فمحصول قولهم تعطيل الصانع وإبطال النبوة والعبادات وإنكار البعث ولكنهم لا يظهرون هَذَا فِي أول أمرهم بل يزعمون أن اللَّه حق وأن محمدا رَسُول اللَّهِ والدين صَحِيح لكنهم يقولون لذلك سر غير ظاهر وَقَدْ تلاعب بهم إبليس فبالغ وحسن لهم مذاهب مختلفة ولهم ثمانية أسماء. الاسم الأَوَّل الباطنية: سموا بذلك لأنهم يدعون أن لظواهر القرآن والأحاديث بواطن تجري من الظواهر مجرى اللب من القشر وانها بصورتها توهم الجهال صورا حلية وهي عند العقلاء رموز وإشارات إِلَى حقائق خفية وأن من تقاعد عقله من الغوص عَلَى الخفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها كان تحت الأغلال التي هي تكليفات الشرع ومن ارتقى إِلَى علم الباطن انحط عنه التكليف واستراح من أعبائه قالوا وهم المرادون بقوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} ومرادهم أن ينزعوا من العقائد موجب الظواهر ليقدروا بالتحكم بدعوى الباطل عَلَى أبطال الشرائع.
الاسم الثاني الإسماعيلية: نسبوا إِلَى زعيم لهم يقال لَهُ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيلَ بْن جَعْفَر ويزعمون أن دور الإمامة انتهى إليه لأنه سابع واحتجوا بأن السموات سبع والأرضين سبع وأيام الأسبوع سبعة فدل عَلَى أن دور الأئمة يتم بسبعة وعلى هَذَا فيما يتعلق بالمنصور فيقولون العباس ثم ابنه عَبْد اللَّهِ ثم ابنه علي ثم ابنه مُحَمَّد بْن عَلِيّ ثم إِبْرَاهِيم ثم السفاح ثم المنصور وذكر أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ فِي تاريخه قَالَ قَالَ عَلِيّ بْن مُحَمَّد عَنْ أبيه إن رجلا من الراوندية كان يقال لَهُ الأبلق وكان أبرص فبكى بالعلو ودعا الرواندية إليه وزعم أن الروح التي كانت فِي عِيسَى بْن مريم صارت إِلَى عَلِيّ بْن أبي طالب كرم اللَّه وجهه ثم فِي الأئمة واحدا بعد واحد إِلَى أن صارت إِلَى إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّدٍ واستحلوا الحرمات فكان الرَّجُل منهم يدعو الْجَمَاعَة إِلَى منزله فيطعمهم ويسقيهم ويحملهم عَلَى امرأته فبلغ ذلك أسد بْن عَبْدِ اللَّهِ فقتلهم وصلبهم فلم يزل ذلك فيهم إِلَى الْيَوْم وعبدوا أبا جَعْفَر وصعدوا الخضراء وألقوا نفوسهم كأنهم يطيرون فلا يبلغون الأَرْض إلا وَقَدْ هلكوا وخرج جماعتهم عَلَى الناس فِي السلاح وأقبلوا يصيحون يا أبا جَعْفَر أنت أنت.
الاسم الثالث السبعية: لقبوا بذلك لأمرين أحدهما اعتقادهم أن دور الإمامة سبعة سبعة عَلَى مَا بينا وأن الانتهاء إِلَى السابع هو آخر الأدوار وَهُوَ المراد بالقيامة وأن تعاقب هذه الأدوار لا آخر لَهُ والثاني لقولهم أن تدبير العالم السفلي منوط بالكواكب السبعة زحل ثم المشتري ثم المريخ ثم الزهرة ثم الشمس ثم عطارد ثم القمر.
الاسم الرابع البابكية: قَالَ المصنف وَهُوَ اسم لطائفة منهم تبعوا رجلا يقال لَهُ بابك الخرمي وكان من الباطنية وأصله أنه ولد زنى فظهر فِي بعض الجبال بناحية أذربيجان سنة إحدى ومائتين وتبعه خلق كثير واستفحل أمرهم واستباح المحظورات وكان إذا علم أن عند أحد بنتا جميلة أَوْ أختا جميلة طلبها فَإِن بعثها إليه وإلا قتله وأخذها ومكث عَلَى هَذَا عشرين سنة فقتل ثمانين ألفا وقيل خمسة وخمسين ألفا وخمسمائة إنسان١ وحاربه السلطان وهزم خلقا من الجيوش حتى بعث المعتصم أفسين فحاربه فجاء ببابك وأخيه فِي سنة ثلاث وعشرين ومائتين فلما دخلا قَالَ لبابك أخوه يا بابك قد عملت مَا لم يعمله أحد فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد فَقَالَ سترى صبري فأمر المعتصم بقطع يديه ورجليه فلما قطعوا مسح بالدم وجهه فَقَالَ المعتصم أنت فِي الشجاعة كذا وكذا مَا بالك قد مسحت وجهك بالدم أجزعا من الموت فَقَالَ لا ولكني لما قطعت أطرافي نزف الدم فخفت أن يقال عني إِنَّهُ اصفر وجهه جزعا من الموت قَالَ فيظن ذلك بي فسترت وجهي بالدم كيلا يرى ذلك مني ثم بعد ذلك ضربت عنقه وأضرمت عَلَيْهِ النار وفعل مثل ذلك بأخيه فما فيهما من صاح ولا تأوه ولا أظهر جزعا لعنهما اللَّه وَقَدْ بقي من البابكية جماعة يقال أن لهم ليلة فِي السنة تجتمع فيها رجالهم ونساؤهم ويطفئون السرج ثم يتناهضون للنساء فيثب كل رجل منهم إِلَى امرأة ويزعمون أن من احتوى عَلَى امرأة يستحلها بالاصطياد لأن الصيد مباح.
الاسم الخامس المحمرة: قَالَ المصنف سموا بذلك لأنهم صبغوا ثيابهم بالحمرة فِي أيام بابك ولبسوها.
الاسم السادس القرامطة: قَالَ المصنف وللمؤرخين فِي سبب تسميتهم بهذا قولان أحدهما أن رجلا من ناحية خوزستان قدم سواد الكوفة فأظهر الزهد ودعا إِلَى إمام من أهل بيت الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزل عَلَى رجل يقال لَهُ كرميتة لقب بهذا الحمرة عينية وَهُوَ بالنبطية حاد العين فأخذه أمير تلك الناحية فحبسه وترك مفتاح البيت تحت رأسه ونام فرقت لَهُ جارية فأخذت المفتاح.
ففتحت البيت وأخرجته وردت المفتاح إِلَى مكانه فلما طلب فلم يوجد زاد افتتان الناس به فخرج إِلَى الشام فسمى كرميتة باسم الذي كان نازلا عَلَيْهِ ثم خفف فَقِيلَ قرمط ثم توارث مكانه أهله وأولاده والثاني أن القوم قد لقبوا بهذا نسبة إِلَى رجل يقال لَهُ حَمْدَان قرمط كان أحد دعاتهم فِي الابتداء فاستجاب لَهُ جماعة فسموا قرامطة وقرمطية وكان هَذَا الرَّجُل من أهل الكوفة وكان يميل إِلَى الزهد فصادفه أحد دعاة الباطنية فِي فريق وَهُوَ متوجه إِلَى قرية وبين يديه بقر يسوقها فَقَالَ حَمْدَان لذلك الراعي وَهُوَ لا يعرفه أين مقصدك فذكر قرية حَمْدَان فَقَالَ لَهُ أركب بقرة من هذه لئلا تتعب فَقَالَ إني لم أؤمر بذلك فَقَالَ وكأنك لا تعمل إلا بأمر قَالَ نعم قَالَ وبأمر من تعمل قَالَ بأمر مالكي ومالكك ومالك الدنيا والآخرة فَقَالَ ذلك إذن هو اللَّه رب العالمين فَقَالَ صدقت قَالَ لَهُ فما غرضك فِي هذه القرية التي تقصدها قَالَ أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إِلَى العلم ومن الضلالة إِلَى الهدى ومن الشقاء إِلَى السعادة وأن أستنقذهم من ورطات الذل والفقر وأملكهم مَا يستغنون به عَن الكد فَقَالَ لَهُ حَمْدَان أنقذني أنقذك اللَّه وأفض علي من العلم مَا تحييني به فما أشد احتياجي إِلَى مثل هَذَا فَقَالَ مَا أمرت أن أخرج السر المخزون إِلَى كل أحد إلا بعد الثقة به والعهد إليه فَقَالَ أذكر عهدك فاني ملتزم به فَقَالَ لَهُ أن تجعل لي وللإمام عَلَى نفسك عهد اللَّه وميثاقه ألا تخرج سر الإمام الذي ألقيه إليك ولا نفس سري أيضا فالتزم حَمْدَان عهده ثم اندفع الداعي فِي تعليمه فنون جهله حتى استغواه فاستجاب لَهُ ثم انتدب للدعاء وصار أصلا من أصول هذه الْبِدْعَة فسمي أتباعه القرامطة والقرمطية ثم لم يزل بنوه وأهله يتوارثون مكانه وكان أشدهم بأسا رجل يقال لَهُ أَبُو سَعِيد ظهر فِي سنة ست وثمانين ومائتين وقوى أمره وقتل مَا لا يحصى من المسلمين وخرب المساجد وأحرق المصاحف وفتك بالحاج وسن لأهله وأصحابه سننا وأخبرهم بمحالات وكان إذا قاتل يَقُول وعدت النصر فِي هذه الساعة فلما مات بنوا عَلَى قبره قبة وجعلوا عَلَى رأسها طائرا من جص وقالوا إذا طار هَذَا الطائر خرج أَبُو سَعِيد من قبره وجعلوا عند القبر فرسا وخلعة ثياب وسلاحا وَقَدْ سول إبليس لهذه الْجَمَاعَة أنه من مات وعلى قبره فرس حشر راكبا وإن لم يكن لَهُ فرس حشر ماشيا وكان أصحاب أبي سَعِيد يصلون عَلَيْهِ إذا ذكروه ولا يصلون عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا سمعوا من يصلي عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولون أتأكل رزق أبي سَعِيد وتصلي عَلَى أبي القاسم وخلف بعده ابنه أبا طاهر ففعل مثل فعله وهجم عَلَى الكعبة فأخذ مَا فيها من الذخائر وقلع الحجر الأسود فحمله إِلَى بلده وأوهم الناس أنه اللَّه عز وجل.