من مسائل أهل الجاهلية: دعوى اليهود العمل بما عندهم من الحق، مع تركهم إياه، كما قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}[البقرة: ٩١] ، {بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}[البقرة: ٩١] قيل: معناه: بما أنزل على رسلنا من أنبياء بني إسرائيل؛ لأن هذه الآية في اليهود {قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}[البقرة: ٩١] أي: ما أنزل على بني إسرائيل، مع أن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يخالف ما جاءت به رسلهم {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ} يعني: غيره، مما أنزل على عيسى ومحمد {وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ}[البقرة: ٩١] فالذي جاء به عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، هو موافق لما جاء به أنبياؤهم من الحق،
ومبيّن لما أدخلوه في كتابهم من التحريف والتكذيب والتضليل، هذا من ناحية.
والناحية الثانية: أنهم غير صادقين في هذه المقالة، بدليل ارتكابهم هذه الجرائم المذكورة في قوله تعالى ردًّا عليهم {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ}[البقرة:٩١،٩٢) ] هذا رد عليهم، فالله رد عليهم بردين: الرد الأول: أنّ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يخالف ما جاء به موسى من توحيد الله وإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه؛ بل هو مصدّق لذلك.
والأمر الثاني: أنهم غير صادقين حتى فيما ادعوا أنهم يؤمنون به، حيث عبدوا العجل، وقتلوا الأنبياء، وقولهم:{سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}[البقرة: ٩٣] وعدم وفائهم بالميثاق الذي أخذ عليهم، وهذا يتناول كل تعصب مذموم، أن يقول الإنسان: أنا لا أعمل إلا بما هو في مذهبي، أو مذهب إمامي؛ لأنه يجب عل المسلم أن يتبع الحق في مذهبه أو في غير مذهبه، مع إمامه أو مع غيره، يقبل الحق ولا يتعصب التعصب المذموم.