من مسائل أهل الجاهلية: تسمية التوحيد واتباع الحق: شركاً، وهذا من قلب الحقائق، أن يسموا التوحيد شركاً؛ وهذا لانتكاس الفطر، وهذه الآية نزلت في وفد نجران من النصارى، جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتفاوضون معه عليه الصلاة والسلام، فدخلوا عليه في المسجد، وأخذوا يتفاوضون معه، فالنبي صلى الله عليه وسلم عرض عليهم الدخول في الإسلام، وبيّن لهم أن الأنبياء جميعاً أخذ عليهم الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وأَحَدٌ منهم حيٌّ ليتبعنه، قال واحد منهم: أتريد يا محمد أن نعبدك؟ سمى اتباع الحق شركاً، وعبادة للرسول صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ... }[آل عمران: ٧٩]؛ لأن الأنبياء جاءوا بالتوحيد، ولم يجيئوا بالشرك، وما جاءوا بدعوة الناس إلى عبادتهم، حاشا وكلا، بل جاؤوا بإنكار ذلك، لكن هؤلاء من تعصبهم قالوا هذه المقالة، فأنزل الله هذه الآية، رداً عليهم.
وما أشبه الليلة بالبارحة! فهناك من يسمون إخلاص العبادة لله كفراً، وخروجاً عن الدين، ويسمونه شركاً، ويقولون: عبادة القبور هي التوحيد، وهي الإسلام؛ لأنها توسل بالصالحين ومحبة لهم، وعندهم أن الذي لا يعبد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يستغيث به، يكون مبغضاً للرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون جافياً في حق الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مثل قول نصارى نجران في اتباع الرسول أنه عبادة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا امتداد لمذهب أهل الجاهلية، كُلٌ سَمَّى الحق باطلاً، والباطل حقاً، والعياذ بالله.
والجهمية والمعتزلة سموا إثبات الصفات لله عز وجل شركاً.