قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ}[النساء: ٥١] ، والجبت، قيل: هو السحر، وقيل: الشيطان، والطاغوت: من تجاوز حدود الله.
وسبب نزول الآية: أن اليهود الذين كانوا بالمدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وعقد معهم المعاهدة على ألا يقاتلوا المسلمين، وأن يدافعوا عن المدينة مَنْ قَصَدها، وأعطوا العهد على ذلك، فلما ضاقوا بالنبي وبأصحابه ذرعاً، ورأوا أن الإسلام ينتصر وينمو، ذهب سادتهم إلى قريش بمكة يستنجدون بهم على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويريدون منهم أن يذهبوا معهم القتال النبي صلى الله عليه وسلم، فألهم الله قريشاً أن يسألوا هؤلاء وقالوا لهم: أنتم أهل كتاب، فأينا على الحق، محمد صلى الله عليه وسلم أم نحن؟!
قالوا: ماذا أنتم عليه؟! قالوا: نحن نكرم الضيف، ونصل الأرحام، ونسقي الحجيج، وكذا وكذا، وأما محمد فإنه سبَّ آلهتنا، وعاب ديننا، وخالف دين أجداده، وقطع أرحامنا و ... و...و ... ، فقالوا لهم: أنتم على الحق، ومحمد على باطل. وهم يعلمون أن محمداً على الحق، وهو رسول الله، وأن هؤلاء عبدة أصنام وأوثان، فقال الله فيهم:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}[النساء: ٥١] ولاحظوا كيف أن الله قال: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} ، مع أن الأمر موافقة في الظاهر فقط، وسماه إيماناً، فدل على أن الموافقة للكفار على ما هم عليه من غير إكراه إيمان بما هم عليه، ولو لم يعتقد بقلبه.
وهناك أناس الآن يقولون: إن الإنسان لا يكفر ولو قال الكفر حتى يعتقد بقلبه، فلو قال كلام الكفر من غير إكراه، وفعل أفعال الكفر، وسب الله ورسوله، وفعل ما فعل، فإنه لا يُكفَّر عند هؤلاء حتى يُعلم ما في قلبه. وهذا مذهب غلاة المرجئة، نسأل الله العافية والسلامة.