«الثامن» من النواقض: «مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين» معاونتهم على المسلمين بشتى طرق المعاونة، وشرها معاونتهم على قتال المسلمين، فالشيخ يقول: إنه من نواقض الإسلام، ويستدل على ذلك بقوله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين (٥١)﴾ [المائدة]. وظاهره الإطلاق، وأن أي معاونة للكفار على المسلمين، فإنها كفر وردة، وناقض من نواقض الإسلام.
فأما إذا كانت المظاهرة للكفار على المسلمين نابعة عن بغضٍ للإسلام والمسلمين والرغبة في إذلال المسلمين؛ فهذا هو عمل المنافقين، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُون (١١) لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُون (١٢)﴾ [الحشر].
وأما إذا كانت المظاهرة ليست في أمور القتال، وإنما في أمر من الأمور التي قد تحقق للكفار مصلحة، وتكون هذه المعاونة لغرض
دنيوي، إما رغبة أو رهبة مع بغض الكفار والبراءة من دينهم؛ فهذه فيها نظر، ويمكن أن يُستدلَ على أن ذلك لا يكون كفرًا بقصة حاطب بن أبي بلتعة ﵁؛ وذلك أن حاطبًا كان من المهاجرين، وكان ممن شهد بدرًا، وكان له بمكة أولاد ومال، ولم يكن من قريش أنفسهم؛ بل كان حليفًا لهم، فلما عزم رسول الله ﷺ على فتح مكة حين نقض أهلها العهد، فأمر النبي ﷺ المسلمين بالتجهز لغزوهم، وقال:«اللهم عَمِّ عليهم خبرنا»(١)، فعمد حاطب فكتب كتابًا وبعثه إلى أهل مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله ﷺ من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم يدًا، فأطلع الله تعالى على ذلك رسول الله ﷺ استجابة لدعائه، فبعث عليًا والزبير والمقداد قال:«انطلقوا حتى تأتوا روضة خَاخٍ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها»، قال علي: فانطلقنا تعادَى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، قالت: ما معي كتاب، قلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، قال: فأخرجت الكتاب من عِقاصها (٢)، فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله، فقال رسول الله ﷺ:«يا حاطب ما هذا؟!»(٣)، قال: لا تعجل علي، إني كنت امرأ ملصقًا في قريش ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله ﷺ:«إنه صدقكم»، فقال عمر ﵁:دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال رسول اللهﷺ:«إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، فأنزل الله قوله تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيل(١)﴾[الممتحنة]إلخ السورة(١)، وقد ختمت السورة بمثل البداية قال تعالى:﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور(١٣)﴾[الممتحنة].
(١) رواه البخاري (٤٨٩٠)، ومسلم (٢٤٩٤) من حديث علي بن أبي طالب ﵁.
(١) رواه الطبراني في «الكبير» (١٠٥٢) من حديث ميمونة بنت الحارث ﵂، قال الهيثمي: وفيه يحيى بن سليمان بن نضلة، وهو ضعيف. مجمع الزوائد (١٠٢٣٢). (٢) أي: ضفائرها، لسان العرب (٧/ ٥٥). (٣) لما بلغت في القراءة هذا الموطن؛ بكى الشيخ.