هذه المسألة أيضاً تتعلق بالقدر؛ لأن هناك من يعارضون شرع الله بقدره، ويقولون: كيف يقدر الله الكفر والإيمان، ثم يشرع لعباده الشرائع والأوامر والنواهي، مع أنها لا فائدة منها إذا كانت الأمور مقضية ومقدّرة، فإن الناس يعتمدون على القدر؟
وهذه من أخطر مسائل الجاهلية، ويتبعها كل من سلك هذا المسلك إلى يوم القيامة ممن يزعمون أن بين الشرع والقدر معارضة، وهذا مذهب باطل، فلا معارضة بين الشرع والقدر أبداً، فالله قدر الشرك والمعاصي والكفر، ونهى عن ذلك، وشرع الإيمان والاستقامة والصلاح، ولا معارضة بينهما؛ لأن العباد هم الذين يفعلون هذه الأفعال باختيارهم وإرادتهم
ومشيئتهم، فالفعل منسوب إليهم، ولذلك يعاقبون على المعاصي، ويثابون على الطاعات، وإن كانت مقدرة من الله سبحانه وتعالى، فإنهم إنما يجازون على فعالهم لا على القدر.
ولمّا بيّن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقال:"ما منكم من أحد إلا ومقعده معلوم من الجنة أو النار" قالوا: يا رسول الله، ألا نتكل على كتابنا ونترك العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم:"اعملوا، فكل ميسر لما خلق له" ١، فأنزل الله تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}[الليل: ٥-١٠] .
فالعبد يعمل من جانبه الخير، ويتجنب الشر، وأما القدر فهو سر الله سبحانه وتعالى، لا تبحث فيه؛ لأنه لا يعنيك، ولن تصل إلى نتيجة.
وقد تلخّص من هذه المسائل: أن الناس في القدر مع الشرع، انقسموا إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: من يثبت القدر، وينفي الشرع. وهم الجبرية.القسم الثاني:من يثبت الشرع، وينفي القدر. وهم القدرية.
القسم الثالث: من يثبت الشرع والقدر، ويزعم أن بينهما تناقضاً، وهم المشركون.
القسم الرابع: من يثبت الشرع والقدر، وينفي عنهما التناقض، وهم أهل السنة والجماعة.