الحياة السياسية، والحياة الثقافية، والحياة الاقتصادية، وما أشبه ذلك من العبارات المأخوذة من اللغات الأوربية
اللفظ / العبارة'
الحياة السياسية، والحياة الثقافية، والحياة الاقتصادية، وما أشبه ذلك من العبارات المأخوذة من اللغات الأوربية
متعلق اللفظ
مسائل لغوية
الحكم الشرعي
لا يصح
القسم
المناهي اللفظية
Content
الحياة السياسية، والحياة الثقافية، والحياة الاقتصادية، وما أشبه ذلك من العبارات المأخوذة من اللغات الأوربية بعد ترجمتها ترجمة فاسدة قولهم: الحياة السياسية والحياة الفكرية، والحياة الاقتصادية، والحياة الزوجية، فيكون للشخص الواحد أنواع من الحياة، والحياة في كلام العرب واحدة، وهي نقيض الموت، كما في لسان العرب والقاموس وغيرهما، وتستعمل في المجاز على النحو الذي ذكره الراغب في غريب القرآن حيث قال:
الحياة تستعمل على أوجه، الأول للقوة النامية الموجودة في النبات والحيوان، ومنه قيل: نبات حي، قال عز وجل {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} وقال تعالى: {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا}{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.
الثاني: للقوة الحساسة، وبه سمي الحيوان حيوانًا، قال عز وجل:{وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} وقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فقوله: إن الذي أحياها، إشارة إلى القوة النامية. وقوله: لمحيي الموتى، إشارة إلى القوة الحساسة.
الثالث: للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} وقول الشاعر: لقد ناديتَ لو أسمعتَ حيًا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
والرابع: عبارة عن ارتفاع الغم، وبهذا النظر قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت ... إنما الميت ميت الأحياء
وعلى هذا قوله عز وجل:{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم} أي هم متلذذون لما روى في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء.
والخامس: الحياة الأخروية الأبدية، وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هي العقل والعلم قال الله تعالى:{اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} وقوله {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} يعني بها الحياة الأخروية الدائمة.
والسادس: الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حي، فمعناه: لا يصح عليه الموت، وليس ذلك إلا لله عز وجل.
والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان: الحياة الدنيا والحياة الآخرة قال عز وجل: «فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» وقال عز وجل: {اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} وقال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} أي الأعراض الدنيوية، وقال:{وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} أي حياة الدنيا.
وقوله عز وجل:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن شوائب الآفات الدنيوية. وقوله عز وجل:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}
أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة الناس. وقال عز وجل:{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} أي من نجاها من الهلاك. وعلى هذا يكون قوله مخبرا عن إبراهيم:{رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ، قَالَ: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} أي أعفو فيكون إحياء. اهـ
فالحياة في اللغة نقيض الموت قال تعالى في سورة الملك:(٢){الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} قال البيضاوي: قدرهما، أو أوجد الحياة وأزالها حسبما قدره، وقدم الموت لقوله:{وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}. اهـ
وقال تعالى في سورة النجم (٤٤){وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} ومقابلة الموت بالحياة في الكتاب العزيز، جاءت في مواضع كثيرة.
ومن الاستعمال الفاسد، قولهم: فلان اعتزل الحياة السياسية. يريدون بذلك، اعتزل السياسة، فيقحمون لفظ الحياة تقليدًا للغات الأجنبية، وليس في إقحامه فائدة، ولكنه يخدش وجه البلاغة العربية ويمسخها. والحاصل أن الإنسان ليس له إلا حياة واحدة، متى زالت مات، فيجب على الأديب أن ينزه كلامه عن ذلك الاستعمال، ولا يستعمل لفظ الحياة إلا في الموضع المناسب له كما جاء في كتاب الله. وفي لسان العرب، سواء أراد الحقيقة أو المجاز.
قوله إيضاح لكلام الراغب:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا} قال البيضاوي: مثل به من هداه الله سبحانه وتعالى، وأنقذه من الضلال، وجعل له نور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء، فيميز بين الحق والباطل، والمحق والمبطل. اهـ
أقول: شبه الله الضالين الذي لا يهتدون إلى الحق، ولا يتمسكون به بالأموات. وأهل الهدى والاستقامة بالأحياء فالمراد بالقوة العاملة العاقلة في كلام الراغب التي تعمل عملا صالحا، وتعقل الحق وتميزه من الباطل.
قوله (وقد ناديت) البيت: يروى بعده:
ولو نارا نفخت بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد
شبه الشاعر من يدعى إلى النجدة وعمل الخير والإحسان ولا يستجيب لذلك بالميت، فنفى عنه الحياة، وشبهه في البيت الثاني بالرماد الذي لم يبق فيه شيء من النار. وشبه من يدعوه إلى فعل الخير والإحسان بمن ينفخ في رماد، راجيا أن يوقد منه نارًا. ومثل ذلك قولهم: فلان يضرب في حديد بارد، قال الشاعر يهجو رجلا اسمه سعيد، ويصفه بالبخل:
هيهات تضرب في حديد بارد ... إن كنت تطمع في نوال سعيد
والصواب أن يقال: الشؤون الاقتصادية، والشؤون السياسية، والشؤون المنزلية، والشؤون الزوجية، الخ. ويقال: اعتزل التمثيل بدلًا من قولهم: اعتزل الحياة التمثيلية، وهجر الرياضة البدنية، بدلا من قولهم: اعتزل الحياة الرياضية.