الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء﴾ [النساء: ٤٨]، وقال: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار (٧٢)﴾ [المائدة]، ومنه الذبح لغير الله، كمن يذبح للجن أو للقبر.
يقول الشيخ ﵀:«اعلم أن نواقض الإسلام عشرة»، لعله يريد: إن أهم نواقض الإسلام، أو أصول نواقض الإسلام عشرة، وإلا فنواقض الإسلام تفصيلًا كثيرة، والفقهاء في باب «حكم المرتد» ذكروا أمثلة كثيرة مما يوجب الردة والخروج عن الإسلام، ولكن الشيخ ذكر هذه العشرة؛ لأنها أصول أو جوامع لأسباب الردة، يقول الشيخ ﵀:
«الأول: الشرك في عبادة الله»: وذلك بصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، واتخاذ ند مع الله؛ كما قال ﷺ:«مَنْ مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار»(١)، وقال ﷾: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَندَاداً و أَنتُمْ تَعْلَمُون(٢٢)﴾[البقرة]، وهذا الشرك هو الشرك الأكبر؛ لأن الشرك في الشرع نوعان:
- شرك أكبر.
- وشرك أصغر.
والشرك الأكبر يناقض أصل التوحيد، ويشمل الشرك في الربوبية، وفي الإلهية وفي أسماء الله وصفاته، ولكن الشرك في العبادة هو الغالب على الأمم؛ قديمًا وحديثًا.
والشرك في العبادة أن يعبد غير الله مع الله، فالناس بالنسبة للاستسلام لله ثلاثة:
الأول: الموحد: وهو من استسلم لله بإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
الثاني: المشرك: وهو من استسلم له ولغيره، بأن عبده وعبد معه غيره.
الثالث: المستكبر: وهو من لم يستسلم لله أصلًا، بل استنكف عن عبادة الله.
فالمسلم الموحد إذا أشرك ارتد عن الإسلام. أما من كان مشركًا من الأصل فهذا لا نسميه مرتدًا؛ لأنه لم يسلم أصلًا. فالكافر عند أهل العلم نوعان:
الأول: كافر أصلي: مثل اليهودي أو النصراني أو البوذي أو غيرهم من طوائف الكفر.
الثاني: المرتد، وهو من أسلم ثم وقع في موجب من موجبات الردة والكفر.
وذكر الشيخ من أدلة هذا النوع قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء﴾ [النساء: ٤٨]، وقوله ﷾: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار (٧٢)﴾ [المائدة]، وقال ﷾: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين (٦٥)﴾ [الزمر].
هذا هو الشرك الأكبر، وله ثلاث خصائص:
أولًا: أنه لا يغفر.
الثاني: أنه موجب للخلود في النار، وتحريم الجنة على صاحبه.
الثالث: أنه يحبط جميع الأعمال.
فمن عبد مع الله غيره، فكل عبادة يعبد الله بها فهي حابطة؛ بل إن عبادته لله لا تسمى عبادة، كما قال الشيخ في بعض مسائل كتاب التوحيد: أن من لم يأت به لم يعبد الله (١).
ومن أمثلة الشرك «الذبح لغير الله»، فالذبح لله تقربًا من أنواع العبادة، وقد قرن الله التقرب بالذبح إليه بالصلاة، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (١٦٢)﴾ [الأنعام]، وقال تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر (٢)﴾ [الكوثر]؛ فمن ذبح لغير الله يتقرب إليه كالذبح للجن، أو لصاحب قبر، أو لشجرة أو حجر كما هي طريقة أهل الجاهلية الأولى، فقد أشرك.
والشيخ نص على الذبح للجن؛ لأن بعض المسلمين يذبح للجن؛ لاعتقاده أنهم آذوه، فيريد أن يكف شرهم عنه بالذبح لهم، أو يذبح لهم بأمر بعض المضللين الخرافيين لأجل الاستشفاء، فالذبح لغير الله تقربًا إليه من أنوع الشرك في العبادة، كمن يصلي لغير الله، فمن صلَّى لصاحب قبر من نبي أو صالح أو أي معبود يتقرب إليه من دون الله، فقد أشرك.
(١) كتاب التوحيد (٩)، بمعناه.
شرح نواقض الإسلام،ص:16ـ19.
(١) رواه البخاري (٤٤٩٧) من حديث عبد الله بن مسعود ﵁.