الإعراض عن دين الله تعالى؛ لا يتعلمه ولا يعمل به. والدليل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون (٢٢)﴾ [السجدة]، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد، والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا، ومن أكثر ما يكون وقوعًا؛ فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم.
«العاشر» من النواقض: «الإعراض عن دين الله تعالى؛ لا يتعلمه ولا يعمل به».
من ضروب الكفر: كفر الإعراض، فمن الكفار من يعرض عن دعوة الرسول ﷺ؛ لا يصغي لها ولا يدري عنها، يُدعى فلا يُصغي، ولا يتفكر ولا يتأمل.
ثم إذا كان الإنسان مظهرًا للإسلام شاهدًا للشهادتين، لكنه أعرض عن دين الله، فلا يهمه حلال ولا حرام، ولا يعمل بشيء من دين الله، ولا يسأل عن شيء، فهو لا يصلي، ولا يصوم، ولا يحج، ولا يتصدق لله، ولا يذكر الله، ولا يتلو شيئًا من القرآن، ولا يترك الزنا خوفًا من الله، ولا يترك شرب الخمر خوفًا من الله، فإن تركه؛ فإنما لأنه لا يتهيأ له، فهل يمكن أن يكون مسلمًا؟!
لا يمكن أبدًا؛ لأن هذا الإعراض الكلي مناقض للشهادتين، فلو كان صادقًا لعمل بشيء من دين الله.
والكلام على هذا غير الكلام على بعض الأعمال التي يختلف أهل العلم: هل تركها كُفْرٌ أم لا؟ كالصلاة مثلًا، فهذا موضوع آخر، فترك الصلاة فيه خلاف بين أهل العلم، ولا ريب أن الذي لا يصلي أبدًا، أو لا يصلي إلا مجاملة للناس؛ أنه كافر.
واستدل الشيخ لهذا الناقض بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُون (٢٢)﴾ [السجدة]، وفي الآية الثانية: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (٥٧)﴾ [الكهف]، وقال ﷾: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُون (٣)﴾ [الأحقاف]، فهذا الذي يدَّعي الإسلام، ويشهد الشهادتين، ثم هو معرض كل الإعراض عن دين الله، هذا الإعراض يكذِّب ما يدعيه من شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا النوع تجده إن عمل شيئًا، عمله نفاقًا، فإذا صار بين الناس وقاموا يصلون قام يصلي. أما إذا خلا، فلا يصلي ولا يصوم؛ لأن هذه أعمال لا يفعلها الإنسان خاليًا إلا إذا كان مؤمنًا بالله ورسوله، وبأنها أعمال صالحة تنفعه.
وقد ختم الشيخ هذه النواقض ببيان أنه لا فرق فيها بين الجاد والهازل، فمن عمل شيئًا من هذه الأمور، ولو كان غير جاد كما تقدم في الاستهزاء (١)، أو عملها خائفًا فإنه يكفر، إلا المكره؛ لقوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم (١٠٦)﴾ [النحل]؛ فمن أكره بالتهديد بالقتل، أو الضرب الموجع على أن يقول - مثلًا -: إن الرسول كذَّاب، وقال بلسانه ما يتخلص به من ذلك البلاء، وقلبه مطمئن بالإيمان؛ فليس بكافر.
والقلب لا يستطيع أحد أن يتسلط على ما فيه من اعتقاد ويكره على تركه، ولهذا جرت أحكام الدنيا على الظاهر، فالمنافق يعيش بين المسلمين منافقًا، وقلبه منطوٍ على الكفر، والمؤمن بين الكفار الذين لا يستطيع أن يتخلص من شرهم يعيش مؤمنًا بالله، وهو في ظاهره كافر؛ لأنه في بعض بلاد الكفر لا يسمحون لأحد من المؤمنين بإظهار الإسلام، كما فعلت الشيوعية، فكان من يحمل المصحف، أو يظهر الإسلام، مصيره إلى الشنق، أو الإحراق.
وقوله:«وكلها من أعظم ما يكون خطرًا ومن أكثر ما يكون وقوعًا».
تأمل هذا في الواقع! فما أكثر الشرك بالله الواقع بين الناس؛ كعبادة القبور وغيرها، والسحر ما أكثره فيما بين الناس في سائر البلاد الإسلامية، وما أكثر المستهزئين بالله وآياته ورسوله، وما أكثر المعرضين