العبارات التى أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركاً لأهل الوسواس، يحبسهم عندها
اللفظ / العبارة'
العبارات التى أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركاً لأهل الوسواس، يحبسهم عندها
متعلق اللفظ
مسائل فقهية
الحكم الشرعي
بدعة
القسم
المناهي العملية
Content
وهذه العبارات التى أحدثت عند افتتاح الطهارة والصلاة قد جعلها الشيطان معتركاً لأهل الوسواس، يحبسهم عندها ويعذبهم فيها، ويوقعهم فى طلب تصحيحها فترى أحدهم يكررها ويجهد نفسه فى التلفظ بها، وليست من الصلاة في شىء، وإنما النية قصد فعل الشىء، فكل عازم على فعل فهو ناويه، لا يتصور انفكاك ذلك عن النية فإنه حقيقتها، فلا يمكن عدمها فى حال وجودها، ومن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلى فقد نوى الصلاة، ولا يكاد العاقل يفعل شيئاً من العبادات ولا غيرها بغير نية، فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة، لا يحتاج إلى تعب ولا تحصيل. ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نيته لعجز عن ذلك. ولو كلفه الله عز وجل الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيق، ولا يدخل تحت وسعه. وما كان هكذا فما وجه التعب فى تحصيله؟ وإن شك فى حصول نيته فهو نوع جنون. فإن علم الإنسان بحال نفسه أمر يقينى. فكيف يشك فيه عاقل من نفسه؟ ومن قام ليصلى صلاة الظهر خلف الإمام فكيف يشك فى ذلك؟ ولو دعاه داع إلى شغل فى تلك الحال لقال: إنى مشتغل أريد صلاة الظهر، ولو قال له قائل فى وقت خروجه إلى الصلاة: أين تمضى؟ لقال: أريد صلاة الظهر مع الإمام، فكيف يشك عاقل فى هذا من نفسه وهو يعلمه يقينا؟.
بل أعجب من هذا كله أن غيره يعلم بنيته بقرائن الأحوال، فإنه إذا رأى إنساناً جالساً فى الصف فى وقت الصلاة عند اجتماع الناس علم أنه ينتظر الصلاة. وإذا رآه قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها علم أنه إنما قام ليصلى. فإن تقدم بين يدى المأمومين علم أنه يريد إمامتهم، فإن رآه فى الصف علم أنه يريد الائتمام.
قال: فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال، فكيف يجهلها من نفسه، مع اطلاعه هو على باطنه؟ فقبوله من الشيطان أنه ما نوى تصديق له فى جحد العيان، وإنكار الحقائق المعلومة يقيناً. ومخالفة للشرع، ورغبة عن السنة، وعن طريق الصحابة.
ثم إن النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها، والموجودة لا يمكن إيجادها؛ لأن من شرط إيجاد
الشىء كونه معدوما، فإن إيجاد الموجود محال، وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شىء، لو وقف ألف عام.
قال: ومن العجب أنه يتوسوس حال قيامه، حتى يركع الإمام، فإذا خشى فوات الركوع كبر سريعاً وأدركه. فمن لم يحصل النية فى الوقوف الطويل حال فراغ باله كيف يحصلها فى الوقت الضيق مع شغل باله بفوات الركعة؟،
ثم ما يطلبه إما أن يكون سهلاً أو عسيراً، فإن كان سهلاً فكيف يعسره؟ وإن كان عسيراً فكيف تيسر عند ركوع الإمام سواه؟ وكيف خفى ذلك على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته من أولهم إلى آخرهم، والتابعين ومن بعدهم؟ وكيف لم ينتبه له سوى من استحوذ عليه الشيطان، أفيظن بجهله أن الشيطان ناصح له؟ أما علم أنه لا يدعو إلى هدى، ولا يهدى إلى خير؟ وكيف يقول فى صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر المسلمين الذين لم يفعلوا فعل هذا الموسوس؟ أهى ناقصة عنده مفضولة؟ أم هى التامة الفاضلة؟ فما دعاه إلى مخالفتهم والرغبة عن طريقهم؟.
فإن قال: هذا مرض بليت به، قلنا: نعم، سببه قبولك من الشيطان، ولم يعذر الله تعالى أحدا بذلك، ألا ترى أن آدم وحواء لما وسوس لهما الشيطان فقبلا منه أخرجا من الجنة، ونودى عليهما بما سمعت، وهما أقرب إلى العذر؛ لأنهما لم يتقدم قبلهما من يعتبران به، وأنت قد سمعت وحذرك الله تعالى من فتنته، وبين لك عداوته، وأوضح لك الطريق، فمالك عذر ولا حجة فى ترك السنة والقبول من الشيطان.
قلت: قال شيخنا: ومن هؤلاء من يأتى بعشر بدع لم يفعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولا أحد من أصحابه واحدة منها، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، نويت أصلى صلاة الظهر فريضة الوقت، أداء لله تعالى، إماما أو مأموما، أربع ركعات، مستقبل القبلة، ثم يزعج أعضاءه ويحنى جبهته ويقيم عروق عنقه، ويصرح بالتكبير. كأنه يكبر على العدو. ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلام يفتش: هل فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو أحد من أصحابه شيئاً من ذلك، لما ظفر به، إلا أن يجاهر بالكذب البحت. فلو كان فى هذا خير لسبقونا إليه، ولدلونا عليه. فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه، وإن كان الذى كانوا عليه هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إلا الضلال.
قال: ومن أصناف الوسواس ما يفسد الصلاة، مثل تكرير بعض الكلمة، كقوله فى التحيات: إت إت، التحى التحى، وفى السلام: أس أس. وقوله فى التكبير: أكككبر ونحو ذلك، فهذا الظاهر بطلان الصلاة به، وربما كان إماماً فأفسد صلاة المأمومين، وصارت الصلاة التى هى من أكبر الطاعات أعظم إبعاداً له عن الله من الكبائر، وما لم تبطل به الصلاة من ذلك فمكروه وعدول عن السنة، ورغبة عن طريقة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهديه، وما كان عليه أصحابه. وربما رفع صوته بذلك فآذى سامعيه، وأغرى الناس بذمه والوقيعة فيه، فجمع على نفسه طاعة إبليس ومخالفة السنة، وارتكاب شر الأمور ومحدثاتها، وتعذيب نفسه وإضاعة الوقت، والاشتغال بما ينقص أجره، وفوات ما هو أنفع له، وتعريض نفسه لطعن الناس فيه، وتغرير الجاهل بالاقتداء به؛ فإنه يقول: لولا أن ذلك فضل لما اختاره لنفسه، وأساء الظن بما جاءت به السنة، وأنه لا يكفى وحده، وانفعال النفس وضعفها للشيطان، حتى يشتد طمعه فيه وتعريضه نفسه للتشديد عليه بالقدر، عقوبة له، وإقامته على الجهل، ورضاه بالخبل فى العقل، كما قال أبو حامد الغزالى وغيره:"الوسوسة سببها إما جهل بالشرع، وإما خبل فى العقل، وكلاهما من أعظم النقائص والعيوب".
فهذه نحو خمسة عشر مفسدة فى الوسواس، ومفاسده أضعاف ذلك بكثير.