مما عليه أهل الجاهلية من أهل الكتاب وغيرهم: اتخاذ قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، وهذا كان ولا يزال عند اليهود والنصارى، وعند مشركي العرب، وعند المنتسبين إلى الإسلام ممن يعبدون القبور والأضرحة، وأهل الكتاب هم أول من عمل ذلك، قال صلى الله عليه وسلم:"إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد" يعني: مصليات يصلون عندها؛ لأن الصلاة عندها وسيلة إلى عبادتها، وإن كان المصلي يصلي لله، لكن إذا صلى عند القبر واستنجد به واستغاث بهن كما يقال الآن عند الأضرحة؟ هذا من دين الجاهلية، من يهود ونصارى وغيرهم، قال صلى الله عليه وسلم، لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة رضي الله تعالى عنها عما رأتاه في أرض الحبشة من الكنايس وما فيها من التصاوير؛ لأن أم سلمة وأم حبيبة قد هاجرتا إلى الحبشة مع زوجيهما الهجرة الأولى، فرأتا في بلاد الحبشة
الكنائس المزخرفة، بها الصور، فذكرتا ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح، أو العبد الصالح، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله" ١.
فمن دين الجاهلية: اتخاذ الأولياء والصالحين أرباباً من دون الله عز وجل، يزعمون أنهم يقربونهم إلى الله زلفى، وأنهم يشفعون لهم عند الله، كما قال تعالى:{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ}[يونس: ١٨] ، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣] وهؤلاء لا يعتقدون فيهم أنهم يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون، بل لا يعترفون أن هذا خاص بالله عز وجل، وإنما اتخذوهم وسائط بينهم وبين الله وشفعاء، فصرفوا لهم أنواعاً من العبادات؛ من أجل أن يقرِّبوهم إلى الله زلفى. فهذا دين الجاهلية، وعليه عُبَّاد القبور اليوم، نسأل الله العافية والسلامة.
ومن الغلو في القبور وأصحابها البناء عليها وإسراجها ووضع الستائر عليها والكتابة عليها وتجصيصها وغير ذلك من مظاهر الغلو. ولهذا نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله.