[التَّعَبُّدُ بتَحْريم الحَلاَلِ، كما تَعَبَّدوا بالشرك]
الشرح
من مسائل أهل الجاهلية: تعبدهم – أي: تقربهم إلى الله – بتحريم ما أوجب الله، فحرموا ستر العورة في الطواف كما سبق من حال المشركين.
وكذلك اليهود والنصارى، فالنصارى: حرموا على أنفسهم كثيراً من الطيبات، واليهود أباحوا لأنفسهم ما حرم الله مثل الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل، والمشركون حرموا أنواعاً من بهيمة الأنعام، منها البحيرة والسائبة والوصيلة، أنواع من الأنعام يسمونها بهذه الأسماء، ويحرمونها للأصنام، وقد نهى الله المؤمنين عن ذلك فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}[المائدة: ٨٧] ، فالمؤمن لا يتشدد في تحريم ما أحل الله، ولا يتساهل ويستبيح المحرمات؛ بل يكون
معتدلاً، فتحريم الحلال وتحليل الحرام من دين الجاهلية، فلا يجوز لأحد أن يحلل ويحرم إلا بدليل من كتاب الله، وإذا اعتبر ذلك من التعبد، مثل ما عليه النصارى في الرهبانية، أو عليه المشركون في الطواف بالبيت، فهذا تعبد بما لم يشرعه الله، وتعبد الله بمعصيته سبحانه وتعالى، وتقرب إلى الله بمعصيته، وشرع دين لم يأذن به.
فالمسألة خطيرة جداً، كما تعبد أهل الجاهلية بالشرك وهذا أعظم، وهو موجود قديماً وحديثاً، فالذين يطوفون بالقبور، ويذبحون لها، وينذرون لها، ويقولون: هذا تقرب إلى الله {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣] ، {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨] هذا عند المشركين الأولين، وعند المشركين المعاصرين المنتسبين إلى الإسلام، ويقولون: هذا تقرب إلى الله جل وعلا بواسطة هؤلاء الصالحين: فهم شفعاؤنا، ويقربوننا إلى الله زلفى.