قال قتادة:"لما أهبط إبليس قال: يا رب لعنتنى، فما عملى؟ قال: السحر، قال فما قرآنى؟ قال: الشعر، قال: فما كتابى؟ قال: الوشم، قال: فما طعامى؟ قال: كل ميتة، وما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فما شرابى؟ قال: كل مسكر، قال: فأين مسكنى؟ قال: الأسواق، قال فما صوتى؟ قال: المزامير، قال: فما مصايدى؟ قال: النساء".
هذا والمعروف فى هذا وقفه، وقد رواه الطبرانى فى "معجمه" من حديث أبى أمامة مرفوعاً إلى النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وقال ابن أبى الدنيا فى كتاب "مكايد الشيطان وحيله" حدثنا أبو بكر التميمى، حدثنا ابن أبى مريم حدثنا يحيى بن أيوب قال حدثنا ابن زحر عن على بن يزيد عن القاسم عن أبى أمامة عن رسول الله صلى الله عليه سلم قال:"إِنّ إِبْليسَ لَمّا أُنْزِلَ إِلَى الأَرْضِ قالَ: يا رب، أَنْزَلْتَنِى إِلى الأَرْضِ، وَجَعَلتَنى رَجِيمِاً، فَاجْعَلْ لِى بَيْتاً، قالَ: الْحَمَّامُ، قالَ: فَاجْعَلْ لِى مَجْلِساَ، قالَ: الأَسْوَاقُ وَمَجَامِعُ الطُّرُقَاتِ، قالَ: فاجْعَلْ لى طَعاماً، قالَ: كُلُّ مَا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ، قالَ: فاجْعَلْ لى شَرَاباً، قالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ، قالَ: فاجْعَلْ لى مُؤَذِّناً، قالَ: المِزْمَارُ، قالَ: فاجْعَلْ لى قُرْآناً، قَالَ: الشَّعْرُ، قالَ: فاجْعَلْ لى كِتَاباً، قالَ: الوَشْمُ، قالَ: فَاجْعلْ لى حَدِيثاً، قالَ: الْكَذِبُ، قالَ: فاجْعَلْ لِى رُسُلاً، قالَ الْكَهَنَةُ، قالَ: فَاجْعَلْ لِى مَصَايِدَ، قالَ: النِّسَاءُ".
وشواهد هذا الأثر كثيرة، فكل جملة منه لها شواهد من السنة، أو من القرآن.
وأما كون الوشم كتابه، فإنه من عمله وتزيينه، ولهذا لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "الواشمة والمستوشمة" فلعن الكاتبة والمكتوب عليها.
وأما كون الميته ومتروك التسمية طعامه، فإن الشيطان يستحلّ الطعام، إذا لم يذكر عليه اسم الله، ويشارك آكله، والميتة لا يذكر عليها اسم الله تعالى، فهى وكلّ طعام إذا لم يذكر عليه اسم الله عز وجل من طعامه، ولهذا لما سأل الجنُّ الذين آمنوا برسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم الزاد، قال:"لَكمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ".
فلم يبح لهم طعام الشياطين، وهو متروك التسمية.
وأما كون المسكر شرابه. فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَملِ الشَّيْطَان}[المائدة: ٩٠] .
فهو يشرب من الشراب الذى عمله أولياؤه بأمره، وشاركهم فى عمله. فيشاركهم فى عمله وشربه، وإثمه، وعقوبته.
وأما كون الأسواق مجلسه ففى الحديث الآخر:"أَنّهُ يَرْكُزُ رَايَتَهُ بِالسُّوقِ" ولهذا يحضره.