ومن مكايده التى بلغ فيها مرادة: مكيدة التحليل

ومن مكايده التى بلغ فيها مرادة: مكيدة التحليل

اللفظ / العبارة' ومن مكايده التى بلغ فيها مرادة: مكيدة التحليل
متعلق اللفظ مسائل فقهية
الحكم الشرعي حرام
القسم المناهي العملية
Content

ومن مكايده التى بلغ فيها مرادة: مكيدة التحليل، الذى لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فاعله، وشبهه بالتيس المستعار، وعظم بسببه العار والشنار، وعير المسلمين به الكفار، وحصل بسببه من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد واستكريت له التيوس المستعارات، وضاقت به ذرعا النفوس الأبيات، ونفرت منه أشد من نفارها من السفاح وقالت: لو كان هذا نكاحاً صحيحاً لم يلعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من أتى بما شرعه من النكاح، فالنكاح سنته، وفاعل السنة مقرب غير ملعون، والمحلل مع وقوع اللعنة عليه بالتيس المستعار مقرون، فقد سماه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالتيس المستعار، وسماه السلف بمسمار النار، فلو شاهدت الحرائر المصونات، على حوانيت المحللين متبذلات، تنظر المرأة إلى التيس نظرة الشاة إلى شفرة الجازر، وتقول: يا ليتنى قبل هذا كنت من أهل المقابر، حتى إذا تشارطا على ما يجلب اللعنة والمقت، نهض واستتبعها خلفه للوقت، بلا زفاف ولا إعلان، بل بالتخفى والكتمان، فلا جهاز ينقل، ولا فراش إلى بيت الزوج يحول، ولا صواحب يهدينها إليه، ولا مصلحات يجلينها عليه، ولا مهر مقبوض ولا مؤخر ولا نفقة ولا كسوة تقدر، ولا وليمة ولا نثار، ولا دف إعلان ولا شعار، والزوج يبذل المهر وهذا التيس يطأ بالأجر، حتى إذا خلا بها وأرخى الحجاب، والمطلق والولى واقفان على الباب، دنا ليطهرها بمائه النجس الحرام، ويطيبها بلعنة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، حتى إذا قضيا عرس التحليل، ولم يحصل بينهما المودة والرحمة التى ذكرها الله تعالى فى التنزيل. فإنها لا تحصل باللعن الصريح، ولا يوجبها إلا النكاح الجائر الصحيح. فإن كان قد قبض أجرة ضرابه سلفاً وتعجيلاً، وإلا حبسها حتى تعطيه أجره طويلاً. فهل سمعتم بزوج لا يأخذ بالساق ، حتى يأخذ أجرته بعد الشرط والاتفاق؟ حتى إذا طهرها وطيبها، وخلصها بزعمه من الحرام وجنبها. قال لها: اعترفى بما جرى بيننا ليقع عليك الطلاق، فيحصل بعد ذلك بينكما الالتئام والاتفاق، فتأتى المصخمة إلى حضرة الشهود فيسألونها: هل كان ذاك؟ فلا يمكنها الجحود، فيأخذون منها أو من المطلق أجراً، وقد أرهقوهما من أمرهما عسراً هذا، وكثير من هؤلاء المستأجرين للضراب يحلل الأم وابنتها فى عقدين، ويجمع ماءه فى أكثر من أربع وفى رحم أختين، وإذا كان هذا من شأنه وصفته، فهو حقيق بما رواه عبد الله ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال: (لَعَنَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلَ وَالمُحَلَّلَ لَهُ".

رواه الحاكم فى الصحيح والترمذى وقال: حديث حسن صحيح، قال: والعمل عليه عند أهل العلم. منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر رضى الله عنهم، وهو قول الفقهاء من التابعين.

ورواه الإمام أحمد فى "مسنده"، والنسائى فى "سننه" بإسناد صحيح، ولفظهما "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليْهِ وَسلمَ الْوَاشِمَةَ والمُؤْتَشِمَةَ، وَالوَاصِلَةَ وَالمَوْصُولَةَ، وَالمُحَلِّلَ وَالمُحَلِّلَ لَهُ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ".

وفى "مسند الإمام أحمد"، و"سنن النسائى" أيضاً: عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: "آكِلُ الرِّبَا ومُوكِلُهُ وشَاهِدُهُ وكَاتِبُهُ، إِذَا عَلِمُوا بِهِ، والوَاصِلَةُ وَالمُسْتَوْصِلَةُ، وَلاوِى الصَّدَقةِ والمُعْتَدِى فِيهَا، والمُرْتَدُّ عَلَى عَقِبَيْهِ أعْرَابِيا بَعْدَ هِجْرَتِهِ، والمحلل وَالمُحَلِّلُ لَه: مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليهِ وسلمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

وعن على بن أبى طالب رضى الله عنه عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم "أنه لعن المحلل له"، رواه الإمام أحمد وأهل السنن كلهم غير النسائى.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "لعن الله المحلل والمحلل له" رواه الإمام أحمد بإسناد رجاله كلهم ثقات، وثقهم ابن معين وغيره.

وقال الترمذى فى كتاب "العلل": سألت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث؟ فقال: هو حديث حسن، وعبد الله بن جعفر المخزومي صدوق ثقة، وعثمان بن محمد الأخنسي ثقة.

وقال أبو عبد الله بن ماجه فى سننه: حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهران عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له".

وعن ابن عباس أيضاً قال: "سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ تعالى عليهِ وآله وسلم عَنِ المُحَلَّلِ؟ فقَال: لا، إِلا نِكاحَ رَغْبَةٍ، لا نِكاحَ دِلْسَةٍ وَلا اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللهِ، ثمَّ تَذوقُ العُسَيْلَةَ".

رواه أبو إسحاق الجوزجانى فى كتاب المترجم قال: أخبرنى إبراهيم بن إسماعيل ابن أبى جبيبة عن داود بن حصين عن عكرمة عنه، وهؤلاء كلهم ثقات إلا إبراهيم، فإن كثيراً من الحفاظ يضعفه والشافعى حسن الرأى فيه، ويحتج بحديثه.

وعن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:

"أَلا أخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ المُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: هُوَ المُحَلِّلُ. لَعَنَ اللهُ المُحَلِّلَ وَالمَحَلَّلَ لَهُ".

رواه ابن ماجه بإسناد رجاله كلهم موثقون، لم يجرح واحد منهم.

وعن عمرو بن دينار وهو من أعيان التابعين: "أنه سئل عن رجل طلق امرأته، فجاء رجل من أهل القرية، بغير علمه ولا علمها فأخرج شيئاً من ماله فتزوجها ليحلها له، فقال لا، ثم ذكر أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن مثل ذلك فَقَالَ: "لا، حَتَّى يَنْكِحَ مُرْتَغِباً لِنَفْسِه، فإذَا فَعَلَ ذلِكَ لَمْ تَحِل لَهُ حَتَّى يَذُوقُ العُسَيْلَةَ".

ورواه أبو بكر بن أبى شيبة فى المصنف بإسناد جيد.

وأما الآثار عن الصحابة.

ففى كتاب "المصنف" لابن أبى شيبة، و"سنن" الأثرم، و"الأوسط" لابن المنذر، عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قال: "لا أوتى بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما".

ولفظ عبد الرزاق وابن المنذر: "لا أوتى بمحلل ولا محللاً إلا رجمتهما" وهو صحيح عن عمر.

وقال عبد الرزاق: عن معمر عن الزهرى عن عبد الملك بن المغيرة قال: "سئل ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن تحليل المرأة لزوجها؟ فقال: ذاك السفاح"، ورواه ابن أبى شيبة.

كتاب إغاثة اللهفان،ج:1،ص:268إلى 271.



Loading...