إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته
اللفظ / العبارة'
إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته
متعلق اللفظ
مسائل فقهية
الحكم الشرعي
لا يجوز
القسم
المناهي العملية
Content
إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته. وقبلوا قوله، وأطاعوه، ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام أو صلى كصلاته، فوضوؤه باطل، وصلاته غير صحيحة. ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام فى مؤاكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين، أنه قد صار نجساً يجب عليه تسبيع يده وفيه، كما لو ولغ فيهما كلب أو بال عليهما هر.
ثم إنه بلغ من استيلاء إبليس عليهم أنهم أجابوه إلى ما يشبه الجنون، ويقارب مذهب السوفسطائية الذين ينكرون حقائق الموجودات، والأمور المحسوسات، وعلم الإنسان بحال نفسه من الأمور الضروريات اليقينيات، وهؤلاء يغسل أحدهم عضوه غسلا يشاهده ببصره ويكبر، ويقرأ بلسانه، بحيث تسمعه أذناه ويعلمه بقلبه، بل يعلمه غيره منه ويتيقنه ،ثم يشك:هل فعل ذلك أم لا؟ وكذلك يشككه الشيطان فى نيته وقصده التى يعلمها من نفسه يقينا، بل يعلمها غيره منه بقرائن أحواله. ومع هذا يقبل قول إبليس فى أنه ما نوى الصلاة، ولا أرادها، مكابرة منه لعيانه، وجحدا ليقين نفسه، حتى تراه متلددا متحيراً، كأنه يعالج شيئاً يجتذبه، أو يجد سيئًا فى باطنه يستخرجه. كل ذلك مبالغة فى طاعة إبليس، وقبول وسوسته، ومن انتهت طاعته لإبليس إلى هذا الحد فقد بلغ النهاية فى طاعته.
ثم إنه يقبل قوله فى تعذيب نفسه ويطيعه فى الإضرار بجسده، تارة بالغوص فى الماء البارد، وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك. وربما فتح عينيه فى الماء البارد، وغسل داخلهما حتى يضر ببصره، وربما أفضى إلى كشف عورته للناس، وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه.
قلت: ذكر أبو الفرج بن الجوزى عن أبى الوفاء بن عقيل: "أن رجلاً قال له: أنغمس فى الماء مرارا كثيرة وأشك: هل صح لى الغسل أم لا؟ فما ترى فى ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة. قال: وكيف؟ قال: لأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ: المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَالنّائمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ، وَالصَّبىِّ حَتّى يَبْلُغَ".
ومن ينغمس فى الماء مرارا ويشك هل أصابه الماء أم لا، فهو مجنون".
قال: وربما شغله بوسواسه حتى تفوته الجماعة، وربما فاته الوقت، ويشغله بوسوسته فى النية حتى تفونه التكبيرة الأولى، وربما فوت عليه ركعة أو أكثر، ومنهم من يحلف أنه لا يزيد على هذا، ثم يكذب.
قلت: وحكى لى من أثق به عن موسوس عظيم رأيته أنا يكرر عقد النية مرارا عديدة فيشق على المأمومين مشقة كبيرة، فعرض له أن حلف بالطلاق أنه لا يزيد على تلك المرة فلم يدعه إبليس حتى زاد، ففرق بينه وبين امرأته، فأصابه لذلك غم شديد وأقاما متفرقين دهرا طويلاً، حتى تزوجت تلك المرأة برجل آخر، وجاءه منها ولد ثم إنه حنث فى يمين حلفها ففرق بينهما وردت إلى الأول بعد أن كاد يتلف لمفارقتها.
وبلغنى عن آخر أنه كان شديد التنطع فى التلفظ بالنية والتقعر فى ذلك، فاشتد به التنطع والتقعر يوماً إلى أن قال: أصلى، أصلى، مرارا، صلاة كذا وكذا. وأراد أن يقول: أداء، فأعجم الدال، وقال: أذاء لله. فقطع الصلاة رجل إلى جانبه، فقال: ولرسوله وملائكته وجماعة المصلين.
قال: ومنهم من يتوسوس فى إخراج الحرف حتى يكرره مرارا.
قال: فرأيت منهم من يقول: الله أكبر. قال: وقال لى إنسان منهم: قد عجزت عن قول السلام عليكم، فقلت له: قل مثل ما قد قلت الآن، وقد استرحت.
وقد بلغ الشيطان منهم أن عذبهم فى الدنيا قبل الآخرة، وأخرجهم عن اتباع الرسول وأدخلهم فى جملة أهل التنطع والغلو، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق فى اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى قوله وفعله، وليعزم على سلوك طريقة عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم، وأن ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته، ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير.
{إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[فاطر: ٦] . وليترك التعريج على كل ما خالف طريقة رسول الله عليه الصلاة والسلام كائنا ما كان، فإنه لا يشك أن رسول الله عليه الصلاة والسلام كان على الصراط المستقيم. ومن شك فى هذا فليس بمسلم. ومن علمه فإلى أين العدول عن سنته؟ وأى شىء يبتغى العبد غير طريقته؟ ويقول لنفسه: ألست تعلمين أن طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هى الصراط المستقيم؟ فإذا قالت له: بلى، قال لها: فهل كان يفعل هذا؟ فستقول: لا، فقل لها: فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار؟ وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان؟ فإن اتبعت سبيله كنت قرينه، وستقولين:{يَا لَيْتَ بَيْنى وَبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرقين فَبِئْسَ الْقَرِينُ}[الزخرف: ٣٨]. ولينظر أحوال السلف فى متابعتهم لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فليقتد بهم وليختر طريقهم فقد روينا عن بعضهم أنه قال:لقد تقدمنى قوم لو لم يتجاوزوا بالوضوء الظفر ما تجاوزته. قلت:هو إبراهيم النخعى.
وقال زين العابدين يوماً لابنه:"يا بنى، اتخذ لى ثوباً ألبسه عند قضاء الحاجة، فإنى رأيت الذباب يسقط على الشىء ثم يقع على الثوب، ثم انتبه فقال: ما كان للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه إلا ثوب واحد، فتركه".