[كَوْنُهُم إذَا غُلِبُوا بالحُجَّةِ، فَزَعُوا إلى الشَّكْوى للمُلوك، كما قالوا:{أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}[الأعراف: ١٢٧]
الشرح
من مسائل أهل الجاهلية: أنهم كانوا إذا غلبوا بالحجة، لجأوا إلى الشكوى إلى السلطان، ومعنى "غلبوا بالحجة" أي: أقيمت عليهم الحجة، على بطلان ما هم عليه، ولم يكن لهم حجة يقاومون بها، فإنهم يلجأون إلى القوة لمنع القائم بالحق، كما قال فرعون لموسى عليه السلام {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩] لما لم يكن عنده حجة يرد بها على نبي الله، لجأ إلى قوة السلطان فقال:{لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء: ٢٩] ، وهذه طريقة المهزومين، وكذلك آل فرعون وهم أتباعه، لما انتصر عليهم موسى عليه السلام في المحفل العظيم الذي عقدوه، وجمع فرعون السحرة من مشارق الأرض ومغاربها؛ لأجل أن يبطل ما مع موسى من الآيات؛ لأنه يزعم أنه ساحر، فجمع السحرة، وطلب من موسى تحديد الموعد، من أجل عرض ما معه وما مع السحرة، من أجل أن يموّه على الناس أن عنده ما يقاوم ما مع موسى من المعجزة.
فلما حان الموعد واجتمع الناس من أجل مشاهدة ما يحصل، وألقى السحرة ما معهم من السحر، وامتلأ الوادي من سحرهم، وما معهم من العصي والحبال التي حشوها بالزئبق، وبمواد تحركها كأنها حيات، يريدون أن يضاهئوا ما مع موسى من المعجزة، وهي الحية التي تتحول من العصا التي معه، فجاؤوا بسحر عظيم، كما قال الله تعالى، حتى إن موسى عليه السلام خاف {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى}[طه: ٦٧] خاف أن يلبّسوا على الناس، وإلا فهو واثق بما معه، واثق بنصر الله، لكنه خاف أن يلبّسوا على الناس؛ لأنهم خافوا أن تصل إليهم، وعند ذلك: {فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ