ومن ذلك تعبيرهم عن أهل البيت الواحد (بالأسرة)، وهو من استعمال جهلة المترجمين، ترجموا به لفظ (Family) الإنكليزي وأخيه الفرنسي، وكانوا يترجمون هذا اللفظ من قبل (بعائلة) فعاب ذلك عليهم النقاد، لأن العائلة في اللغة العربية هي المرأة الفقيرة قال تعالى في سورة الضحى:«وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى» أي وجدك فقيرًا فأغناك. وقال تعالى في سورة التوبة (٢٨): {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً، فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} أي إن خفتم فقرًا، فانتقلوا إلى ترجمته (بأسرة) وهو انتقال من خطأ إلى،خطأ آخر، والعبارة الصحيحة هي:بيت، أو أهل بيت، قال تعالى في سورة هود(٧٣){رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}وقال تعالى في سورة الأحزاب(٣٣){إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}فأهل البيت في آية هود: إبراهيم وسارة زوجه ومن يكون معهما على سبيل التبعية ونحوها. والمراد بأهل البيت في آية الأحزاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه وأولاده والتابعون كالموالي.
وقال تعالى في سورة الذاريات (٣٦){فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} والمراد بالبيت هنا لوط وأهل بيته إلا امرأته، فإن الله استثناها من الناجين وجعلها من الهالكين. أما معنى الأسرة فدونك ما قاله صاحب اللسان: وأسرة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون، لأنه يتقوى بهم. اهـ
وقال تعالى في سورة الإنسان (٢٨){نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} قال البيضاوي: أحكمنا ربط مفاصلهم بالأعصاب. اهـ
فالأسر هو إحكام الربط وقوته، ومن ذلك سميت عشيرة الرجل (أسرة) لأنه يتقوى بهم.
وقال الصبان في حاشيته على الأشموني عند قول ابن مالك في التنازع في العمل من ألفيته:
واختار عكسا غيرهم ذا أسرة
ما نصه: ضبطه الشيخ خالد بفتح الهمزة، وفسره الغزى: بالجماعة القوية، لكن في القاموس: الأسرة (بالضم): الدرع الحصينة، ومن الرجل الرهط الأدنون. اهـ
وقال ابن منظور في اللسان: وفي الحديث: زنى رجل في أسرة من الناس. الأسرة: عشيرة الرجل. وأهل بيته. اهـ
وقال في مجمع البحار: وفيه (أي في الحديث) زنى رجل في أسرة من الناس. الأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته، لأنه يتقوى بهم. اهـ والمراد بأهل بيته هنا هو المراد بعشيرته الأقربين، لا زوجته وأولاده فقط.
أما قولهم: أسرة المدرسة، يعنون المدير والمدرسين فيها، وأسرة تحرير الصحيفة يعنون مؤسسها والمحررين فيها.
ورئيس التحرير، فله وجه، وهو مقصود ابن مالك بقوله المتقدم: واختار عكسا غيرهم ذا أسرة أي ذا جماعة قوية، شبه المتعاونون على أمر بالأقارب، فاستعير لهم لفظ الأسرة بجامع التعاون في كل.