أي: الاحتجاج على الله سبحانه وتعالى بالقدر، وأنهم معذورون في كفرهم ومعاصيهم؛ لأن الله قدر ذلك عليهم.
والله جل وعلا ما ترك لهم حجة، بل إنه أعطاهم الاختيار، وأعطاهم القدرة، وأعطاهم المشيئة، وبيّن لهم طريق الخير، وبين لهم طريق الشر، وأعطاهم إمكانيات يستطيعون بها أن يفعلوا أو يتركوا، وليسوا مجبرين على ما يقولون، وأيضاً الله بيّن أنه لا يرضى لعباده الكفر، قال تعالى:{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧] وإن كان قدّره وشاءه فليس من لازم القدر الرضا، فالله يقدر الكفر وهو يبغضه؛ من أجل أن يتميز الناس بعضهم من بعض، ويتميز الصادق من الكاذب، ويتبين المؤمن من الكافر، ويتبين المنافق من
المؤمن الصحيح، فالله قدّر هذه الأمور المكروهة لحكمة منه سبحانه، ما قدرها عبثاً، ورتب الجزاء على أفعالهم التي يفعلونها باختيارهم.
ولذلك المجنون والمعتوه والمكره والنائم، لا يؤاخذون؛ لأنهم ليس عندهم اختيار، وليس عندهم عقل، مهما فعل لا يؤاخذ.
فمن أعطاه الله العقل والتفكير، ولم يكن مكرهاً على فعله، فإنه يؤاخذ؛ لأنه أقدم على الشر باختياره، فالزاني يزني باختياره، وتارك الصلاة يتركها باختياره، وعنده القدرة أنه يقوم يصلي، والزاني أيضاً بُيِّن له أن الزنا حرام، وعواقبه وخيمة، ورتب الله على الزنا حداً رادعاً، وأرسل الرسل تنهى عن الشرك والكفر، فكيف يحتجون على الله جل وعلا على معاصيهم وكفرهم وشركهم وضلالهم؟ وهم ليس لهم حجة على الله، وإنما الحجة لله عليهم {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}[الأنعام: ١٤٩] .
فلا يجوز الاحتجاج بالقدر إلا على المصائب، إذا أصابك مصيبة فلا تجزع، وقل: هذا قَدَرُ الله، وما شاء فعل، وتصبر وتحتسب. أما المعصية فلا يحتج عليها بالقدر، بل على العاصي أن يتوب إلى الله، وتجنب المعاصي والشرور، فالاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي هو فعل الجاهلية.