.
فلا أحد يجب اتباعه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما غيره من الأئمة والعلماء –رحمهم الله- فيتبعون فيما وافقوا فيه الحق، وما أخطأوا فيه من الاجتهاد، فإنه لا يجوز أخذه، ولو كان من الأئمة، وهم يقولون ذلك، يقولون: لا تأخذوا من أقوالنا إلا ما وافق كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.