الذين ينسبون الحوادث إلى الدهر هم الدهرية، وذلك أنهم إذا حلّ بهم مكروه فإنهم ينسبونه إلى الدهر، ويذمون الدهر من أجل ذلك. والواجب أن تنسب الأشياء إلى الخالق سبحانه وتعالى، والدهر إنما هو وقت مخلوق من مخلوقات الله، ليس عنده تصرف، وقد أنكر الله سبحانه على من يسند الحوادث إلى الدهر بقوله تعالى:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}[الجاثية: ٢٤] لأن هذا إنكار للآخرة وإنكار للبعث، {نَمُوتُ وَنَحْيَا} يموت ناس ويحيا ناس، ويقولون: رحم تدفع وأرض تبلع، ويقولون: هذه طبيعة الحياة، {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ينسبون الهلاك إلى الدهر، فسبب الموت عندهم مرور الليالي والأيام، وليس هناك آجال
مقدرة، ولا هناك مَلَك يقبض الأرواح عند انتهاء آجالها.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سب الدهر فقال:"لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر" ١ يعني: أن الله خالق الدهر، وأنَّ ما يجري في الدهر هو بتقدير الله، وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى:"يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار" ٢، فإذا سببت الدهر فقد سببت خالق الدهر سبحانه وتعالى، وهذا مما يؤذي الرب سبحانه وتعالى؛ لأن الذم يقع على الله؛ لأنه هو مصرِّف الأمور، ومقدِّر الآجال والمصائب وكل شيء، وأما الدهر فإنه زمان مخلوق لله عز وجل.
فيجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا، وإذا أصابهم شيء فإنهم يحاسبون أنفسهم، ويعترفون بذنوبهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[الشورى: ٣٠] فينبغي أن يذم الإنسان نفسه ويلومها ولا يذم الدهر.
١ بوّب البخاري في كتاب الأدب من صحيحه باباً وسمَّاه: باب "لا تسبوا الدهر" وأخرج فيه الحديث التالي وأخرجه مسلم (رقم ٢٢٤٦/٥) واللفظ له. ٢ أخرجه البخاري (رقم ٤٨٢٦، ٦١٨١، ٧٤٩١) ومسلم (رقم ٢٢٤٦) .