ومن ذلك قولهم: ذهب لوحده، وقاتلهم بمفرده، وذلك من أفحش الخطأ وأقبحه، وأبعده عن لغة العرب الفصحاء، فالصواب أن يقال: ذهب وحده، وقاتلهم وحده، (بفتح الدال منصوب على الحال) قال ابن مالك في الألفية:
والحال إن عرف لفظا فاعتقد ... تنكيره معنى كوحدك اجتهد
قال الأشموني: وَكَلَّمْتُهُ فاهُ إلى فيِ، وأرسلها العراك، وجاءوا الجماء الغفير، فوحدك وفاه، والعراك، والجماء أحوال، وهي معرفة لفظا، لكنها مؤولة بنكرة، والتقدير: اجتهد منفردا، وكلمته مشافهة، وأرسلها معتركة، وجاءوا جميعا. وإنما التزم تنكيره لئلا يتوهم كونه نعتا، لأن الغالب كونه مشتقا، وصاحبه معرفة. اهـ
قول الأشموني في تفسير (فاه إلى في) أي مشافهة، فيه نظر، لأن مشافهة مصدر، والأولى أن يقدر اسم فاعل، أي مشافهًا له.
وقوله (أرسلها معتركة) يعني أرسل الإبل معتركة، يزاحم بعضها بعضا. قال الصبان في حاشيته لو قال: معاركة كما قال: ابن الخباز لكان أحسن، لأن اسم فاعل العراك معارك لا معترك. اهـ
أقول: وأحسن منهما جميعا أن يقال: معاركا بعضها بعضا، لأننا إذا قلنا: معاركة (بكسر الراء) نسبنا العراك إليها كلها، والعراك لا يقع إلا بين فريقين، ولا يقع من فريق واحد، وقال الصبان: في بيان قوله (الجماء الغفير) أي الجماعة الجماء من الجموم، وهو الكثرة، والغفير من الغفر، وهو الستر، أي ساترين لكثرتهم وجه الأرض. اهـ.