أي: أن أهل الجاهلية يجادلون ويخاصمون فيما ليس لهم به علم. والواجب أن الإنسان لا يجادل إلا بعلم، أما ما لا يعلمه فإنه يسكت عنه، قال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}[يونس: ٣٩] يعني: وحقيقته التي يؤول إليها. وهذا يتضمن ناحيتين:
الناحية الأولى: أن الإنسان لا يدخل فيما لا يعلم، ولا ينكر ما لا يعلم، بل يقول: الله أعلم؛ ولهذا يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}[طه: ١١٤] ، فالإنسان لا يدعي أنه أحاط بالعلم، بل يتقاصر، ويعرف قدر نفسه، ولو كان عنده علم كثير، فما خفي عليه أكثر، والله جل وعلا يقول:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: ٧٦] حتى ينتهي العلم إلى الله سبحانه وتعالى.
الناحية الثانية: أنه لا ينكر الشيء الذي يعلمه غيره، فإذا كان عند غيرك علم خفي عليك، فلا تنكر ما عند غيرك، فما أحد من البشر أُعطي العلم كله، ولهذا يقول العلماء: هذه العبارة التي يكررونها دائماً: "من حفظ حجة على من لم يحفظ".
والدهريون والمشركون ومعطلة الصفات وسائر أهل الضلال، أنكروا ما أنكروه؛ لجهلهم به، وكونه لا تدركه عقولهم؛ لأنهم لا يؤمنون بالغيب، وبنوا مذاهبهم على القياس الفاسد، فضلوا عن سواء السبيل.