لأن الستر لا يتحقق إلا به وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة وفي ذلك يقول -صلى الله عليه وسلم:
"سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت، العنوهن فإنهن ملعونات".
زاد في حديث آخر:
"لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا" ١.
قال ابن عبد البر:
"أراد -صلى الله عليه وسلم- النساء اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات في الحقيقة"١.
وعن أم علقمة بن أبي علقمة قالت:
"رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت على عائشة وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها"٢.
١ نقله السيوطي في "تنوير الحوالك" "٣/ ١٠٣". ٢ أخرجه ابن سعد "٨/ ٤٦": أخبرنا خالد بن مخلد: حدثنا سليمان بن بلال عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه. وهذا سند رجاله على شرط الشيخين، غير أم علقمة هذه، واسمها مرجانة، ذكرها ابن حبان في "الثقات" "٥/ ٤٦٦"، وقال الذهبي: "لا تعرف". قلت: فمثلها لا يحتج بها، وإنما يستشهد بروايتها، ورواية البخاري لها تعليقًا؛ لا يعني أنها ثقة عنده، خلافًا لما يوهمه كلام الأستاذ المودودي في تعقيبه "ص١٦"، وقد رواه مالك "٣/ ١٠٣" عن علقمة نحوه مختصرًا، وفيه: "وكستها خمارًا كثيفًا"، ومن طريقه أخرجه ابن سعد أيضًا، والبيهقي "٢/ ٢٣٥"، وسكت عليه الذهبي في "مختصره" "١/ ٤٠/ ١"، ولكنه قال في متن آخر بهذا السند "١/ ٦٣/ ٢": "إسناد قوي". وفيه نظر؛ لقوله في "الميزان": "أم علقمة لا تعرف". وفي قول عائشة -رضي الله عنها: "أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟! "؛ إشارة إلى أن من تسترت بثوب شفاف؛ أنها لم تستتر، ولم تأتمر بقوله تعالى في السورة المشار إليها: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} ، وهذا بين لا يخفى. "تنبيه": مدار هذا الأثر على أم علقمة هذه عند مالك وابن سعد، وقد أخرجه سعيد بن منصور وابن مردويه مثل رواية ابن سعد، إلا أنه لم يقع عنده تسمية التي دخلت على عائشة، فتوهم الأستاذ المودودي أنها رواية أخرى غير رواية مالك عن أم علقمة، فجعلها شاهدة لرواية مالك! والطريق واحد!.
جلباب المرأة المسلمة،ص:125إلى127.
١ أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" "ص٢٣٢" من حديث ابن عمرو بسند صحيح، والحديث الآخر أخرجه مسلم من رواية أبي هريرة، وقد تكلمت عليهما مفصلًا في "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب"، ثم في "الأحاديث الصحيحة" "١٣٢٦"، و"تخرج أحاديث الحلال والحرام" "٨٥".