افتراء الكذب على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتكذيب بالحق، من طريقة أهل الجاهلية، مثل ما قالوا – لما كانوا يطوفون بالبيت عراة -: {وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا}[الأعراف: ٢٨] وهذا من الكذب على الله، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}[الأنعام: ٢١] ، {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ٧٨]{إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ}[النحل: ١٠٥]{وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ}[النحل: ١١٦] .
وكذلك الذين يفترون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه جاء عنه كذا من الأحاديث، وهي كذب، والذي يحدث بهذا من غير توثّق ومن غير تثبّت، يكون أحد الكاذبين، ولهذا جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من حدّث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"١.
وهذا من حرفة أهل الجاهلية أنهم يفترون على الله الكذب، حيث زعموا أن الله أمرهم بكشف العورة في الطواف، وحرّموا ما أحلّ الله، وزعموا أن الله شرع لهم هذا {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ... }[النحل: ٣٥] ، {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا}[الأنعام: ١٤٨] ، {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}[الزخرف: ٢٠] ، وهذا كله كذب على الله سبحانه وتعالى، لأن الله جل وعلا أرسل الرسل لإنكار ما هم عليه.
فالحاصل: أن نسبة الكذب إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، هو من أمور أهل الجاهلية، فعلى المسلم أن يحذر من هذا العمل الخبيث، وقد لا يكذب هو على الله، لكن لا يتحرّى في نقل الأمور عن الله وعن رسوله، والفتاوى لا يتحرّى فيها، فإذا كان ما نقله خطأ، وهو لم يتثبت فيه، ونشره على الناس، فإنه يصير أحد الكاذبين، ويصير قد ضَرَّ الناس بهذا الشيء الذي نقله لهم ونشره بينهم.والواجب أن الأحاديث الموضوعة المكذوبة لا تروج، ولا تُروى، بل تحاصر وتضايق، وأن الوعاظ والدعاة يتثبتون فيما يقولون عن الله ورسوله. كذلك في أمور الحلال والحرام والفتوى، عليهم أن يتثبتوا في شأنها، وألا يتعجلوا فيها؛ لأن الخطأ فيها قول على الله بغير علم. وكذلك التكذيب بالحق الثابت عن الله ورسوله، لا يقل في الجريمة عن الكذب على الله ورسوله، كما قال تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ}[الزمر: ٣٢]، وذلك أنه إذا لم يوافق هواه، حاول رده بالتكذيب والتشكيك فيه، كفعل أهل الأهواء.
١ أخرجه مسلم في المقدمة باب رقم ١ وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين والتحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم