من كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلى والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع،

من كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلى والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع،

اللفظ / العبارة' من كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلى والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع،
متعلق اللفظ مسألة فقهية / عقدية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

ومن كيده: أنه يحسن إلى أرباب التخلى والزهد والرياضة العمل بهاجسهم وواقعهم، دون تحكيم أمر الشارع، ويقولون: القلب إذا كان محفوظا مع الله كانت هواجسه وخواطره معصومة من الخطإ، وهذا من أبلغ كيد العدو فيهم.

فإن الخواطر والهواجس ثلاثة أنواع: رحمانية، وشيطانية، ونفسانية، كالرؤيا، فلو بلغ العبد من الزهد والعبادة ما بلغ فمعه شيطانه ونفسه لا يفارقانه إلى الموت، والشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم، والعصمة إنما هى للرسل صلوات الله وسلامه عليهم الذين هم وسائط بين الله عز وجل وبين خلقه، فى تبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده، ومن عداهم يصيب ويخطئ، وليس بحجة على الخلق.

وقد كان سيد المحدثين الملهمين عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يقول الشىء فيرده عليه، من هو دونه، فيتبين له الخطأ، فيرجع إليه وكان يعرض هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليها ولا يحكم بها ولا يعمل بها.

وهؤلاء الجهال يرى أحدهم أدنى شىء فيحكم هواجسه وخواطره على الكتاب والسنة، ولا يلتفت إليهما، ويقول: حدثنى قلبى عن ربى، ونحن أخذنا عن الحى الذى لا يموت، وأنتم أخذتم عن الوسائط، ونحن أخذنا بالحقائق، وأنتم اتبعتم الرسوم، وأمثال ذلك من الكلام الذى هو كفر وإلحاد، وغاية صاحبه أن يكون جاهلا يعذر بجهله، حتى قيل لبعض هؤلاء: ألا تذهب فتسمع الحديث من عبد الرزاق؟ فقال: ما يصنع بالسماع من عبد الرزاق من يسمع من الملك الخلاق؟.

وهذا غاية الجهل، فإن الذى سمع من الملك الخلاق موسى بن عمران كليم الرحمن. وأما هذا وأمثاله فلم يحصل لهم السماع من بعض ورثة الرسول، وهو يدعى أنه يسمع الخطاب من مرسله، فيستغنى به عن ظاهر العلم، ولعل الذى يخاطبهم هو الشيطان، أو نفسه الجاهلة، أو هما مجتمعتين، ومنفردتين.

ومن ظن أنه يستغنى عما جاء به الرسول بما يلقى فى قلبه من الخواطر والهواجس فهو من أعظم الناس كفرا. وكذلك إن ظن أنه يكتفى بهذا تارة وبهذا تارة، فما يلقى فى القلوب لا عبرة به ولا التفات إليه إن لم يعرض على ما جاء به الرسول ويشهد له بالموافقة، وإلا فهو من إلقاء النفس والشيطان.

وقد سئل عبد الله بن مسعود عن مسألة المفوضة شهرا، فقال بعد الشهر: "أقول فيها برأيى فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمنى ومن الشيطان، والله برىء منه ورسوله".

وكتب كاتب لعمر رضى الله عنه بين يديه: هذا ما أرى الله عمر، فقال: لا. امحه واكتب: هذا ما رأى عمر.

وقال عمر رضى الله عنه أيضا: "أيها الناس اتهموا الرأى على الدين، فلقد رأيتنى يوم أبى جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله عليه السلام لرددته".

واتهام الصحابة لآرائهم كثير مشهور، وهم أبر الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأبعدها من الشيطان، فكانوا أتبع الأمة للسنة، وأشدهم اتهاما لآرائهم، وهؤلاء ضد ذلك.

وأهل الاستقامة منهم سلكوا على الجادة، ولم يلتفتوا إلى شىء من الخواطر والهواجس والإلهامات، حتى يقوم عليها شاهدان.

قال الجنيد: قال أبو سليمان الدارانى: "ربما يقع فى قلبى النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين من الكتاب والسنة".

وقال أبو زيد: "لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يتربع فى الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهى، وحفظ الحدود".

وقال أيضاً: "من ترك قراءة القرآن، ولزوم الجماعات، وحضور الجنائز، وعيادة المرضى، وادعى بهذا الشأن، فهو مدّع".

وقال سرىّ السقطى: "من ادعى باطن علم ينقضه ظاهر حكم فهو غالط".

وقال الجنيد: "مذهبنا هذا مقيد بالأصول بالكتاب والسنة، فمن لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث، ويتفقه، لا يقتدى به".

وقال أبو بكر الدقاق: "من ضيع حدود الأمر والنهى فى الظاهر حرم مشاهدة القلب فى الباطن".

وقال أبو الحسين النورى: "من رأيته يدعى مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعى فلا تقربه، ومن رأيته يدعى حالة لا يشهد لها حفظ ظاهره فاتهمه على دينه".

وقال أبو سعيد الخراز: "كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل".

وقال الجريرى: "أمرنا هذا كله مجموع على فصل واحد: أن تلزم قلبك المراقبة، ويكون العلم على ظاهرك قائما".

وقال أبو حفص الكبير الشأن: "من لم يزن أحواله وأفعاله بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعدوه فى ديوان الرجال".

وما أحسن ما قال أبو أحمد الشيرازى: "كان الصوفية يسخرون من الشيطان، والآن الشيطان يسخر منهم".

ونظير هذا ما قاله بعض أهل العلم: "كان الشيطان فيما مضى يهب من الناس، واليوم الرجل الذى يهب من الشيطان".

كتاب إغاثة اللهفان،ج:1،ص:122إلى125.

Loading...