وجُهَّال هذا العصر يطلقون العلماني على ما بني على العلم من العقائد والأفكار المضادة للدين، فيقولون: دولة علمانية، أي لا تنتسب إلى أي دين، بل تعتمد في شؤونها على العلم، وهي جديرة بأن تسمى جهلية، لأن الدين هو المبني على العلم اليقيني، ولسنا بصدد انتقاد هذا اللفظ من حيث المعنى، فإنه ساقط، وقد تبين في مقالات: دواء الشاكين وقامع المشككين أن السواد الأعظم من العقلاء الأحرار الذين يستطيعون أن يعبروا عما يعتقدون بلا خوف، يؤمنون بالله وبالدين.
أما الشعوب المغلوبة على أمرها فلا يحكم عليها بشيء حتى تعود لها حريتها في اعتقادها. وإنما ننتقد هذه العبارة ونبين براءة اللغة العربية منها. فالنسبة إلى العلم: علمي.
قال ابن هشام في كتابه (أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك) ما نصه: باب النسب. إذا أردت النسب إلى شيء فلا بد لك من عملين في آخره: أحدهما أن تزيد عليه ياء مشددة تصير حرف إعرابه، والثاني أن تكسره فتقول في النسب إلى دمشق: دمشقي. اهـ وهكذا فعلنا في النسب إلى العلم، فقد كسرنا آخر الكلمة ليناسب الياء، وزدناه ياء مشددة. فزيادة الألف والنون في قولهم: علماني لا وجه لها، وإنما جاءت من الجهل بقاعدة النسب ولا يمكنهم أن يقولوا: إن هذه نسبة على غير قياس، لأن ما جاء من ذلك يقتصر فيه على السماع ولا يقاس عليه. قال ابن مالك في آخر النسب من ألفيته:
وغير ما أسلفته مقررا ... على الذي ينقل منه اقتصرا
قال الأشموني في شرحه لألفية ابن مالك: يعني أن ما جاء من النسب مخالفا لما تقدم من الضوابط شاذ، يحفظ ولا يقاس عليه، وبعضه أشذ من بعض. فمن ذلك قولهم في النسب إلى البصرة: بصري - بكسر الباء - وإلى الدهر: دهري - بضم الدال - وإلى مرو: مروزي، وإلى الري: رازي، وإلى خراسان: خَرسي وخُرسي، وإلى جلولاء وحروراء - موضعين جلولي وحروري، وإلى البحرين: بحراني، وإلى أمية: أُموي - بفتح الهمزة - وإلى السهل: سُهلي - بضم السين - وإلى بني الحبلي - وهم حي من الأنصار منهم عبدالله بن أبي سلول المنافق، وسمي أبوهم الحبلى لعظم بطنه - حُبَلي- بضم الحاء وفتح الباء - ومنه قولهم: رقباني، وشعراني، وجماني، ولحياني، للعظيم الرقبة والشعر والجمة واللحية.
وقولهم في النسب إلى الشام واليمن وتهامة: رجل شآم ويمان وتهام، وكلها مفتوحة الأول اهـ.
قال في لسان العرب: والربي والرباني: الحَبْر، ورب العلم وقيل الرباني الذي يعبد الرب، زيدت الألف والنون للمبالغة في النسب. وقال سيبويه: زادوا ألفا ونونا في الرباني إذا أرادوا تخصيصًا بعلم الرب دون غيره، كأن معناه: صاحب علم بالرب دون غيره من العلوم.
وهو كما يقال رجل شعراني ولحياني ورقباني، إذا خص بكثرة الشعر، وطول اللحية، وغلط الرقبة، فإذا نسبوا إلى الشعر قالوا: شعري، وإلى الرقبة قالوا: رقبي، وإلى اللحية: لحيي.
والربي منسوب إلى الرب، والرباني: الموصوف بعلم الرب. ابن الأعرابي: الرباني العالم المعلم الذي يُغَذّي الناس بصغار العلم قبل كباره. وقال محمد بن علي بن الحنفية لما مات عبدالله بن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة. وروي عن علي أنه قال: الناس ثلاثة: علم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق.
قال ابن الأثير: هو منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة، قال: وقيل: هو من الرب، بمعنى التربية، كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها. والرباني: العالم الراسخ في العلم والدين، أو الذي يطلب بعلمه وجه الله. وقيل: العالم: العامل المعلم. وقيل: الرباني: العالي الدرجة في العلم.