قال المصنف قد لبس عَلَى خلق كثير فجحدوا البعث واستهولوا الإعادة بعد البلاء وأقام لهم شبهتين إحداهما أنه أراهم ضعف المادة والثانية اختلاط الأجزاء المتفرقة فِي أعماق الأَرْض قالوا وَقَدْ يأكل الحيوان الحيوان فكيف يتهيأ إعادته وقد حكى القرآن شبهتهم فَقَالَ تعالى فِي الأولى:{أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} .
وقال في الثانية:{أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا كان مذهب أكثر الجاهلية قَالَ قائلهم:
يخبرنا الرسول بأن سنحيى ... وَكَيْفَ حياة أصداء وهام
وقال آخر: هو أَبُو العلاء المعري:
حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو
والجواب عَنْ شبهتهم الأولى أن ضعف المادة فِي الثاني وَهُوَ التراب يدفعه كون البداية من نطفة ومضغة وعلقة ثم أصل الآدميين وَهُوَ آدم من تراب عَلَى أن اللَّه سبحانه تعالى لم يخلق شيئا مستحسنا إلا من مادة سخيفة فإنه أخرج هذا الآدمي من نطفة والطاووس من البيضة المدرة والطرفة الخضراء من الحبة العفنة فالنظر ينبغي أن يكون إِلَى قوة الفاعل وقدرته لا إِلَى ضعف المواد وبالنظر إِلَى قدرته يحصل جواب الشبهة الثانية ثم قد أرانا كالأنموذج فِي جمع التمزق فان سحالة١ الذهب المتفرقة فِي التراب الكثير إذا ألقى عليها قليل من زئبق أجتمع الذهب مَعَ تبدده فكيف بالقدرة الإلهية التي من تأثيرها خلق كل شيء لا من شيء عَلَى أنا لو قدرنا أن نحيل هَذَا التراب مَا استحالت إليه الأبدان لم يصر بنفسه لأن الآدمي بنفسه لا ببدنه فإنه ينحل ويسمن ويهزل ويتغير من صغر إِلَى كبر وَهُوَ هو ومن أعجب الأدلة عَلَى البعث أن اللَّه عز وجل قد أظهر عَلَى يدي أنبيائه مَا هو أعظم من البعث وَهُوَ قلب العصا حية حيوانا وأخرج ناقة من صخرة وأظهر حقيقة البعث عَلَى يدي عِيسَى صلوات اللَّه وسلامه عَلَيْهِ قَالَ المصنف وَقَدْ زدنا هَذَا شرحا فِي الرد على الفلاسفة.