تسمية الأشياء بغير مسمياتها على وجه الحقيقة .

تسمية الأشياء بغير مسمياتها على وجه الحقيقة .

اللفظ / العبارة' تسمية الأشياء بغير مسمياتها على وجه الحقيقة .
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

وأما على القراءة المشهورة فيقال: كيف أطمع عدو الله آدم عليه السلام أن يكون بأكله من الشجرة من الملائكة، وهو يرى الملائكة لا تأكل ولا تشرب؟ وكان آدم عليه السلام أعلم بالله وبنفسه وبالملائكة من أن يطمع أن يكون منهم بأكله، ولا سيما مما نهاه الله عز وجل عنه؟،

فالجواب: أن آدم وحواء عليهما السلام لم يطمعا فى ذلك أصلاً، وإنما كذبهما عدو الله وغرَّهما، وخدعهما بأن سمى تلك الشجرة شجرة الخلد، فهذا أول المكر والكيد ومنه ورث أتباعه تسمية الأمور المحرمة بالأسماء التى تحب النفوس مسمياتها، فسموا الخمر: أم الأفراح، وسموا أخاها بلقيمة الراحة، وسموا الربا بالمعاملة، وسموا المكوس بالحقوق السلطانية، وسموا أقبح الظلم وأفحشه شرع الديوان، وسموا أبلغ الكفر، وهو جحد صفات الرب، تنزيها، وسموا مجالس الفسوق مجالس الطيبة. فلما سماها شجرة الخلد قال: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهة أن تأكلا منها فتخلدا فى الجنة ولا تموتا فتكونان مثل الملائكة الذين لا يموتون، ولم يكن آدم عليه السلام قد علم أنه يموت بعد، واشتهى الخلود فى الجنة، وحصلت الشبهة من قول العدو وإقسامه بالله جهد أيمانه، أنه ناصح لهما، فاجتمعت الشبهة والشهوة، وساعده القدر، ولما فرغ الله سبحانه من تقديره فأخذتهما سنة الغَفْلة، واستيقظ لهما العدو، كما قيل:

وَاسْتَيْقَظُوا وَأَرَادَ اللهُ غَفْلَتَهُمْ ... لِيَنْفُذَ الْقَدَرُ المَحْتُومُ فى الأزَلِ

إلا أن هذا الجواب يعترض عليه قوله {أو تكونا من الخالدين} [الأعراف: ٢٠] . فيقال: الماكر المخادع لا بد أن يكون فيما يمكر به ويكيد من التناقض والباطل ما يدل على مكره وكيده، ولا حاجة بنا إلى تصحيح كلام عدو الله، والاعتذار عنه، وإنما يعتذر عن الأب فى كون ذلك راج عليه وولج سمعه، فهو لم يجزم لهما بأنهما إن أكلا منها صارا ملكين، وإنما ردد الأمر بين أمرين: أحدهما ممتنع، والآخر: ممكن، وهذا من أبلغ أنواع الكيد والمكر، ولهذا لما أطمعه فى الأمر الممكن جزم له به ولم يردده.

فقال: {يَا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يْبلَى} [طه: ١٢٠] .

فلم يدخل أداة الشك هاهنا كما أدخلها فى قوله: {إلا أَنْ تَكونَا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: ٢٠] فتأمله، ثم قال: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: ٢١] .

فتضمن هذا الخبر أنواعا من التأكيد:

أحدها: تأكيده بالقسم.

الثانى: تأكيده بإنّ.

الثالث: تقديم المعمول على العامل، إيذانا بالاختصاص. أى نصيحتى مختصة بكما، وفائدتها إليكما لا إلى.

الرابع: إتيانه باسم الفاعل الدال على الثبوت واللزوم، دون الفعل الدال على التجدد: أى النصح صفتى وسجيتى، ليس أمرا عارضا لى. 

الخامس: إتيانه بلام التأكيد فى جواب القسم.

السادس: أنه صور نفسه لهما ناصحا من جملة الناصحين، فكأنه قال لهما: الناصحون لكما فى ذلك كثير، وأنا واحد منهم، كما تقول لمن تأمره بشىء: كل أحد معى على هذا وأنا من جملة من يشير عليك به.

سَعَى نَحْوَهَا حَتَّى تجَاوَزَ حَدَّهُ ... وَكَثَّرَ فَارْتَابَتْ، وَلَوْ شَاءَ قَلَّلا

وورّث عدو الله هذا المكر لأوليائه وحزبه عند خداعهم للمؤمنين كما كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا جاءوه: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ} [المنافقون: ١] . فأكدوا خبرهم بالشهادة وبإن وبلام التأكيد، وكذلك قوله سبحانه: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ} [التوبة: ٥٦] .

ثم قال تعالى: {فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف: ٢٢] .

كتاب إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان،ج:ص:112إلى 115.





Loading...