وأما المعنى الثالث: فقد قال به الإمام البخاري فإنه ترجم للحديث الأول بقوله " باب ما يكره من اتخاذ القبور مسجدا على القبور "
فقد أشار بذلك إلى أن النهي عن اتخاذ القبور مسجدا يلزم منه النهي عن بناء المساجد عليه وهذا أمر واضح وقد صرح به المناوي آنفا وقال الحافظ ابن حجر في شرح الحديث:" قال الكرماني: مفاد الحديث منع اتخاذ القبر مسجدا ومدلول الترجمة اتخاذ المسجد على القبر ومفهومها متغاير ويجاب بأنهما متلازمان وإن تغاير المفهوم " ، وهذا المعنى هو الذي أشارت إليه السيدة عائشة رضي الله عن ها بقولها في آخر الحديث الأول:
فلولا ذاك أبرز قبره غير انه خشي أن يتخذ مسجدا
إذ المعنى فلولا ذاك اللعن الذي استحقه اليهود والنصارى بسبب اتتخاذهم القبور مساجد المستلزم البناء عليها لجعل قبره صلى الله عليه وسلم في أرض بارزة مكشوفة ولكن الصحابة رضي الله عن هم لم يفعلوا ذلك خشية أن بينى عليه مسجد من بعض من يأتي بعدهم فتشملهم اللعنة
ويؤيد هذا ماروى ابن سعد (٢ / ٢٤١) بسند صحيح عن الحسن وهو (البصري) قال: ائتمنروا (٣٧) أن يدفنوه صلى الله عليه وسلم في المسجد فقال عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واضعا رأسه في حجري إذ قال: قاتل الله أقواما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد واجتمع رأيهم أن يدفنوه حيث قبض في بيت عائشة
قلت: هذه الرواية على إرسالها تدل على أمرين اثنين:
أحدهما: أن السيدة عائشة فهمت من الاتخاذ المذكور في الحديث انه يشمل المسجد الذي قد يدخل فيه القبر فبالأحرى أن يشمل المسجد الذي بني على القبر
الثاني: أن الصحابة أقروها على هذا الفهم ولذلك رجعوا إلى رأيها فدفنوه صلى الله عليه وسلم في بيتها
فهذا يدل على أنه لا فرق بين بناء المسجد على القبر أو إدخال القبر في المسجد فالكل حرام لأن المحذور واحد ولذلك قال الحافظ العراقي:
فلو بنى مسجدا يقصد أن يدفن في بعضه دخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرط ان يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفة وقفه مسجدا (٣٨).