أما الأول فقال ابن حجر الهيتمي في " الزواجر "(١ / ١٢١) :
واتخاذ القبر مسجدا معناه الصلاة عليه أو إليه
فهذا نص منه على أنه يفهم الاتخاذ المذكور شاملا لمعنيين أحدهما الصلاة على القبر
وقال الصنعاني في " سبل السلام "(١ / ٢١٤) : " واتخاذ القبور مساجد أعم من أن يكون بمعنى الصلاة إليها أو بمعنى الصلاة عليها "
قلت: يعني أنه يعم المعنيين كليهما ويحتمل انه أراد المعاني الثلاثة وهو الذي فهمه الإمام الشافعي رحمه الله وسيأتي نص كلامه في ذلك ويشهد للمعنى الأول أحاديث:
الأول: عن أبي سعيد الخدري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها "(٣١)
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر "(٣٢)
الثالث: عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اار وسئل عن الصلاة وسط القبور قال: ذكر لي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائيل اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد فعلنهم الله تعالى "(٣٣)
وأما المعنى الثاني: فقال المناوي في " فيض القدير " حيث شرح الحديث الثالث المتقدم:
أي اتخذوها جهة قبلتهم مع اعتقادهم الباطل وإن اتخاذها مساجد لازم (٣٤) لاتخاذ المساجد عليها كعكسه وهذا بين به سبب لعنهم لما فيه من المغالاة في التعظيم. قال القاضي (يعني البيضاوي) : لما كانت اليهود يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة ويتوجهون في الصلاة نحوها فاتخذوها أوثانا لعنهم الله ومنع المسلمين عن مثل ذلك ونهاهم عنه
قلت: وهذا معنى قد جاء النهي الصريح عنه فقال صلى الله عليه وسلم:
لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها
(٣٥)
(٣١) - رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق ٦٦ / ٢) وإسناده صحيح وقال الهيثمي (٣ / ٦١) : " ورجاله ثقات " (٣٢) - ٢ رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (٣ / ١٤٥ / ٢) وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا وقال المقدسي: وعبد الله بن كيسان قال فيه البخاري: منكر الحديث قال أبو حاتم الرازي ضعيف وقال النسائي ليس بالقوي " إلا أني لما رأيت ابن خزيمة والبستي أخرجا له أخرجناه " (٣٣) - رواه عبد الرزاق (١٥٩١) وهو مرسل صحيح الإسناد وموضع الشاهد منه أن عمرا استشهد بالحديث على النهي عن الصلاة بين القبور فد على أنه يعني المعنى المذكور (٣٤) - يعني: يلزم من السجود إليها بناء المساجد عليها كما يلزم من بناء المساجد عليها السجود إليها وهذا امر واقع مشاهد (٣٥) - رواه مسلم (٣ / ٦٢) وأبو داود (١ / ٧١) والنسائي (١ / ١٢٤) والترمذي (٢ / ١٥٤) والطحاوي في " شرح المعاني" (١ / ٢٩٦) والبيهقي (٣ / ٤٣٥) وأحمد (٤ / ١٣٥) وابن عساكر (٢ / ١٥١٢ و ١٥٢ / ٢) من حديث
أبي مرثد الغنوي وقال احمد: " إسناده جيد "
وقول الشيخ سليمان حفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رحمهم الله ف) في حاشيته على " المقنع
(١١٢٥) : " متفق عليه ". وهم منه
ثم عزاه (ص ٢٨١) لمسلم وحده فأصاب: وله [على علمه وفضله] من مثل هذا التخريج أوهام كثيرة جدا يجعل الاعتماد عليه في التخريج غير موثوق به وأنا أضرب على ذلك بعض الأمثلة الأخرى تنبيها لطلاب العلم ونصحا لهم وإنما الدين النصيحة.