كفرهم بالحق الذي مع غيرهم ممن لا يهوونه

كفرهم بالحق الذي مع غيرهم ممن لا يهوونه

اللفظ / العبارة' كفرهم بالحق الذي مع غيرهم ممن لا يهوونه
متعلق اللفظ مسائل عقدية.
الحكم الشرعي كفر أكبر
القسم المناهي العملية
Content

[كُفْرُهُمْ بِالحَقِّ إِذَا كَانَ مَعَ مَنْ لاَ يَهْوَوْنَه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: ١١٣] .

الشرح

وهذه المسألة من أخطر المسائل، وهي: كفرهم بالحق إذا كان مع من لا يهوونه، أي لا يحبونه، فيتركون الحق الذي معه؛ تعصباً لكراهتهم للشخص، فيتركون الحق من أجله.

والواجب على المسلم أن يقبل الحق ممن جاء به؛ لأن الحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه، مع صديقه أو مع عدوه؛ لأنه يطلب الحق. أما إذا كان يعتبر الأشخاص فقط، فهذا دين أهل الجاهلية.

ومثال ذلك: ما ذكره الله عن اليهود والنصارى- وهم أهل كتاب وعلم- فاليهود رفضوا الحق الذي مع النصارى، 

والنصارى رفضوا الحق الذي مع اليهود، كما قال تعالى عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة: ١١٣] والذي حملهم على هذا هو الهوى؛ لما كان اليهود يبغضون النصارى جحدوا ما معهم من الحق، ولما كان النصارى يبغضون اليهود جحدوا ما معهم من الحق {وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ} الذي يأمرهم بقبول الحق، {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} [البقرة: ١١٣] فالذين ليس معهم كتاب ساروا على هذا المنهج، كل طائفة تكفر الأخرى، وتجحد ما معها من الحق.

والحاصل: أن الواجب على المسلم تجنب سنة اليهود والنصارى، وهي الكفر بالحق إذا كان مع من لا يحبه، فلا يحملك بغض الشخص على أن ترفض ما معه من الحق. ومثل هذا ما هو موجود الآن: إذا كانت طائفة أو جماعة تبغض أَحد العلماء، فإنّهم يرفضون ما معه من الحق، فيحملهم بغضهم لهذا العالم على أن يرفضوا ما معه من الحق، وأن يُعَتِّموا عليه، ويُزَهِّدوا فيه، ويُحَذِّروا من مؤلفاته، ومن أشرطته، ولو كانت حقاً. لماذا؟ لا لشيء إلاّ لأنهم لا يحبون هذا الشخص.

والواجب عليك أيها المسلم أن تقبل الحق، وإن كان مع من لا تحب، ولا تكون العداوات الشخصية والأهواء النفسية مانعة من قبول الحق.

والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه اليهودي، وقال: إنّكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد أمر أن يقولو: " ماشاء الله وحده " ولا يقولو ماشاء الله وشاء محمد ١. فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا الحق، وأمر أَصحابه بترك الخطأ.

وكذلك الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم من أحبار اليهود وقال: إن الله يطوي السموات بيمينه، ويحمل الجبال على أصبع، والأرضين على أصبع ... إلى آخر الحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه؛ تصديقاً لهذا الحبر ٢، وأنزل الله قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:٦٧] ، فلما طابق قول هذا الحبر من اليهود الحق، قلبه النبي صلى الله عليه وسلم وسُرَّ به. الحاصل: أن المسلم يجب عليه أن يقبل الحق، ولا تحمله عداوته الشخصية، وأغراضه النفسية، والإشاعات التي تشاع عن بعض أهل الحق، لا تحمله هذه الأمور على رفض ما يقوله هذا العالم بل ينتفع به، حتى ولو كان هذا العالم غير مستقيم، لو كان ما يقال فيه من الذم والعيب صحيحاً، إذا قال كلمة حق وجب أن تقبل، لا لأجل هذا الشخص، ولكن لأجل الحق، هذا هو الواجب. فيجب على طلبة العلم أن ينهجوا هذا المنهج الرباني، قبول الحق ممن جاء به.




١ عن قتيلة امرأة من جهينة: أن يهودياًّ أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تُندِّدون وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: وربِّ الكعبة ويقولوا: ما شاء الله ثم شئت". أخرجه النسائي (٧/١٠ رقم ٣٧٨٢) ، وبنحوه عند ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان (٢/٥٥٠ رقم ٢١١٨) ، وأحمد في المسند (٦/ ٣٧١- ٣٧٢) ، والبيهقي في الكبرى (٣/ ٥٤) .
٢ أخرجه البخاري (رقم ٤٨١١، ٧٤١٤، ٧٤١٥) ، ومسلم (٢٧٨٦) .

كتاب شرح مسائل الجاهلية،ص:129إلى131.


Loading...