هذا هو الناقض السابع من النواقض: السحر، والسحر من علم الشياطين، قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ﴾ [البقرة: ١٠٢].
قال:«ومنه الصرف والعطف»، والصرف: هو السحر الذي يقصد به تنفير الأحبة بعضهم عن بعض؛ كالتفريق بين الزوجين ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾، وهذا صرف فيه تأثير على النفوس حتى ينصرف الزوج عن زوجته، أو الزوجة عن زوجها، أو ينصرف الأخ عن أخيه أو الولد عن أمه أو عن أبيه، أو الصديق عن صديقه.
وقد ذكر في الآية التفريق بين الزوجين؛ لأنه أكثر ما يُتعاطى، وإلا فغيره من أنواع الصرف يدخل في مضمون الآية.
والعطف: هي التولة التي ذكرها النبي ﷺ في حديث «إن الرقى والتمائم والتولة شرك»(١).
قال الشيخ في كتاب التوحيد:«والتولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل إلى امرأته»(٢).
وهذا التحبيب الذي ليس طبعيًا ولا عقليًا، ولا بالأسباب المعتادة، بل هو تأثير سحري، يجعل في المسحور حب مفرط، فيتصرف تصرفات يخرج بها عن حدود العقل والحياء والحشمة.
يقول الشيخ:«من عمله أو رضي به كفر»؛ لأن من رضي بالكفر، فهو كافر.
وقد ذكر الله شأن السحر في مواضع من القرآن، منها قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ الآية [البقرة: ١٠٢].
كما ذكر قصة سحرة فرعون في مواضع متعددة من القرآن، يقول ﷾: ﴿قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (٦٨)﴾ [طه]، وفي الآية الأخرى يقول تعالى: ﴿قَالَ أَلْقُوْا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيم (١١٦)﴾ [الأعراف]، وفي هاتين الآيتين دلالة على أن سحرهم كان تخييليًا.
(١) رواه أبو داود (٣٨٨٣) من حديث عبد الله بن مسعود ﵁، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (٣٣١). (٢) كتاب التوحيد (٣٠).
سحر حقيقي: كالسحر الذي يفرق به بين الزوجين والصديقين ونحوهما.
- وسحر تخييلي: وهو الذي يخيل فيه على الأبصار، بحيث إن الإنسان المسحور يرى الأشياء على غير حقيقتها، فقد يرى - مثلًا - الحمار إنسانًا، أو الإنسان حيوانًا، أو الحصى ذهبًا، أو الحبال حيات تسعى كما فعل سحرة فرعون.
أما أن السحر يقلب الأعيان، فهذا لا يمكن، فالساحر لا يستطيع أن يقلب الإنسان حيوانًا، أو يقلب الحيوان إنسانًا، أو يقلب الذهب حجرًا، أو الحجر ذهبًا، يجب أن يُفهم هذا الأمر، وأنه لا يقدر على قلب الأعيان إلا الله الذي خلق كل شيء ﷾، والساحر إنما غايته عمل التخييل والتمويه على البصر قال تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيم (١١٦)﴾ [الأعراف].
وكلا السحرين من علم الشياطين، وكلاهما كفر. قال ﷾: ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩)﴾ [طه]؛ فنفى الفلاح عن الساحر مطلقًا.
والسحر إنما كان كفرًا؛ لأنه يقوم على الشرك ولا ينفك عنه؛ لأن الساحر يتقرب إلى الشياطين، ويعبدهم، ويطيعهم؛ فيطيعونه ويعينونه على ما يريد من الفساد والإفساد.